درعا – حليم محمد
أضاف فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) عائقًا إضافيًا أمام تداول الصحف الورقية في درعا، بعدما كادت تنقرض في المحافظة التي أطلقت الصرخة الأولى للحرية عام 2011، قبل عودتها لسيطرة النظام السوري في تموز عام 2018.
عاشت المحافظة تجارب ومشاريع جديدة من العمل الإعلامي في أثناء سيطرة فصائل المعارضة عليها، كانت تواجه الرواية الإعلامية الرسمية للنظام السوري ومنصاته، لكن هذه التجارب توقفت لأسباب متعددة، آخرها سيطرة النظام على مناطق المعارضة.
فيروس “كورونا” أنهى الصحافة الورقية
علّقت وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري إصدار الصحف الورقية، بقرار صدر في 22 من آذار الماضي، بعد الإعلان عن الحالة الأولى للإصابة بالفيروس في سوريا، ويشمل القرار الصحف الخاصة والعامة مع المحافظة على إصدار الصحف إلكترونيًا.
ووصف رئيس تحرير جريدة “الوطن”، وضاح عبد ربه، في لقاء مع وكالة “سبوتنيك”، في 23 من آذار الماضي، ما جرى بـ“السابقة” في تاريخ الإعلام السوري، مضيفًا، “علينا التواصل مع كل قارئ عن بعد، علينا أن نستمع إليه، وأن يقرأ لنا، نريد أن نكون إلى جانبه كما كانت الصحيفة تلازمه كل صباح، فمهنة الصحافة لا تعرف معنى الإجازة”.
لكن العلاقة مع الجمهور تغيرت بعد عام 2011، وليست كما يصفها عبد ربه، فالمفاهيم السياسية والثقافية تطورت لدى سكان درعا، ولم تعد الصحف الورقية التي يوافق النظام السوري على كل المحتوى المنشور فيها مقبولة لدى من طالب بإسقاطه.
إذ استمرت الصحف الرسمية في تبني رؤية النظام للأحداث الجارية في سوريا، واعتبرها أغلبية المثقفين منفصمة عن واقعها، حسب رأي عضو سابق في الحزب “الشيوعي السوري” في درعا، تحفظ على ذكر اسمه.
وكان للصحافة الورقية دور بارز في تثقيف وتنوير المجتمع في خمسينيات وستينيات القرن الـ20، حسبما قال العضو السابق في الحزب “الشيوعي”، لكن بريقها بدأ يخفت بعد تسلّم حزب “البعث” السلطة، حين حولها لناطق باسمه، وهو ما يشمل كل الأراضي السورية، ومنها الجنوب السوري ودرعا.
صحافة “مكرورة”.. رغم مراسيم “الحرية”
صدرت صحافة الحزب “الشيوعي” بشكل سري، حسبما قال العضو المستقيل، وكانت توزع على الأعضاء حتى صدور قانون المطبوعات عام 2001، لتباع على الأرصفة وفي المكتبات، ورغم نقدها لبعض القرارات الحكومية “لم تخرج عن الإطار السياسي العام الذي رسمته لها السلطة في سوريا”.
وأقر النظام السوري عام 2001 القانون رقم “50“، الذي ينص على “حرية المطابع والمكتبات والمطبوعات”، قبل أن يستبدل به القانون رقم “108” الصادر في 28 من آب عام 2011، الذي نص على “استقلال جميع وسائل الإعلام وحريتها بأداء رسائلها”.
وأنشئ في سوريا بموجب قانون عام 2011 “المجلس الوطني للإعلام”، ومهمته تنظيم وتطوير العمل الإعلامي “المستقل”، لكن أعضاءه، وعددهم 11 عضوًا، يعينهم رئيس النظام ويتبعون لمجلس الوزراء.
واستمر عمل المجلس حتى عام 2016، حين أُلغي العمل بتعديلات المرسوم، لتعود سلطة الإشراف على المؤسسات الإعلامية وتنظيمها إلى يد وزارة الإعلام.
وكانت تصدر في سوريا عشرات الصحف الخاصة وأهمها صحيفة “الوطن”، التي يملكها رجل الأعمال رامي مخلوف قريب بشار الأسد، وصحيفة “بلدنا”، وهي صحيفة محلية تهتم بالشأن السياسي السوري، وصحيفة “الدومري” الناقدة، التي ركزت على فساد الأجهزة الحكومية، ودامت مدة عامين فقط من عام 2002 حتى 2004، وكانت صحيفة “سالب موجب”، التي تنشر أخبار الجرائم والفضائح، تلقى رواجًا بين المتابعين.
ويرى الصحفي وليد النوفل، المنحدر من درعا والعامل في موقع “سوريا على طول” الإخباري، أنه يجب تقييم الصحافة الخاصة في سوريا بشكل منفصل لكل صحيفة، بناء على المحتوى والغرض والأجندة التي تعمل وفقها، إذ مثّل بعضها تجربة “مختلفة” حاولت النهوض بالإعلام السوري قبل أن تجبر على الإغلاق.
الإعلامي أنور الحريري، الصحفي السابق في موقع “يقين” الإخباري الذي يركز في تغطياته على الجنوب السوري، قال لعنب بلدي، إن النظام حاول إيهام العالم بإعطاء مساحة من الحريات، وسمح بإصدار بعض الصحف الخاصة، ولكن بالحقيقة فإن جميع المقالات في سوريا تمر عبر مكاتب التوجيه السياسي وتحت إشراف المكتب الصحفي في “القصر الجمهوري”.
وأضاف أنور أن الشعب السوري لم يكن يومًا موهومًا بما تتضمنه تلك الصحف، إلا أن “رهبة الأفرع الأمنية والخوف من تهمة إضعاف الشعور القومي كان يدفع الناس لشرائها، وأنا بصفتي الشخصية كنت أشتريها لحل الكلمات المتقاطعة وأستخدمها لمسح البلور”.
الإنترنت.. نافذة الإعلام البديل
فرض النشاط “الثوري” بعد عام 2011 التناقل السريع للأخبار، وساعد على تشكل منابر جديدة عبر المواقع الإلكترونية التي لم تستطع الرقابة الحكومية ضبطها.
كما أتاح الإنترنت مصادر فورية متنوعة للخبر، على عكس الصحافة المطبوعة اليومية أو الأسبوعية التي يصعب الحصول عليها أحيانًا، حسبما قال ضياء، وهو طالب سابق في كلية الحقوق، تحفظ على ذكر اسمه الكامل، وتحدث لعنب بلدي عن تجربته كمتلقٍّ للمعلومة.
ولا تضطر المواقع الإلكترونية للإسهاب بالشرح في مقالاتها وأخبارها، حسبما يرى المحامي العامل في موقع “هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا”، تامر الجهماني، وهو ما دفع الثورة للاعتماد عليها “لكثرة الأحداث والمجازر”.
وقال الصحفي المستقل باسل غزاوي، إن الصحافة الإلكترونية تتيح المتابعة بكل لحظة، ولكن من غير الممكن إيصال الصحافة الورقية إلى كل المتابعين مع صعوبة التحرك في مناطق سيطرة المعارضة.
بينما يرى الإعلامي أحمد المجاريش، العامل في تجمع “أحرار حوران” (منصة إخبارية محلية)، أن إصدار الصحف الورقية أمر مكلف، بين الطباعة والورق والحبر وأجور مكاتب وعمال.
وكانت في درعا تجارب “متواضعة” لإصدار مطبوعات ورقية، من بينها مجلة شهرية حملت اسم “شمس”، قال أحد محرريها السابقين، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إنها توقفت بعد طبع ثلاثة أعداد عند سيطرة النظام على المحافظة، وكانت قد “لاقت إقبالًا من الناس”، لما وصفه بـ”الحنين” إلى المطبوعات الورقية من قبل القراء الذين كانوا يبحثون عن المجلات والكتب.
وبحسب موقع “أرشيف المطبوعات السورية“، فإن محافظة درعا شهدت إصدار مطبوعتين في عامي 2012 و2013 تتبنيان خطابًا مناهضًا للنظام السوري، هما “مهد الثورة” التي صدر منها ستة أعداد، و”العمري” التي صدر منها أربعة أعداد.