ريما فليحان – افتتاحية العدد
حين تذكر أمامي كلمة داريا.. ترتسم في مخيلتي على الفور صورة أم غياث.. ملامحها الطيبة ودموعها وعيونها التي تشبه إلى حد كبير عيون الشهيد غياث مطر والتي طبعت صورته في مخيلة كل السوريين إلى الأبد…
أذكر إلى الآن كلماتها التي قالتها لي حين تشرفت بزيارة البيت الذي ربى الشهيد البطل غياث أذكر حين ضمتني وخففت عني لما عجز اللسان واختنقت الدموع لم أتمكن يومها أن أعبر لها عن مدى الألم الذي حل بنا جميعا حين سمعنا بقصة غياث وما فعله المجرمون بفلذة كبدها في نفس اللحظة التي كنت أنظر فيها الى زوجته الطيبة والتي كانت تحمل في قلبها ابن غياث ابن الشهادة والحياة… في ذلك اليوم تمنيت أن أكون غرسة أمام قبر شهيد من شهداء داريا التي أنجبت كل هذه السنديانات الشامخة والتي سيجت الثورة بالسلمية بينما يجابه النظام أحرارها بالرصاص والاعتقال والتعذيب…
فداريا علمتنا جميعاً دروساً في المقاومة المدنية والقدرة على الصبر والإصرار وقدمت نموذجاً حضارياً للثائر السلمي الذي قدم الورود لرجال الأمن وخرج ليتظاهر بصدرٍ عارٍ أمام البنادق المجنونة.. داريا هي هذه الأم التي أنجبت شبان بسلمية الورود وبأخلاق الفرسان نبلاً وشجاعة وحرية… والتي تقدم أبناءها قرابين لوطنهم الحبيب برضا ليزينوا قوائم الشرف السورية بحروف من ذهب…
الأم التي أنجبت يحيى شربجي.. ونبيل شربجي.. وغياث مطر.. وإسلام الدباس.. ومجد خولاني.. وكل أحرارها الشرفاء.. والتي ولدت أبناء الأرض وشموس الحرية… وأجادت التربية فخرّجت أبناءً يحبون الوطن ويقدمون أغلى ما لديهم بصمت العظماء..
واليوم إذ أتشرف بكتابة هذه المادة لتكون حبة في عناقيد عنبها البلدي سأنتهز الفرصة لأقول لأبنائها الاحرار: سيأتي ذلك اليوم الذي سنحج فيه إلى بيوتكم ونتشرف بمصافحة أهالي داريا بيتاً بيتاً.. لأن هذه البلدة حفرت اسمها بوجداننا وعلى جدار التاريخ، وكللت بالنبل ككل أبنائها رمزاً للثورة السلمية وتجذر الأخلاق.. بوركت هذه الأرض وكل من داس على ترابها من شرفائها الاحرار .