مشاريع ومبادرات سورية للحفاظ على حقوق الملكيات العقارية

  • 2020/08/21
  • 2:10 م
طفل سوري يقف أما بيته المدمر في أحد أحياء مدينة حمص - 13 كانون الأول 2018 (ناشيونال جيوغرافيك)

طفل سوري يقف أما بيته المدمر في أحد أحياء مدينة حمص - 13 كانون الأول 2018 (ناشيونال جيوغرافيك)

طالت انتهاكات واسعة المساكن والأراضي والممتلكات في سوريا خلال سنوات النزاع الحالي، ما فاقم من حدة المشاكل العقارية، الموجودة أصلًا، لا سيما مع تغيّر خريطة النفوذ العسكري والسياسي في المناطق السورية وتناوب العديد من الجهات المسيطرة، الأمر الذي جعل استرداد ملكية العقارات من قبل أصحابها الأصليين أمرًا بغاية الصعوبة.

وتبدو الحاجة ملحة لتمهيد الظروف اللازمة للتوصل إلى حل شامل لانتهاكات حقوق الملكية، سيكون مرتبطًا بتحقيق تسوية سياسية شاملة في البلاد، وتطبيق عدالة انتقالية.

ويُلقى على عاتق منظمات المجتمع المدني السورية العديد من المسؤوليات في المرحلة الحالية، للإسهام في الوصول إلى عملية التسوية والعدالة الانتقالية، بما في ذلك توثيق الانتهاكات المرتكبة في مجال حقوق الملكية العقارية، وإشراك الضحايا في تطوير وتنفيذ الإجراءات الرامية لمعالجتها، إلى جانب مساعدتهم في حفظ السجلات الضرورية والوثائق المهمة لإثبات ملكية عقاراتهم واستعادة ممتلكاتهم، ونشر التوعية والتثقيف اللازمين، وتقديم الاستشارات القانونية.

كما يُعوّل على هذه المنظمات تهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين واللاجئين بشكل آمن وكريم وطوعي، والمشاركة في تنفيذ عمليات جبر الضرر وتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المتورطين.

عنب بلدي تحدثت مع عدد من المنظمات السورية المهتمة بقضايا الملكيات العقارية، والعاملة على توثيق الانتهاكات الحاصلة حيالها خلال السنوات العشر الماضية، للوقوف على أبرز مبادرات المجتمع المدني السوري في هذا الصدد.

“المركز السوري للعدالة والمساءلة”

عمل “المركز السوري للعدالة والمساءلة” على إعداد تقرير بعنوان “عودتنا أصبحت حلمًا”، يلخص ويشرح تاريخ قوانين الملكية العقارية في سوريا، للمساعدة في فهم تعقيدات أي مشروع لحماية واستعادة الممتلكات العقارية.

وأشار مدير المركز، محمد العبد الله، إلى أن التقرير يقدم رؤية مفصلة عن آلية مقترحة لاسترداد الممتلكات في سوريا بمرحلة ما بعد النزاع، يمكن أن تكون بإشراف ودعم دوليين، وعليها الأخذ بعين الاعتبار تعقيدات قوانين الملكية. 

ولفت إلى أن البحث يحيل إلى حالات مشابهة في دول أخرى، إذ أدت المعارك أو الحروب إلى نزوح أو تهجير قسم كبير من السكان، وسلب ممتلكاتهم بصيغة أو بأخرى، مثل ما حصل في البلقان (البوسنة والهرسك).

وأضاف أن المركز قدم التقرير إلى “البنك الدولي” كطرف يعمل على ترتيب الأفكار حول إعادة الإعمار في سوريا، كما تمت مشاركته مع عدد كبير من الحكومات الفاعلة، أهمها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.

إلى جانب ذلك، شارك المركز بالعديد من الأنشطة لرفع الوعي حول أهمية حماية الملكيات العقارية في سوريا، وعمل على إدراج بند “استرداد الملكيات العقارية” في جميع أنشطته مع منظمة الأمم المتحدة، ومكتب المبعوث الخاص في ذلك الوقت، ستيفان ديمستورا. 

وفي عام 2016، شارك المركز بغرفة المجتمع المدني على هامش محادثات “جنيف 3″، وعمل مع منظمات أخرى على إصدار وثيقة مشتركة وتسليمها للمبعوث الخاص عن أهم النقاط التي يرغب المجتمع المدني بالتركيز عليها، وكان من بينها موضوع استرداد الملكيات العقارية.

ومنذ بدء حملات التهجير القسري الجماعي، عمل المركز على إثارة الموضوع بشكل متكرر لكنه لم يلقَ آذانًا صاغية من الأمم المتحدة أو الدول المعنية، بحسب العبد الله، إلا بعد صدور القانون رقم “10” لعام 2018، وما عناه وقتها من سلب عقارات المهجرين بشكل واضح وعلني.

ويعمل المركز بشكل مكثف على تحليل أنظمة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومة السورية، ولفت العبد الله إلى أن المركز، ومن خلال علاقته بوزارة الخزانة الأمريكية، عمد المركز إلى التأكيد على ضرورة إدراج الشركات العاملة بمجال إعادة الإعمار في مناطق تم تهجير أهلها وسلب ممتلكاتهم بالقوة ضمن الشركات المعاقبة، مشيرًا إلى أن ذلك بدا واضحًا في أول دفعة من عقوبات “قيصر”، وقد تمت الإشارة إليه بشكل مباشر في بياني وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين.

مؤسسة “اليوم التالي”

بدأت مؤسسة “اليوم التالي” العمل على موضوع حقوق الملكيات العقارية في عام 2014، وتركز عملها بداية على مساعدة الجهات المحلية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وأشار المدير التنفيذي للمنظمة، معتصم السيوفي، إلى أن عملها تركز في محافظات حمص وحلب وحماة، وأنها عملت على  حفظ نسخ إلكترونية من السجلات العقارية والوثائق الرسمية تخوفًا من احتمال تعرضها للتلف بفعل العمليات العسكرية أو السرقة أو أسباب أخرى، بالشراكة مع “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، و”محامو حلب الأحرار”، ومنظمة “أبجد”، وعدد من المجالس المحلية في تلك المناطق. 

وانتقل عمل المنظمة لاحقًا إلى إنتاج أوراق بحثية ودراسات تفصيلية عن مشاكل القوانين العقارية في سوريا، وبخاصة القانون رقم “10” لعام 2018، وذلك بالتعاون مع عدد من القضاة والاختصاصيين القانونيين السوريين، إلى جانب إقامة ندوات داخل وخارج سوريا استهدفت فعاليات سياسية ومدنية سورية، وكذلك جهات دولية، مثل البعثات الدبلوماسية والأمم المتحدة ووكالات التنمية الدولية العاملة في سوريا، لرفع وعيها حول مشاكل هذه القوانين ومخاطرها المحتملة على حقوق الملكية للاجئين والمهجرين السوريين، بالشراكة مع منظمة “أبجد”، و”البرنامج السوري للتطوير القانوني”، والقضاة حسين البكري، وفخر الدين العريان، وعبد الحميد العواك، وخالد الحلو، وأنور مجني، ورياض علي. 

السيوفي أضاف أن المنظمة عملت أيضًا على إعداد دراسة مسحية شملت عشرة آلاف مهجرة ومهجر من جنوبي سوريا بشكل أساسي لشمالها الغربي، لرصد جريمة التهجير القسري، وتحليل أجوبة المهجرين عن استبيان يهدف إلى تحليل توفر عناصر جريمة التهجير القسري في الحالة السورية، والتعرف إلى أوضاع المهجرين في الأماكن التي وصلوا إليها، وكذلك أوضاع ملكياتهم التي تركوها وراءهم، ومدى توفر ما يكفي من أوراق ثبوتية بين أيديهم.

وتشترك “اليوم التالي” حاليًا مع عدد من المنظمات السورية في مجموعة عمل للدفاع عن حقوق الملكية من أجل الإسهام في رفع وعي الفاعلين حول القضايا المتعلقة بهذا الخصوص، ورصد ما يستجد حوله، والأخطار التي يمكن أن تهدد حقوق الملكية للسوريين. 

وتضم هذه المجموعة كلًا من المنظمات التالية:

أبجد، مدنيون للعدالة والسلام، تجمع المحامين السوريين الأحرار، تجمع مصير للاجئين الفلسطينيين في سوريا، مجلس القضاء السوري، مكتب التنمية المحلية، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وحدة تنسيق الدعم، رابطة محامي حلب، حماة حقوق الانسان، النساء الآن، مسار، دائرة المهجرين في الحكومة المؤقتة، دائرة حقوق الملكية في الحكومة السورية المؤقتة، رابطة كرامة المواطن، جذور، المحامون السوريون الأحرار، مساواة، إحياء الأمل، إحياء السلام.

“تجمع المحامين السوريين”

رئيس “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، لفت إلى تنبّه التجمع مبكرًا لمسألة حماية حقوق الملكية العقارية، وهو ما دفعه إلى إطلاق مشروعه للتوثيق الوطني (تصوير وحفظ السجلات العقارية والوثائق الرسمية بشكل رقمي) منذ منتصف عام 2013، وأشار قرنفل إلى تواصله مع عدة جهات لتمويل المشروع حتى تمكن من إبرام عقد تمويل أولي مع مؤسسة “اليوم التالي”، لإنجاز مرحلة منه، واستمر التعاون بين المنظمتين حتى عام 2018، إذ توقف تمويل البرنامج، عقب تغطيته عدة مناطق في حلب وإدلب وحمص.

وعلى مستوى آخر، أطلق التجمع بداية عام 2018 مشروعه الجديد “رد المساكن والممتلكات العقارية للاجئين والنازحين السوريين”، الذي يوفر منصة إلكترونية لتمكين السوريين أينما وُجدوا من توثيق ممتلكاتهم وحفظ صورة عن وثائق ملكياتهم إلكترونيًا.

وأكد قرنفل أن جميع الوثائق والتوثيقات التي يحتفظ بها التجمع إلكترونيًا تُودع لدى إحدى مؤسسات الأمم المتحدة لحفظها للمستقبل، عندما يحين أوان الفصل في المنازعات حول الملكيات التي جرد النظام السوريين منها أو دمرها أو استولى عليها، أو أي انتهاكات تعرضت لها على يده، أو على يد القوى الأخرى المسيطرة، إلى جانب تعويض الضحايا.

كما باشر التجمع برنامجًا توعويًا للاجئين في تركيا بقضايا حقوق السكن والملكية، ومخاطر بعض القوانين عليها، وسبل الحماية الممكنة، بتمويل من “المؤسسة الأورومتوسطية” لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان .

وأصدر التجمع ورقة بحثية مطولة بعنوان “الملكية العقارية والدستور”، شخّص فيها جذور المشكلة العقارية في سوريا، وحزمة القوانين الجديدة التي تمس حقوق الملكية، وخرج بها بتوصيات مهمة، منها وجوب أن يتضمن أي اتفاق للحل السياسي في سوريا ضمانات حقيقية لحماية ممتلكات السوريين وردها لأصحابها وتعويض من تضرر، ووجوب أن يتضمن أي دستور قادم نصوصًا تفصيلية بهذا الشأن لضمان حقوق الناس.

“البرنامج السوري للتطوير القانوني”

مدير وحدة الدعم بالقانون الدولي في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، يوسف وهبة، أشار إلى أن وحدة الدعم تعمل ضمن اختصاص تقديم الدعم القانوني والتقني لمنظمات المجتمع المدني السوري في مختلف جوانب العمل المتعلقة كليًا أو جزئيًا بالقانون الدولي.

وفيما يتعلق بصلب موضوع حقوق الملكية، تعمل المنظمة في إطارين: بناء على طلبات من بعض المنظمات، أو من خلال أخذ المبادرة.

وأوضح وهبة أن الطلبات قد تتضمن إجراء تدريب حول الموضوع من وجهة نظر القانون الدولي، أو مراجعة تقارير أو بيانات أو غيرها من المنشورات، والتأكد من تضمينها وتناسبها مع لغة القانون الدولي ومواده.

وفي سياق التدريبات، تسعى المنظمة إلى أن يكون محتوى التدريب مرتبطًا بطبيعة نشاط المنظمة المتلقية للتدريب، بمعنى الربط ما بين المحتوى القانوني وخطط المناصرة، وكيفية توظيف الأول في الثاني على سبيل المثال، وكذلك الأمر فيما يخص المنظمات التي تعمل على التوثيق، وكيف تضمن المنظمة مراعاة عملها التوثيقي للمعايير القانونية.

أما بخصوص المبادرات التي تأخذها المنظمة، فيمكن أن تتناول جزئية معينة ذات صلة بالموضوع والعمل على إنتاج تحليل قانوني تتم مشاركته وتعميمه على المنظمات الشريكة للاستفادة من محتواه، كما أنها تحث المنظمات على تضمين الموضوع في النشاطات التي تدعمها وتحديدًا التواصل الفعال مع آليات الأمم المتحدة مثل الإجراءات الخاصة (على سبيل المثال إعداد وإرسال شكاوى رسمية)، أو التواصل والاشتراك مع الدول غير التقليدية لإثارة موضوع حقوق الملكية، وحث هذه الأطراف على اتخاذ مواقف وإجراءات على المستوى الدولي بخصوصها (مثل مستوى مجلس حقوق الإنسان أو مجلس الأمن)، ولفت وهبة إلى أن المنظمة تولي اهتمامًا خاصًا بمجالات الدعم هذه لروابط الضحايا/ الناجين والعائلات، خاصة لمجموعات من المهجرين/ات قسريًا نظرًا للارتباط الوثيق والمنطقي بين قضيتهم وموضوع حقوق الملكية.

منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”

عملت المنظمة من خلال توثيقها انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، وفي إطار سعيها لتحقيق العدالة والتغيير بالمجتمع السوري، على رصد الانتهاكات المتعلقة بحقوق الملكيات العقارية بعدد من المناطق السورية.

وأشار المدير التنفيذي للمنظمة، بسام الأحمد، إلى أن توثيق انتهاكات حقوق الملكية التي ترتكب في سوريا، خاصة ضد الأقليات، هي من أولويات المنظمة.

وأضاف أن المنظمة أصدرت لهذا الغرض عدة تقارير موثقة بالشهادات تثبت الانتهاكات التي وقعت على حقوق الملكية وطالت فئات معينة مثل المسيحيين، والكرد السوريين، خاصة بعد عمليتي “غصن الزيتون” و”نبع السلام“، وغيرهما.

“الرابطة السورية لكرامة المواطن”

منسق دمشق وريفها في الرابطة، محمد منير الفقير، أشار إلى أن قضية ملكيات المهجرين والحفاظ عليها وتوثيقها موضوعة على أجندة عمل الرابطة.

وقال لعنب بلدي، إن تركيز الرابطة منصبّ حاليًا على حق عودة المهجرين، وشروط الحد الأدنى لهذه العودة، وكيفية ضمان هذا الحق في أي حل سياسي، ومنع أي عودة قسرية، وتوضيح معايير وشروط توفر البيئة الآمنة.

وأوضح أن الرابطة أعدت ثلاثة تقارير في هذا السياق، تحدث الأول، الذي جاء بعنوان “الانتقام والقمع والخوف“، عن الانتهاكات بحق العائدين والملكيات التي تمكنوا أو لم يتمكنوا من استعادتها، بينما ناقش التقرير الثاني، الذي حمل عنوان “المطرقة والسندان“، المشاكل التي يواجهها النازحون واللاجئون في البيئات الجديدة التي انتقلوا إليها، واستعرض التقرير الثالث، بعنوان “نحن سوريا“، شروط المهجرين للعودة.

ولفت إلى أن العمل على موضوع حقوق الملكية يتم بالشراكة مع منظمات تعمل على تغطيته بالدرجة الأولى، مثل منظمة “أبجد” و”اليوم التالي”.

مقالات متعلقة

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات