عن انفجارات بيروت وانفجارات مدننا
إبراهيم العلوش
انفجارات بيروت أثارت هلع العالم، وأثارت الصور والفيديوهات المتداولة عن الانفجار ومخلفاته كثيرًا من الأحزان لدى السوريين، الذين استعادوا ذكريات تفجير بيوتهم ومدنهم بصواريخ النظام وأسلحة المحتلين الذين استجلبهم إلى سوريا.
بدأت انفجارات بيروت حوالي الساعة السادسة مساء، في 4 من آب الحالي، بينما بدأت انفجارات سوريا منذ لحظة الهتاف من أجل الحرية منتصف آذار 2011، انفجارات بيروت تسببت بها مخزونات العنبر رقم 12 في ميناء العاصمة، المعبأ بحوالي ثلاثة آلاف طن من “نترات الأمونيوم”، بينما انفجارات سوريا تسببت بها أسلحة مخازن الجيش السوري التي راكمها طوال عقود من أجل “تحرير فلسطين وتحرير الأمة العربية”، وعاونته مخازن أسلحة الثورة الإسلامية الإيرانية التي جاءت لـ”تحرير القدس”، بالإضافة إلى الخردة العسكرية المتبقية من تراث الاتحاد السوفييتي الصديق، الذي أسهم مع غيره بتدعيم نظام الأسد وترسيخ النهج الديكتاتوري في البلاد.
ولعل كل واحد منا يحمل ذكرياته الخاصة عن الانفجارات التي عاشها وفقد فيها عددًا من أحبته وأهله، وكان أول انفجار كبير عرفناه في الرقة هو انفجار المركز الثقافي في مطلع آذار 2013، الذي قصفته طائرات النظام بعد أكثر من سنة من القصف المدفعي الذي كانت تتعرض له أطراف مدينة الرقة، وبعده توالت صواريخ “السكود” من ريف دمشق لتصل إلى أسواق الرقة وأفرانها وقراها المجاورة، بالإضافة إلى موجة البراميل المتفجرة التي دمرت مركز الرقة، وعددًا من المدارس والبيوت والمباني العامة، وكانت سرعة الرياح هي التي تحدد الهدف النهائي للبراميل، وليس مهارة سلاح الطيران.
لقد دمروا سوريا وجعلوها خاوية، استكمالًا لنهج حافظ الأسد الذي نخر الحياة السياسية وأطلق شبيحته لنهب المجتمع على أيدي عائلات أقاربه من آل مخلوف وشاليش، حتى غدت بلدًا لا تتردد فيه إلا أصوات خطاباته، وخطابات مسؤولي “البعث”، وخطب صلوات الجمعة المفروضة من المخابرات، بالإضافة إلى أصوات أغنيات التمجيد في الإذاعات.
انفجار المجمع الحكومي جعل الموت يدخل في عروقنا، وصرنا نركض في الفراغ غير مستوعبين ما حدث لركاب باص النقل الداخلي، ولا للسيارات العابرة، ولا للناس الذين اختفوا فجأة من الساحة وبغير رجعة، كان الموت حقيقة قاصمة وليس مجرد خبر أو احتمال.
كان النظام ينتقم من المدنيين لأن فرع المخابرات الجوية الموجود في قبو المجمع الحكومي سقط بأيدي مجموعة من المحتجين، فقد هرب عناصر الفرع بشكل لم يستوعبه المارون، فهل يُعقل أن مصنع الموت الرهيب كان بهذه الهشاشة، لقد حمل الناس الملفات والتقارير في الشارع، وبدؤوا يقرؤون ما فيها من دناءة وتسوّل وحقد!
بعدها توالت الانفجارات في الفرن السياحي وفي شارع سيف الدولة، وعند مدرسة “علي بن أبي طالب” والمحكمة والمتحف، وصار الموت حاضرًا في كل بيت، وصارت الأشلاء تتطاير من الرجال ومن النساء ومن الأطفال، وفقدت البيوت واجهاتها وتطاير زجاجها، وصرنا نسكن في ممرات الشقق وفي الحمامات، ونبتعد عن الانفجار القادم في أي لحظة، فصوت الطائرات وأصوات قذائف المدفعية والبراميل المتفجرة وقذائف “الهاون” كانت تقتل كل ما فينا من صبر ومن أمل، ومهدت الطريق لوصول الأفاعي التي أطلقها النظام من غلاة الإسلاميين الذين جاؤوا يقتلون الناس بصفتهم وكلاء حصريين للعناية الإلهية!
بعد الانفجار تعاطف اللبنانيون مع بعضهم، وقدموا المساعدات للمحتاجين رغم كل الانقسامات الطائفية بينهم، بينما نجد أن السوريين الذين اختاروا التشبيح للنظام كانوا يحتفلون فرحين بحفلة الموت المفتوحة التي بدأها النظام، وصاروا يرقصون على الأشلاء ويمجدون بطولات الجيش الذي شرع بتدمير البلاد بكل ما يمتلك من الأسلحة وبكل ما استوعب من المنطلقات النظرية التي غرسها في عقيدته حافظ الأسد وطاقمه المخابراتي.
دمّر انفجار بيروت أحد أكبر المرافئ في شرق المتوسط، وأضر بنصف مدينة بيروت، هذا الدمار وكما حدث بعد دمار المدن السورية، سيفتح الطريق واسعًا أمام هجرة كثير من اللبنانيين، وقد يتركون بلادهم ليرث أعوان “حزب الله” المزيد من النفوذ فيها، مثلما استولت الميليشيات الإيرانية وشبيحة الأسد على دمشق.
لكن يبدو أن بيروت ليست لقمة سائغة لمن يشتهيها، فالناس يتظاهرون ويطالبون بحقوقهم وبمحاسبة المتسبب بهذا الدمار اعتبارًا من رئيس الدولة، ميشال عون، مرورًا بـ”حزب الله” وأعوانه من الفاسدين، وهم مصرون على انتزاع حقوقهم دون أن تجرؤ المخابرات أو الجيش حتى الآن على الاعتداء عليهم، والإعلام في معظمه يقف مع الناس ومع حقوقهم، بينما في انفجارات سوريا التي دمرت معظم المدن والبلدات السورية، لا يزال الإعلام السوري يرقص في حفلة الدماء والدمار والتهجير.
يبكي محافظ بيروت على الدمار، بينما لم يشعر أي محافظ سوري بالندم أو بالأسف على تدمير المدينة التي كان يحكمها، ويستقيل رئيس الوزراء اللبناني، بينما يعقد مجلس الوزراء السوري المزيد من الجلسات، ويوقّع أعدادًا لا تنتهي من المعاهدات لتوطيد الاحتلال الإيراني، ولمنح المزيد من الموانئ والمناجم والمطارات للروس.
يصمت الرئيس اللبناني تحت ضغط الشارع ومطالبات الإعلام والدوائر الدبلوماسية، بينما يضحك بشار الأسد في خطاباته، ويطالب بالمزيد من التهجير والتدمير من أجل الخلاص من الإرهاب وبناء المجتمع المنسجم الذي يضمن وصول ابنه، والميليشيات التي سيقودها، إلى سدة الحكم في سوريا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :