“عقود إذعان” لسلب ممتلكات عقارية في حمص

  • 2020/08/23
  • 2:22 م

منازل مدمرة نتيجة قصف قوات النظام السوري على مراكز الاحتجاج في مدينة حمص وسط سوريا - 11 من شباط 2012 (فرانس برس)

عنب بلدي – صالح ملص

“خرجتُ من مدينة حمص في 2012 مع الآلاف الذين خرجوا من المدن التي شهدت أعمال عنف، متجهة إلى شمالي لبنان، وبعد سبع سنوات حاولتُ الرجوع إلى المنطقة لتفقد أوضاع بيتي فصُدمتُ حين عرفتُ أن البيت قد حُجز عليه من قبل مؤسسة المياه العامة وشركة الكهرباء في حمص، بسبب التخلف عن دفع الفواتير طوال فترة غيابي عن المنزل”.

هكذا سردت “أم ليلى” (54 عامًا) لعنب بلدي مخاوفها من عدم قدرتها على استرجاع بيت العائلة، الذي عاشت فيه أجمل أيام حياتها، بحسب تعبيرها، بسبب فواتير الماء والكهرباء المتراكمة عليها طوال فترة لجوئها من حمص إلى لبنان، وعدم قدرتها على دفع قيمة تلك الفواتير التي كان مجموعها 977 ألف ليرة سورية (نحو 500 دولار أمريكي).

وباستغراب بدا على طريقة حديثها، تساءلت “أم ليلى” وهي سيدة من مدينة حمص (تحفظت على ذكر اسمها) عن سبب استمرار إصدار الفواتير بشكل دوري على الرغم من غيابها المستمر عن المنزل وعدم استخدامه من قبل أي شخص، ما دفعها لرفع دعوى عن طريق محامٍ ضد مؤسسة المياه العامة وشركة الكهرباء في حمص، لاسترجاع حقها في المنزل.

ومن الطبيعي أن تصدر فواتير الماء والكهرباء بشكل دوري كل شهرين أو ثلاثة أشهر، بحسب ما قاله المحامي السوري أحمد صوان لعنب بلدي، وبالإضافة إلى قيمة تلك الفواتير تضاف رسوم أخرى، مثل رسم صيانة شبكة المياه، ورسم صيانة العداد، وغيرها من الرسوم الملحقة بالفواتير الدورية.

قيمة هذه الرسوم تضاعفت بشكل كبير طوال السنوات الماضية مقابل تدني قيمة الليرة السورية، كما أن غرامات التأخر عن سداد قيمة الفواتير تخضع، بحسب صوان، للفائدة المركبة، أي تجميع الفائدة إلى قيمة مبلغ الفواتير الأصلي، وبذلك يجري تجميع فائدة جديدة خلال فترة لاحقة، وهكذا يتضاعف المبلغ مع مرور السنوات بشكل مخيف، بحسب تعبير صوان.

وبما أن عقود الاشتراك بخدمة المياه والكهرباء التي وقعتها “أم ليلى” عندما مددت العدادات لمنزلها ما زالت سارية، ولم تطلب توقيفها عندما غادرت المنزل، فإن مطالبة مؤسسة المياه وشركة الكهرباء بحسب المبادئ العامة للقانون “مطالبة صحيحة”، وفق صوان، أما إذا كانت الفواتير تتضمن قيمة استجرار كميات غير حقيقية من الماء والكهرباء، واستطاعت المالكة أن تثبت أن العدادات لم تسجل أي استجرار، فتستطيع تقديم اعتراض على المطالبة بالمبلغ، وهذا الاعتراض قليلًا ما يحقق نتيجة واقعية وفعلية نظرًا لصعوبة الإثبات، وفق صوان.

ويجيز قانون جباية الأموال العامة رقم 341 لعام 1956، في مادته الأولى وحتى السادسة، الحجز على أموال المكلف لقاء الضرائب وسائر الذمم المستحقة الأداء للإدارات والمؤسسات العامة، مثل مؤسسة المياه وشركة الكهرباء.

وتسدد الضرائب والرسوم وغيرها من الذمم في أوقاتها المحددة، ولوزارة المالية أن تتخذ بحق المكلفين المتخلفين عن الدفع تدابير وإجراءات، مثل الإنذار والحجز وبيع العين المحجوزة.

كما أن “المادة 8” من قانون جباية الأموال أجازت فرض الحجز دونما حاجة إلى إنذار، إذا لم يكن للمكلف عنوان وموطن مستقر في سوريا، “بمعنى أن صاحبة البيت إذا لم تعترض على قيمة الفواتير، أو إذا اعترضت ولم يُقبل اعتراضها، فهي ملزمة بالتسديد، وتستطيع الدولة إلقاء الحجز الاحتياطي على البيت، ثم قلبه إلى حجز تنفيذي وبيعه بالمزاد لاستيفاء قيمة الفواتير”، بحسب ما قاله صوان.

وعقود مؤسسات الماء والكهرباء في سوريا تعتبر من “عقود الإذعان”، وتتضمن شروطًا مجحفة بحق المشترك، وفق ما ذكره صوان، لكن يلتزم الشخص بالتوقيع عليها بكل ما تتضمنه، كونها تعتبر من الخدمات الأساسية اليومية التي يحتاج إليها الفرد، بالإضافة إلى أن مؤسسات الدولة داخل سوريا “تبتز الناس وتضيّق عليهم، وتطبق كثيرًا من الإجراءات التعسفية بحقهم، وتسعى لتحصيل الأموال منهم بحق أو بغير حق”، بحسب صوان.

وأطلق العنف المستخدم من قبل قوات النظام السوري في النصف الأول من 2012 موجة التهجير الرئيسة الأولى من حمص، فخرج الآلاف من الأحياء المضطربة في المدينة التي تعرضت لقصف يومي بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك قصف الدبابات.

وتعرضت أجزاء كبيرة من شبكات الطرق والصرف الصحي والماء والكهرباء للتدمير في الأحياء التي أخليت من سكانها، ما جعل بعض المناطق غير صالحة للسكن، بحسب دراسة أعدها معهد “سوريا” بالتعاون مع فريق “باكس“، ناقشت حالة التهجير القسري في مدينة حمص وسط سوريا، وحملت اسم “لا عودة إلى حمص“.

ووفقًا لما ذكرته الدراسة، فإن بعض أهالي مدينة حمص تعرضوا للاعتقال والمضايقات، وأجبر بعضهم على المغادرة من قبل القوات الموالية للنظام السوري.

ووصف العديد ممن أُجريت معهم المقابلات ضمن دراسة “لا عودة إلى حمص” كيف نهبت قوات النظام السوري منازلهم، بما فيها عدادات المياه والكهرباء، “ولم يبقَ سوى الحجر”، ما أدى إلى تحويل الهياكل المنزلية التي كانت صامدة إلى أماكن غير صالحة للسكن.

وتحدث تقييم خاص بالأمم المتحدة في عام 2014، أنه من المحتمل أن تكون سلطات النظام السوري قد تغاضت عن عمليات النهب هذه وحمتها.

ويتعرض جزء كبير من السكان المدنيين السوريين للاضطهاد وخطر الاعتقال في حال كان الفرد من الذين عارضوا أو انتقدوا النظام السوري، بحسب تقارير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، ما يجعل العودة إلى حمص أو المناطق الأخرى التي يسيطر عليها النظام محاولة خطرة، من أجل الوصول إلى بعض الأحياء، أو لتأكد الفرد من ملكيته العقارية أو تفقد وضعها القانوني.

ومع ذلك تصر “أم ليلى” على المضي في الدعوى القضائية المرفوعة ضد مؤسسة المياه العامة وشركة الكهرباء، للحفاظ على منزلها الذي تحفظ أركانه ذاكرتها وذاكرة عائلتها.

مقالات متعلقة

  1. وفرة المعروض وتراجع قيمة الليرة يجمدان سوق العقارات بريف حمص الشمالي
  2. سوريون غادروا بيوتهم و"احتلها" آخرون.. من يحمي أملاكهم؟
  3. أهالي مخيم "اليرموك" يناشدون شركة الكهرباء إعفاءهم من الفواتير المتراكمة
  4. "أمتعة الهجرة" تحرّك العرض بسوق العقارات في سوريا

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات