“التلفزيون أكثر انتشارًا وأكثر شمولًا، فلذلك إذا أردنا أن نُعالج فكرة فأنا أحب أن أعالجها عن طريق التلفزيون لأنه يصل إلى كل بيت (…) ومسؤولية التلفزيون مسؤولية كبيرة وخطيرة، فلذلك على الفنان أن يجوّد من أعماله، وأن ينتقي وأن يتخير لمواقع أقدامه، وأن يكون قدوة حسنة في كل المجالات (…) التلفزيون ليس لانتشار الفنان كصورة، أنا لا أحب أن يحفظ الناس اسمي أو شكلي، أحب أن يكون صوتي ذا فائدة ويصل إلى كل الناس”.
هكذا تحدث الفنان السوري ياسر العظمة عن أهمية الفن التلفزيوني في إحدى مقابلاته النادرة في الثمانينيات مع الإعلامي السوري مروان صواف، حين سُئل عن سبب فقر أعماله المسرحية بالتزامن مع توالي أعماله التلفزيونية عبر سلسلة “مرايا” الشهيرة، التي اقترن اسم العظمة بها، مقابل عمل سينمائي يتيم حمل عنوان “الرجل الأخير”.
وبعد أكثر من 30 عامًا من تلك المقابلة، لم يحفظ الجمهور السوري صوت العظمة فقط، بل تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوحات ومقتطفات من سلسلة “مرايا”، بالإضافة إلى مطالبات بعض الأشخاص من جمهور الفنان العظمة بالعودة إلى الشاشة الصغيرة، من خلال تعليقاتهم عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك“، وإنتاج المزيد من مراياه التي عكست الواقع السوري وتناولت علاقة المواطن بالسلطة وقضايا الفساد، بالإضافة إلى مواضيع اجتماعية وثقافية بقالب الكوميديا السوداء.
العظمة يلوّح بعودة جديدة
وأعلن العظمة أمس، الخميس 20 من آب، عن عودته إلى الشاشة بعد غياب سبع سنوات، لكن ليس من خلال سلسلته “مرايا”، بل عبر مشروع جديد يحمل اسم “إن رضيت دمشق”.
ونشر العظمة إعلانًا ترويجيًا، عبر منصاته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، وجه من خلاله رسالة إلى جمهوره قال فيها “أنا مشتاق لكم كما اشتقتم لي”.
وأرجع العظمة عودته إلى الشاشة بسبب رسائل وتعليقات المعجبين من جمهوره، التي تزيده حماسة إلى التواصل معهم عبر هذا المشروع الجديد.
وسيكون البرنامج عبارة عن ظهور فردي يتناول العظمة فيه مواضيع اجتماعية متنوعة.
تحدي العودة “فيسبوكيًا”
وينوي العظمة استثمار منصاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي الموثقة لتجديد تواصله مع جمهوره، وإن منع التباعد الاجماعي الذي فرضه فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) لا يمنع التواصل “فيسبوكيًا، يوتيوبيًا، إنستغراميًا” مع الجمهور، كما قال العظمة في مقطعه الترويجي.
وبعكس مقابلته في الثمانينيات، انتقد العظمة الفن التلفزيوني الذي أصبح بيد “أهواء شركات الإنتاج” التي تستثمر شهر رمضان باعتباره موسمًا دراميًا لـ”حشر” مسلسلاتها التلفزيونية في هذا الشهر كي يكونوا “من المبشرين بالربح” المادي، بحسب تعبير العظمة.
وتحدث العظمة بتهكم عن مدى تلاؤم المسلسلات التلفزيونية والقصص المناسبة والمتناغمة مع شهر رمضان، التي “تُذهب الظمأ عن المشاهد (الصائم) وتبتل عروقه” بما يشاهده من المسلسلات الاجتماعية المختارة بعناية، بحسب ما عبر عنه العظمة.
وجاء العقد الأول من الألفية الجديدة حاملًا تغيرات متسارعة بتوسع صناعة الدراما في سوريا، التي استقطبت كتابًا ومخرجين وتقنيين، مكونة لنفسها إنتاجًا دائمًا جعلها غير متأثرة بالظروف التي مرت على بقية القطاعات الفنية والثقافية السورية، كالمسرح والسينما، لدرجة صار إحصاء الشركات المنتجة الجديدة للدراما التلفزيونية أمرًا صعبًا، وعد المسلسلات المنتجة أصعب.
وفي الثمانينيات، انتقلت سلسلة “مرايا” بين عدة جهات إنتاجية سورية وأردنية ثم سعودية ثم سورية مجددًا، إذ كان الظهور الأول لهذه السلسلة عام 1984، وحملت اسم “مع مرايا 84” من تأليف ياسر العظمة، وإخراج هشام شربتجي، ومن إنتاج التلفزيون السوري، لتتبعها بعد عامين نسخة جديدة من المسلسل “مع مرايا 86” لنفس المؤلف ونفس المخرج، إلا أن الإنتاج كان من قبل الشركة الأردنية للإنتاج التلفزيوني والإذاعي والسينمائي.
ثم انتقل العظمة وشربتجي في عام 1988 لإعداد “مرايا 88” بإنتاج شركة “آرا للإنتاج الفني” وهي شركة سعودية مقرها الرياض، ليعود الإنتاج بعدها ليتنقل بين عدد من الشركات السورية مع الأجزاء اللاحقة في هذه السلسلة، بحسب دراسة بحثية حملت اسم “تطور آليات إنتاج الدراما السورية” للباحث السوري وائل سالم.
وضم المسلسل بجميع أجزائه نخبة من الممثلين السوريين، مثل: سامية الجزائري، مها المصري، وفاء موصللي، سليم كلاس، حسن دكاك، بشار إسماعيل، عبد المنعم عمايري، وغيرهم.
وتعاقب على إخراجه كبار المخرجين السوريين، مثل هشام شربتجي ومأمون البني وحاتم علي وسامر برقاوي وسيف الدين سبيعي.
وسيكون البرنامج الجديد، عبر التواصل الاجتماعي، أول عودة رسمية لياسر العظمة منذ تقديمه آخر حلقات سلسلة “مرايا” في عام 2013، وتوقف بعدها بسبب الظروف الأمنية في سوريا، وتدهور وضع الدراما السورية بشكل عام، بالإضافة إلى هجرته إلى مصر.
وكان مقررًا أن يعود العظمة بجزء جديد من “مرايا” في عام 2019، وذلك وفقًا لمواقع فنية سورية، كما أكدت الممثلة صفاء سلطان، عبر تصريح لموقع “الفن” اللبناني في حزيران 2018.
وانتشرت آراء في مواقع التواصل تقول إن عدم عرضه يعود إلى ضغوط من طرف النظام السوري لتوجيه لوحات “مرايا” في اتجاه سياسي معين، قد يرفضه العظمة، ما أدى إلى إجهاض مشروع “مرايا 2019” مبكرًا.
ويعتبر برنامج “إن رضيت دمشق” بمثابة تحدٍ أمام العظمة للتواصل مع جمهوره بحلقة واحدة أسبوعيًا، بعيدًا عن “الزحام الرمضاني” عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي بعد فشل استمرار “مرايا” على شاشة التلفزيون، وفي حال لم يلقَ البرنامج التفاعل المطلوب من الجمهور، فسيعتزل العظمة مهنة التمثيل بعذ ذلك.
وزار العظمة العاصمة السورية دمشق في أيار 2018، وسط الحديث عن أن زيارته جاءت للتنسيق بشأن “مرايا 2019” وإبرام العقد مع شركة الإنتاج، لكن الأمر لم ينجح.
–