محمد أنور مجني
من أهم ملامح المشكلة العقارية في سوريا، أن السجلات العقارية لا تُعبر عن واقع الملكية، وذلك بسبب انتشار السكن العشوائي، وبالتالي تعرض كثير من أصحاب حقوق الملكية إلى مخاطر ضياع هذه الحقوق نتيجة عدم انعكاسها على السجلات العقارية، وقد انتشرت ظاهرة السكن العشوائي وتمددت ليصبح لدينا ما سمي بمناطق المخالفات.
بداية يمكن تعريف السكن العشوائي ومناطق المخالفات، وفق ما عرفها تقرير حكومي بأنها: تجمعات نشأت في أماكن غير مُعدّة للبناء أصلًا، وذلك خروجًا عن القانون وتعديًا على أملاك الدولة والأراضي الزراعية مع غياب التخطيط أحيانًا، ثم توسعت وانتشرت وأصبحت أمرًا واقعًا وحقيقة قائمة.
ولكن السؤال، هل كان السكن العشوائي نتيجة لعدم التزام المواطن بالقوانين العقارية وتعديًا منه على الأملاك العامة والخاصة؟ أم كانت مسؤولية الدولة بأنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع هذه الظاهرة أو أنها هي من أسهمت بها وقامت برعايتها؟
للجواب عن هذه التساؤلات لا بد من البحث في أسباب انتشار السكن العشوائي، ومن ثم في المسؤولية عنه.
إن الأسباب كثيرة ومتراكمة عبر الزمن، بدءًا من الأسباب السياسية، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان سبّب موجة من التهجير أدت إلى نشوء مخيمات تحولت بعضها لاحقًا إلى تجمعات سكن عشوائي، وكذلك أسباب سكانية، ومنها الزيادة السكانية الكبيرة في سوريا، وأسباب اقتصادية واجتماعية، ومنها عوامل الطرد الريفي والجذب المدني الناتج عن عدم التنمية المتوازنة، ما أدى إلى حركة سكانية كبيرة من الريف إلى المدينة، إلى جانب أسباب تشريعية وتقنية، وأهمها عدم ملاءمة كثير من القوانين للواقع العقاري، والتي كانت تسبب تفاقم مشكلة السكن العشوائي بدلًا من حلها، وبطء إنجاز معاملات التحديد والتحرير، وأيضًا التأخر في إصدار المخططات التنظيمية والتفصيلية لمناطق التوسع العمراني، ويضاف إلى هذه العوامل مشكلة الملكية على الشيوع، التي عقّدت المشكلة العقارية.
من استعراض أسباب نشوء مناطق السكن العشوائي، نجد أن المواطن كان يحتاج إلى السكن وخاصة في مراكز المدن الكبرى، ولم تعد المساكن النظامية كافية لتلبية الاحتياجات، وكانت هناك تعقيدات قانونية وإدارية تمنع البناء بشكل نظامي، وخاصة التأخر في إصدار المخططات التنظيمية والتفصيلية، وهو ما أدى إلى نشوء طبقة طفيلية مرتبطة بالنظام سُمّيت بتجار المخالفات، هؤلاء استغلوا حاجة الناس للسكن، ورغم أن القوانين تمنع وتعاقب على البناء دون ترخيص، فإن هذه الطبقة كانت تتمتع بالعلاقات التي تمنع عنها المساءلة والملاحقة القانونية، بل الأكثر من ذلك أن التشريعات والقرارات كانت تأتي لحماية هذه الطبقة من خلال إعاقة البناء بشكل نظامي لتكون هي وحدها القادرة على البناء، وبتكلفة أقل نظرًا لعدم حاجتها لدفع الضرائب والالتزام بنظام ضابطة البناء.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول، إن ظاهرة السكن العشوائي كانت تتم برعاية النظام وبإرادة منه لخلق توازنات معينة وتغييرات ديموغرافية يقصدها من خلال السماح لأشخاص مرتبطين به يقومون ببناء أطواق حول المدن، والمثال عليها نشوء منطقة كاملة من مناطق السكن العشوائي عرفت باسم “مزة 86” وجاء هذا الاسم من اسم لواء “سرايا الدفاع” (اللواء 86) حيث سُمح لعناصر هذا اللواء بالبناء العشوائي في هذه المنطقة لتتحول لاحقًا إلى حي سكني.
يتضح مما سبق أن صاحب الحق في الملكية والسكن بمناطق السكن العشوائي كان ضحية لفساد مقصود لأجهزة الدولة، وعدم مراعاة القوانين للواقع السكاني والعمراني، وبالتالي لا يجب أن يدفع المواطن ثمن فساد السلطة، ويجب أن تراعي القوانين الجديدة أسباب ومسؤولية ما حدث، ولكن هذه القوانين التي صدرت خلال النزاع لم تراعِ ذلك، بل ذهبت إلى معاقبة المواطن عن مخالفات تسببت الدولة وشركاؤها بها.
–