أسامة آغي
انفجار مرفأ بيروت ليس حادثة وقعت نتيجة خطأ فني، كما يحاول بعض المتابعين للحدث تصوير الأمر، فهذا الانفجار الكبير سيترك خلفه تداعيات مختلفة، على أصعدة متعددة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ولهذا، الأمور بنتائجها، وبالمستفيدين من وراء انفجار كهذا.
الانفجار الكبير خلط الأوراق في لبنان والمنطقة، وفتح الباب على صراعات جديدة، ستأخذ دورها في تغيير خارطة المنطقة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، هذا التغيير لا يتمّ بين عشية وضحاها، بل يحتاج إلى زمنه الخاص، وإلى أدوات جديدة تدخل لعبة الصراع.
وقبل قراءة ما يمكن أن يحدثه انفجار مرفأ بيروت من ارتدادات أبعد من لبنان، يمكن القول إن ما ذهبت إليه شبكة “فولتير” الفرنسية بأن الموقع الذي انفجر في مرفأ بيروت، في 4 من آب الحالي، هو ذات الموقع الذي تحدث عنه نتنياهو، في 27 من أيلول 2018، أمام الأمم المتحدة، قائلًا إنه مستودع أسلحة تابع لـ”حزب الله”، يضع إسرائيل في دور الفاعل بهذا الانفجار، وبالتالي يدفع باتجاه قراءة نتائجه وفق اتجاهات السياسة الإسرائيلية ومن خلفها الأمريكية، اللتين تتفقان على ضرورة خروج إيران من المنطقة، وإضعاف أذرعها، وفي مقدمة هذه الأذرع “حزب الله” اللبناني.
ارتدادات انفجار مرفأ بيروت ستصيب ثالوث ما يسمى “محور المقاومة والممانعة”. وهذا المحور، الذي تقع دمشق في موقع النواة الكبرى منه، ستكون نتائج هذا الانفجار وخيمة عليه، بالمعاني الاقتصادية والأمنية والسياسية.
فمرفأ بيروت، الذي لم يكن يخضع لحزم العقوبات، جاء ليضعه في وضع الاتهام، إذ إنه يُستخدمُ بطريقة غير شرعية من قبل “حزب الله”، الذي يختطف دور الدولة اللبنانية ومؤسساتها، فهذا المرفأ يعمل وفق تقارير دولية كثيرة، كمنصة تهريب للمخدرات التي يصنعها “حزب الله” ويرسلها إلى العالم، من أجل تمويل نشاطه الأمني والعسكري في لبنان وخارجه.
كذلك يستخدم مرفأ بيروت كمنصة توريد لمواد تكنولوجية لمصلحة النظام السوري، الخاضع لعقوبات دولية تمنعه من استيرادها.
انفجار مرفأ بيروت سيعقّد الدور الأمني لـ”حزب الله” اللبناني، حيث يعتبر المرفأ بوابته لتوريد الأسلحة والذخائر المطلوبة للاستخدام في حروب المنطقة، بما يخدم المشروع الإيراني تحت مسمى “محور المقاومة والممانعة”.
وهذا الانفجار قد يدفع المجتمع الدولي إلى وضع هذا المرفأ وغيره من منافذ لبنان نحو الخارج تحت الرقابة الدولية.
لهذا سيجد النظام السوري أن انفجار المرفأ سيؤثر على قدراته بمتابعة سياساته الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهو أمر يغلق الباب بوجه استمرار هذه النشاطات بالصورة السابقة، لذا تأتي تصريحات النظام لتعبر عن قلقه حيال هذه الكارثة التي حلت بمحور حلفه الإيراني.
انفجار مرفأ بيروت سيربك قدرات “حزب الله” الاقتصادية، وبالتالي سيتأثر الجانب الأمني والسياسي بذلك، فبتراجع هذه القدرات اقتصاديًا، ستنخفض قدراته على تنفيذ نهج تدخله في شؤون بلدان المنطقة، وتحديدًا تدخله في سوريا، ويترافق هذا التراجع مع تراجع الأداء الاقتصادي الإيراني، الخاضع للعقوبات الدولية بسبب برنامج إيران النووي، ودورها في إثارة وتعميق النزاعات في الشرق الأوسط، خدمة لمشروعها “إيران الكبرى”.
كذلك سيعزز هذا الانفجار من دور وفاعلية قانون “قيصر”، الذي يريد من النظام تغيير سياساته، لأنه يغلق بوابات كانت تساعده في الالتفاف على هذا القانون.
لهذا يمكن القول، إن انفجار مرفأ بيروت لا يمكن عزله عن سياق صراعات إيران ومحورها السوري- اللبناني، وهو بالتالي سيؤثر على أداء هذا المحور، ما يفترض دخول عناصر تأثير جديدة على معادلة صراعاته، عناصر لم تكن حاضرة بحسابات الصراع السوري من قبل.
إن تراجع دور “حزب الله” اللبناني في سوريا، وتراجع قوة التدخل الإيراني في الصراع السوري، ستدفع بالنظام السوري على المدى المتوسط والقريب إلى تقديم تنازلات سياسية جوهرية، تتعلق بموقفه من القرار الدولي 2254.
لهذا، لا يمكن أن تقف ارتدادات انفجار مرفأ بيروت عند حدودها كانفجار وقع كقضاء وقدر، رغم أن “حزب الله” وحلفه السوري- الإيراني يريدان وقفها عند تلك الحدود، وهذا ظهر من خلال رفض “حزب الله” وحليفه ميشال عون تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن الانفجار، فهذه اللجنة لا بد أن تصل نتيجة الكشف على الموقع وتحليل نتائج الانفجار إلى تحديد المسؤولية عن ذلك بالجهة المتحكمة بحركة المرفأ.
انفجار مرفأ بيروت أربك حسابات النظام وإيران بشن حرب جديدة في إدلب، وأبعد مراهنتهما على تنفيذ تلك الحرب، وما يريدانه منها، لتعزيز أوراق النظام في معادلة الصراع والحل السياسي.
ولكن هل يمكن القول إن انفجار المرفأ له علاقة بتعزيز دور قانون “قيصر” على النظام السوري؟ وهل سيلعب هذا الانفجار دورًا إضافيًا في إضعاف النظام السوري، وإجباره على الذهاب إلى “جنيف” بعد حين؟
الممكن قوله بهذا الاتجاه، هو أن الولايات المتحدة بهيئتها التشريعية عبر مجلسيها النواب والشيوخ، من الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري”، وحكومة ترامب، لم تسن قانون “قيصر” للتفرج عليه، وإنما لجني نتائج تطبيقه، كفائض مستحق للسياسة الأمريكية في المنطقة، وكأسلوب لتعزيز دور الولايات المتحدة بإدارة ملفات الصراع والتحكم باتجاهات تطوره ونتائجها.
وفق هذه الرؤية، نستطيع اعتبار انفجار مرفأ بيروت كمحطة من محطات مواجهة المشروع الإيراني، وإضعاف أذرعه في حلقاته الإقليمية في لبنان وسوريا، واعتبار أن ما بعد انفجار المرفأ لن يكون كما قبله، ولعل ذلك سيكون أوضح بكثير في ساحة الصراع السورية.
هذا الوضوح سيتحدد بمعطيات جديدة لا يستطيع النظام وحلفه مواجهة نتائجها، ولعل في مقدمة هذه المعطيات، إضعاف الحلقة الإيرانية في سوريا إلى أقصى ما يمكن، من خلال إضعاف الدور الإيراني في هذا البلد، وهو أمر سيقود بالضرورة إلى تجفيف دور “حزب الله” في الحلقة اللبنانية.
وبالتالي يمكننا القول، إن الحلقتين، اللبنانية (حزب الله وحلفه) والسورية (النظام وحلفه)، هما حلقتان تجمعهما علاقة جدلية، وأي حدث سلبي في إحداها له نتائج في الحلقة الثانية، ولكن النتائج السلبية في الحلقة السورية ستكون ذات أهمية أكبر نظرًا لأهمية الموقع السوري وحجم تأثيره في محيطه الإقليمي والدولي.