حمص- عروة المنذر
“لم أكن أتوقع أن تُسرق مخصصاتي المتبقية من العام الماضي من مازوت التدفئة، هذا لا يعقل، كان بإمكان المعنيين أن يقولوا لنا في حال عدم تعبئة الكميات المخصصة فلن تبقى إلى العام المقبل”.
هكذا بدأ “أبو محمود”، من مدينة حمص، صراخه حين أخبره جاره بأن مخصصات مازوت التدفئة التي لم يستطع تعبئتها في “البطاقة الذكية” في العام الحالي، لن تضاف إلى مخصصات موسم الشتاء الجديد.
في 19 من آب الحالي، شهد سوريون بداية توزيع مخصصاتهم من مازوت التدفئة على “البطاقة الذكية” التي أطلقتها حكومة النظام السوري في عام 2019، وذلك لإيصال الدعم لمستحقيه، و”ضمان عدم حرمان أي أسرة سورية من الدعم الحكومي”، بحسب ما قاله مدير فرع المحروقات في محافظة حمص، المهندس يونس رمضان، لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ورغم أن حكومة النظام أعلنت عن توزيع مادة مازوت التدفئة لموسم الشتاء المقبل عبر “البطاقة الذكية”، لم يستطع أغلب سكان المحافطة تعبئة الدفعة الثانية من مخصصاتهم من مازوت التدفئة، ما كلفهم خسارة 100 لتر بالسعر المدعوم، وفق ما ذكره أحمد الستار (48 عامًا) لعنب بلدي، وهو من أهالي مدينة الرستن شمالي حمص.
وكان الأهالي يأملون بأن تضاف إلى مخصصاتهم في موسم الشتاء بالعام الحالي كمية المازوت التي خسروها، كونهم لم يتمكنوا من تسلمها دفعة واحدة، بينما انتشرت شبكات من سماسرة “البطاقة الذكية” و”تجار المخصصات”، عملوا على شراء الكميات غير المستلمة بأسعار زهيدة.
وتتضمن مهمة “تجار المخصصات” تحصيل مستحقات المواطنين من “البطاقة الذكية” عن طريق علاقات تربطهم مع أصحاب المحطات ومراكز بيع المحروقات، مقابل سعر زهيد، تجنب صاحب البطاقة الانتظار في الازدحام.
وقال “أبو محمد”، صاحب محطة وقود في منطقة الحولة بريف حمص الشمالي، لعنب بلدي، إن جميع محطات الوقود لا يتم تزويدها بالمحروقات إلا مرة واحدة كل عشرة أيام تقريبًا.
محسوبيات وواسطات
وعاش أهالي ريف حمص الشمالي عامهم الماضي باحثين عن صهاريج المازوت التي تجوب الشوارع في محاولة منهم للحصول على بعض الدفعة الأولى (100 لتر) ليجنبوا أطفالهم صقيع الشتاء، فتمكن معظم السكان من الحصول على المخصصات وإن كانوا متأخرين، لكن أغلبهم لم يتمكنوا من الحصول على الدفعة الثانية (الـ100 لتر المتبقية)، ما كلفهم خسارتها عندما رفضوا بيعها لـ”تجار المخصصات”.
وشكا مهند الأحمد (34 عامًا) وهو من سكان مدينة الرستن، لعنب بلدي، من عدم استطاعته الحصول على مخصصات الدفعة الثانية رغم وصول كميات محدودة إلى المدينة، وتأتي هذه الصعوبات بعد أن تمكن من الحصول على مخصصات الدفعة الأولى “بصعوبة بالغة”، على حد تعبيره.
وقال مهند الأحمد، إن الدفعة الثانية من مخصصات المازوت جاءت بشكل غير معلن ولأشخاص محددين، ممن يملكون ارتباطات أمنية مع المفرزة الأمنية في المدينة أو أقارب وأصحاب مختار المنطقة.
ورغم توفر مادة المازوت في محطات الوقود بشكل شبه دائم، لم تزود “الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية” المحطات بكميات المازوت المدعوم، وحصرتها بالصهاريج الجوالة التي تجوب الأحياء، وفق ما ذكره “أبو محمود” صاحب محطة الوقود، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
و”كان أحرى بشركة المحروقات وإدارة البطاقة الذكية توزيع المازوت المدعوم على الكازيات (محطات الوقود) ليتمكن الجميع من اقتطاع مخصصاتهم بكل سهولة بأي وقت يحلو لهم”، بحسب ما اقترحه عبد المؤمن القصير وهو من سكان سهل الحولة شمالي حمص، في حديثه لعنب بلدي عن معاناته بشأن خسارته مخصصات المازوت.
وأضاف عبد المؤمن القصير أن شركة المحروقات بهذه الطريقة التي اقترحها يغلقون كل أبواب السرقة المحتملة، ولن يذل المواطن السوري على الطابور، وكان الجميع سيحصلون على مخصصاتهم بالدفعتين.
تجار المخصصات من جديد
ورغم أتمتة توزيع المخصصات عن طريق ”البطاقة الذكية”، أبقت مؤسسات الحكومة حيزًا كبيرًا لتجار المواد المدعومة من خلال عدم بيع مخصصات المازوت على منافذ بيع مراكز “المؤسسة السورية للتجارة” وعدم إرسال مخصصات الدفعة الثانية إلى محطات الوقود، ما فتح الباب بشكل واسع أمام أصحاب المحطات المتنفذين بتسلم مازوت مدعوم وعدم تسيير الصهاريج وفتح الباب لشراء مخصصات الـ100 ليتر المتبقية.
وقال “أبو محمود” إن هناك بعض أصحاب محطات الوقود من المتنفذين يستطيعون الضغط على شركة المحروقات وقطع كميات من المازوت المدعوم، ويبدؤون بشراء مخصصات البطاقة غير المستلمة (100 ليتر) بـ600 ليرة، ويبيعون المازوت في الأسواق الحرة، ويحققون أرباحًا من خلال سرقة الدعم الذي تقدمه الحكومة للأسر.
–