هند قبوات لعنب بلدي: المرأة السورية كسرت الصورة النمطية للمرأة الشرقية
حوار: أسامة آغي
يعد انطلاق الثورة السورية حدثًا تاريخيًا نتيجة انغلاق الأفق أمام تطور البنى المجتمعية على الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ولهذا انفتح الأفق أمام تغيرات في البنى المختلفة بما فيها الدور السياسي والاجتماعي للمرأة السورية، بصورة أكثر عمقًا وتأثيرًا.
عنب بلدي التقت الأستاذة الجامعية وعضو مجلس إدارة منظمة “تستقل”، هند قبوات، للحديث عن الصورة النمطية للنساء السوريات، ودور منظمات المجتمع المدني في تطوير دور المرأة وتعزيزه.
دور منظمات المجتمع المدني
نشرت منظمة “Christian Aid” في عام 2019 دراسة قالت فيها، إن عدد المنظمات المدنية السورية منذ عام 2000 وصل إلى أكثر من 550 منظمة.
وتعمل كثير من هذه المنظمات على تعزيز دور المرأة في المجتمع السوري، خاصة مع تصنيفها من قبل الأمم المتحدة ضمن “أكثر نساء العرب قهرًا”، في عام 2017.
وحول دور منظمات المجتمع المدني وتأثيرها في وضع المرأة السورية، قالت هند قبوات لعنب بلدي، إن منظمات المجتمع المدني “أسهمت بشكل أو بآخر في التوعية الاجتماعية، من خلال تدريب وتمكين النساء، وكسر الحصار المجتمعي، الذي كان يُفرض عليها حتى في مناطق الداخل السوري المحرر”.
ومنظمة “تستقل”، التي تشغل قبوات عضوية مجلس إدارتها، مؤسسة سورية غير حكومية وغير ربحية أسستها مجموعة من النساء السوريات المؤمنات بقوة الأفكار والتعليم والحوار لبناء المجتمعات من خلال دور المرأة في بناء السلام”، وفقًا للموقع الرسمي للمنظمة.
وترى قبوات أن هناك مناطق في داخل سوريا لا تزال تحت سيطرة بعض الجماعات التي تفرض أفكارًا وأيديولوجيات محددة، “لكنّ النساء كنّ أقوى منها”، بحسب رأي قبوات.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن قال في اليوم العالمي للمرأة عام 2017، “إن المرأة السورية تعاني القهر الجنسي والاغتصاب والقتل”، خاصة في المناطق التي سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وترى قبوات أن المرأة السورية “كانت مقيّدة على الصعيد الثقافي بنشاطات خجولة عبر حضور بعض الندوات الثقافية والمعارض”، مضيفة أنه من النادر أن نراها “تقود أو تحاضر في تلك الندوات ما قبل الثورة”.
وأرجعت السبب إلى أن الجسم الاجتماعي الوحيد الذي يرتكز عليه نشاط المرأة في سوريا (الاتحاد النسائي)، كان مقيدًا بنشاطات خجولة لبعض النساء.
وقرر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في عام 2017 حل “الاتحاد النسائي العام” بعد 50 عامًا على إنشائه، وتولت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مهام “الاتحاد” بما له من حقوق وما عليه من واجبات.
وأُسس الاتحاد بمرسوم تشريعي رقم 121 في آب 1967، ثم حل مكانه القانون رقم 33 عام 1975، المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 3 في شباط 1984.
ويعتبر أول تنظيم يجمع النساء في سوريا، ضمن مؤسسة توصف بـ“المستقلة”، وانتشرت مكاتبه في المحافظات السورية كافة عقب تأسيسه.
وترى قبوات أن نشاطات المرأة السورية تطورت بشكل كبير بعد الثورة السورية، وأوصلتها إلى محافل دولية، مضيفة، “شاركت المرأة السورية في الندوات والمؤتمرات بانطلاقة متجددة وقوية في طريق دعم وتطوير العمل النسائي، إذ رأينا كثيرات من النساء المبدعات في مجالهن، خاصة في مجال العمل النسوي والكتابة”.
وتدلل قبوات على ذلك بقولها، “هناك كتب عديدة أصدرتها كاتبات سوريات، كانت شاهدًا على العصر، إضافة إلى بروز العديد من الصحفيات السوريات اللاتي تحدين المخاطر، وعبّرن بكل حرية عن آرائهن، وحصلن على جوائز محلية وعالمية”.
وحصدت الصحفيات السوريات منذ عام 2011 عدة جوائز عالمية، منهن الصحفية يقين بيدو، التي نالت جائزة “الشجاعة العالمية” من مؤسسة “الإعلام النسائية الدولية” في العام الحالي، والصحفية السورية خلود وليد في عام 2016، التي حصلت على جائزة “آنا بوليتكوفويسكايا” من منظمة “RAW In War”.
نشاطات سياسية وثقافية
ترى هند قبوات أن هناك “تغييرًا للصورة النمطية للنساء السوريات على الصعيد الاجتماعي ما بعد الثورة السورية”، وأن “المرأة عملت بكل طاقاتها وقدراتها، وخاصة في ظل غياب الرجل، الذي اُستشهد أو اُعتقل أو اختفى قسرًا، وفي ظل النزوح واللجوء”.
وأضافت أن المرأة اضطرت لتبادل دورها في المجتمع، وتحولت إلى المسؤولة الأولى عن البيت والأطفال والعائلة، وتحدّت كل الظروف التي فُرضت عليها لتستمر وتكمل حياتها، وتُثبت أنها النصف الثاني والقوي في المجتمع”.
وتعتقد هند قبوات، وهي أستاذة جامعية، أن “نظرة المجتمع تتغير بشكل إيجابي تجاه المرأة، التي كسرت بمقاومتها وثباتها الصورة النمطية للمرأة الشرقية، وتخطّت بعض العادات البالية، التي كانت تمنعها عن العمل والانخراط في المجتمع في بعض الأحيان”.
تغيير الصورة النمطية للمرأة ضرورة
وسعت المرأة السورية لدخول المجال السياسي عبر عدد من الهيئات السياسية، منها “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية” (يضم ست نساء في الهيئة العامة، وامرأة واحدة في الهيئة السياسية، وامرأة واحدة في الهيئة الرئاسية وتشغل منصب نائب رئيس الائتلاف).
كما شكلت المرأة السورية ما نسبته 30% من أعضاء اللجنة الدستورية السورية، التي تناقش وضع دستور جديد لسوريا، وتتكون من ثلاث قوائم، هي قائمة المعارضة وقائمة المجتمع المدني وقائمة النظام السوري.
وتضم القائمة النهائية للجنة الدستورية 150 اسمًا، مقسمة بالتساوي على القوائم الثلاث، وللنساء ستة مقاعد في قائمة “هيئة التفاوض”، و19 مقعدًا في قائمة المجتمع المدني، و12 مقعدًا في قائمة النظام السوري.
لكن الأمر يختلف على أرض الواقع، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” في 2019، لمعرفة رأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل نحو 105 مجالس موزعة بين دمشق وريفها وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية من أصل 427 مجلسًا محليًا، تبين أن نسبة تمثيل الإناث في المجالس المحلية بلغت 2% فقط.
وعن توسيع فكرة النسوية السياسية قالت قبوات، إنها “تكون من خلال العمل على تغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، عن طريق المناصرة والأبحاث والندوات، التي تسلط الضوء على الإيجابية العملية لدور المرأة”.
كما أشارت إلى أن “الكوتا” النسائية كانت مدخلًا لتمثيل أوسع للنساء واشتراكها في العمل السياسي بشكل فعلي.
وترى هند قبوات أن المراة السورية تستطيع إلى اليوم تحقيق اختراق كبير في المجال السياسي، لكنها استطاعت إحراز تقدم لا بأس به مقارنة بواقعها قبل الثورة، خاصة أن النظام السوري عمل على تهميش دور المرأة في مناحي الحياة السياسية خاصة، وأخضعها لحكم السلطة الاجتماعية والدينية والأسرية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :