إدلب – إياد عبد الجواد
تفاصيل المكان والروائح المنبعثة منه والأمراض التي قد تسببها، لم تمنع محمد سطوف، النازح من قرية التوينة في سهل الغاب إلى مخيم “الإخلاص والصفوة”، من العمل في مكب نفايات لإيجاد قوت أطفاله الأربعة حماية لهم من الموت جوعًا، بعد أن أُغلقت الأبواب في وجه مجال عمله الأساسي، الزراعة.
حالة ليست فريدة
حاول محمد أن يجد عملًا مناسبًا، ولكن بسبب قلة الفرص، ومعاناته مع مرض “الشقيقة”، اضطر مكرهًا للعمل في البحث عن الخردوات من مكبات النفايات والحاويات الموجودة في منطقة قاح، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
لدى محمد طفل صغير مريض بـ”التهاب السحايا”، ويتلقى العلاج في تركيا برفقة والدته، والبقية من أولاده ينتظرونه وحيدين لمدة سبع ساعات يوميًا، تبدأ مع بزوغ أشعة الشمس الأولى.
يقطع الشاب الثلاثيني مسافة تتجاوز 20 كيلومترًا، جامعًا ما قيمته 1500 ليرة سورية فقط من الخردوات، ليشتري فيها خبزًا يعود به لأطفاله.
حالة محمد سطوف، الذي أُصيب بمرض جلدي جراء هذا العمل بمكب النفايات، لم تعد فريدة في مناطق شمال غربي سوريا، التي يتكدس فيها 4.1 مليون شخص بين نازح ومهجر ومقيم، 76% منهم من النساء والأطفال، معظمهم تحت خط الفقر ويعيشون على المساعدات الإنسانية التي أصبحت تدخل إليهم من معبر واحد فقط (باب الهوى)، حسب تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، الصادر في 13 من تموز الماضي.
نزح محمد ستوت بعد تدمير منزله في قرية شلخ بريف إدلب، إلى قرية كفرعروق، وسكن مع أسرته المكونة من ثلاثة أطفال في خيمة، وبدأ العمل في مخبز آلي، إلا أنه لم يتمكن من الاستمرار نتيجة إصابة سابقة في ظهره.
لم يستطع محمد ستوت بعدها إيجاد عمل مناسب، ليلجأ إلى جمع الخردوات والبلاستيك من مكبات النفايات الواقعة بين قريتي كفرعروق وكفردريان، مصطحبًا معه زوجته وأطفاله من أجل مساعدته.
أكد محمد ستوت أنه اختار هذا العمل كي لا يمد يده للناس طلبًا للمساعدة، ولشبه غياب دعم المنظمات، فبحسب قوله، لا تقدم المساعدة سوى للأرامل والأيتام، مشيرًا إلى أنه غير راضٍ عن هذا العمل بسبب نظرة الناس والاستهزاء الذي يتعرض له، إضافة إلى تعرضه وأسرته لعدة أمراض تنفسية بسببه.
أمراض تودي بحياة أصحابها.. الفيروسات والجراثيم ليست الوحيدة في المكب
الطبيب علاء المحمود، قال لعنب بلدي إن عمل الأطفال أو البالغين وأحيانًا كبار السن بين النفايات، صار من مسلمات الأمور والظواهر الطبيعية في مناطق شمال غربي سوريا.
والخطورة المنطوية على هذه الأنواع من الأعمال “كبيرة” و”جسيمة”، وقد تودي بحياة صاحبها في بعض الأحيان، بحسب الطبيب علاء، وذلك لتزايد خطورة انتقال بعض الأمراض الفيروسية والعديد من الأمراض الجرثومية للعاملين فيها.
وترتفع نسبة الخطورة في الحاويات التي تحتوي على مواد مستهلكات طبية مستعملة، كإبر الحقن ورؤوس الإبر والقساطر الوريدية، حيث يمكن أن تنتقل بعض الفيروسات نتيجة إحداث جرح بيد الطفل أو الشاب، مسببة له التهاب كبد من نمط “B” أو “C”، والتهابات أخرى سواء كانت بولية أو دموية جهازية.
ويمكن أن يتعرض الطفل أو الشاب للدغات البعوض المنتشر في هذه الأماكن، الأمر الذي يمكنه أن ينقل للمصاب نوعًا من أنواع الطفيليات المسببة لمرض “الملاريا” الخطير المؤدي لارتفاع درجات الحرارة والغثيان، والإسهال والتعرق الشديدين، بحسب الطبيب.
وأضاف الطبيب أنه يمكن أن يصاب الشخص بحمى “الضنك”، وهي نوع من أنواع الحمى، أو الحمى “الصفراء”، نتيجة العمل بالنفايات، مشيرًا إلى أن العامل قد يتعرض أيضًا للذباب المنتشر بكثرة، الذي يزيد من خطورة الإصابة بمرض “الليشمانيا”.
وأشار إلى أن الحيوانات المنتشرة في القمامة مثل الفئران قد تنقل فيروسات “هانتا” التي تصيب الرئتين.
ولا تكمن الخطورة في الفيروسات والجراثيم فقط، بحسب الطبيب، بل تزداد بوجود آلات حادة ومعادن ذات حواف قاطعة ثاقبة، يمكن أن تصيب الباحث عن الخردوات، وتؤدي إلى إصابته بـ”الكزاز”، أو تعرضه لهجوم من بعض الكلاب المسعورة التي تعد عضتها من مسببات “الكزاز”، والموت في حالة عدم إيجاد المسعف.
حلول ممكنة فمن يتحمل المسؤولية؟
مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، قال لعنب بلدي إنه لا توجد إحصائيات ثابتة لأعداد العاملين في مكبات النفايات في شمال غربي سوريا، رغم كثرتهم والمشاكل التي يسببها ذلك العمل لهم.
وأكد حلاج أن الأعداد تتزايد بشكل خاص في مخيمات أُنشئت في مناطق تجاور المكبات، كمناطق كفرلوسين والشيخ بحر ومحيط مدينة إدلب.
وأشار حلاج إلى إمكانية انتقال عدوى الفيروسات التي تحدث عنها الأطباء من منطقة لأخرى بسبب نقل المواد ضمن النفايات إلى معامل التكرير، وتدويرها بطرق غير صحية، وإعادة استخدامها.
أما فيما يخص الحلول المطروحة، بحسب حلاج، فيجب أن تكون مكبات النفايات بعيدة عن التجمعات السكنية والمخيمات، وأن تُتلف النفايات بشكل سليم، وتُنشأ أسوار في محيطها وتوضع رقابة عليها، لضمان عدم دخول الأشخاص إليها.
وعن العاملين في مجال جمع النفايات، أكد حلاج أن على المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري تحمّل المسؤولية بتقييم دقيق لأحوال المحتاجين.
كما حمَّل حلاج الجهات المسيطرة على الأرض المسؤولية بشكل مباشر بسبب عدم ضبط الأسعار، وارتفاعها بشكل كبير، ولعدم تأمينها فرص العمل، وهو ما جعل الناس يلجؤون إلى مثل هذه الأعمال الخطرة.
وبحسب تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA)، فإن 75% من المجتمعات في شمال غربي سوريا غير قادرة على تحمل تكاليف المواد الغذائية الأساسية، مع زيادة الضغط النفسي والاجتماعي والفقر، ونقص فرص العمل الذي تفاقم بسبب آثار القيود المرتبطة بـانتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).