آدم الشامي
كشف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي عام 2018 عن عملية تجسس إلكترونية واسعة شنها على مواقع المنشآت النووية الإيرانية عام 2010، من خلال زرع برامج تجسس إلكترونية داخل أجهزة وشبكات الكمبيوتر الخاصة بهذه المنشآت، وأسفرت هذه العملية عن سلسلة عمليات عسكرية وتخريبية حملت البصمات الإسرائيلية داخل إيران. حيث نشهد بشكل شبه أسبوعي تقريبًا أحداثًا دامية في إيران، ولعل أهمها استهداف المنشآت الإيرانية في طهران (مركز لتصنيع وقود الصواريخ) وأصفهان (مركز لتخصيب اليورانيوم)، في 26 من حزيران الماضي، كما نشهد كثيرًا من الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية على مواقع للجيش الإيراني في سوريا.
اللافت أن الوجود الإيراني العسكري في سوريا لم يكن يحتاج إلى اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري والدفاع المشترك مع سوريا، فإيران تقوم ببعض ذلك فعليًا! لكن رسالة واضحة أُرسلت بهذه الاتفاقية إلى إسرائيل من قبل إيران بأن طهران رسميًا صارت على تماس كلاسيكي، جيشًا لجيش، مع إسرائيل، وأنها لن تكتفي بمعارك “حزب الله” وحتى حروبه.
هذا من جهة إيران! لكن الرسالة الأخرى التي أرسلها النظام السوري إلى حليفه الروسي حملت مضمونًا أنه يمكن الاستغناء عن الروس من خلال التحالفات الأخرى، ولن يكون لاستثمار روسيا لمرافئ سوريا أي تأثير للضغط على النظام السوري بعد الآن، فالخط التجاري الذي أمّنه له “حزب الله” من ميناء بيروت إلى دمشق، والاستيراد على اسم الشركات اللبنانية كفيل بكسر الحصار، وذلك على خلفية التقارب بين بوتين وبعض الشخصيات المعارضة للنظام السوري، والبحث عن البديل السياسي لرئيس النظام الحالي، ومنع الجيش السوري من استخدام الصواريخ الروسية، بل والتصرف بأسلوب المحتل للبلد.
صرح قبطان السفينة التي حملت الشحنة المتفجرة إلى ميناء بيروت، أن الممول للرحلة وصاحب الشحنة روسي الجنسية، وأنه استغنى عنها في الميناء الذي أهملت إداراته بشكل عجيب وجودها رغم كل التحذيرات من العديد من الأجهزة الأمنية والخدماتية اللبنانية حتى وقعت الكارثة، وتداعياتها السياسية التي فجرت كثيرًا من الأسئلة! فالتضامن الإسرائيلي مع العدو اللدود لبنان أعاد إلى ذاكرتنا تنصيبها بشير الجميل رئيسًا! وتقاربها مع القوات والكتائب اللبنانية التي تقف اليوم مفاجئة الجميع مطالبة بعودة فرنسا إلى لبنان كانتداب، وتوقيع عريضة لأجل ذلك، ثم زيارة رئيس فرنسا الذي عانقته شابة لبنانية وهي تستجديه الخلاص من بؤرة الفساد، واشتعال المواقع الاجتماعية بالدعوات إلى الفيدرالية والتقسيم الطائفي- المناطقي في لبنان! بل وتصعيد خطابات الكراهية ضد السوريين والإيرانيين، والمظاهرات التي تخوّن وتندد بإرهاب “حزب الله”، كله يوتر الجو ويعيد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية في لبنان، لا أعادها الله.
قد تكون هناك كثير من السيناريوهات المحتملة حول الفاعل/ الفاعلين وغاياتهم، فمن مصلحة روسيا أن تُخرج ميناء بيروت من الخدمة لخنق النظام السوري! ومن مصلحة الحكومة اللبنانية الفاسدة التغطية على ملفات الفساد والسرقات، فهناك تقارير اختصاصية تقول إن حجم الانفجار لا يوازي 2750 طنًا من مادة “نترات الأمونيوم” بل أقل بكثير، وهناك من يطالب بالكشف عن المسؤول بالسماح لبقاء هذه المواد بالمستودعات، التي تساوي أجرة بقائها ملايين الدولارات، وهناك من يرغب بالتصعيد في لبنان للتغطية على أزمة البلد الاقتصادية أو حتى التمهيد لإدخال الانتداب الفرنسي، أو تقسيم البلد، أو ضرب سلاح “حزب الله”، والتحليل الأخطر أن تكون إيران و”حزب الله” وراءها كمخرج من التوترات التي تشهدها المنطقة الجنوبية مع اسرائيل لصرف النظر عن الأزمة، خصوصًا أن لـ”حزب الله” اليد الطولى في الميناء كما في المطار، ولا تفوته فائتة.
هناك من يمرر تحت ستار الأزمات مشاريعه، وهناك من يخلق تلك الأزمات ليمررها.
إن كان التفجير الأول الذي هز بيروت في عام 2005 وقتل الحريري قد أخرج سوريا من لبنان، فإن التفجير الحالي قد يُدخل إحدى القوى الإقليمية المتنافسة إليه، وبالتالي يسحب سلاح “حزب الله” أو يقسم لبنان على الأقل، فهل ستسمح إيران بمثل هذا؟
–