جلال الحمد
أصدر “المجلس العام للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” في 5 من آب الحالي، القانون رقم (7) لعام 2020 المؤلف من (21) مادة تحت مسمّى “حماية وإدارة أملاك الغائب”، ليعود ويوقف العمل به في 12 من الشهر نفسه، معلنًا أنه سيقوم بإعادة النظر به وصياغته لتلافي “التداعيات التي يمكن أن تحصل من جراء تطبيق هذا القانون، والناجمة عن سوء فهمه والاختلاف في تفسير مواده”.
يُعتبر هذا القانون الأول من نوعه في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي يتعامل بشكل مباشر مع أملاك “كل من غادر الأراضي السورية مدة سنة أو أكثر بقصد الإقامة الدائمة والمستمرة خارجها”، وفق ما ورد في القانون.
بالاطلاع على مواد القانون، يمكن اعتباره امتدادًا للمخاطر التي تهدّد أملاك السوريين، ومن أبرزها القانون رقم (10) لعام 2018 الصادر عن النظام السوري، واستيلاء فصائل مسلحة في مناطق سورية عدة على أملاك اللاجئين والنازحين، وفرض شروط أقرب للتعجيزية من أجل استعادتها.
في تفاصيل القانون الجديد، تتشكل لجنة “لحماية أملاك الغائب” يترأسها “قيمان” تمتلك صلاحيات “حصر أموال وأملاك الغائبين والمحافظة عليها، وتنظر في الاعتراضات المقدّمة لها من المتضررين من القرارات الصادرة عنها”.
ورغم قرار وقف تنفيذ القانون، فإنه من الضروري وضع بعض الملاحظات المختصرة حوله، وما يشكله من انتهاك لحقوق أهالي المنطقة.
يمكن تلخيص هذه الملاحظات بالنقاط الأربع التالية:
1- وفق المادة (4)، يسري القانون على العقود المبرمة قبل صدوره ويعتبرها مؤقتة، ويعطي الحق للجنة بالنظر فيها، مبرّرًا ذلك وفق المادة (10) “بوضعها في خدمة تنمية المجتمع مع الحفاظ على أصل الحق ودون تغيير وصف الملك”، ولا يبين القانون في مادتيه المذكورتين الحالات التي يتم فيها تأجير أو استثمار أملاك الغائب، ولا يوضّح المقصود من “تنمية المجتمع”.
2- ما قد يشير إلى فرض شروط قد تكون صعبة التحقق، ربطت المادتان (11) و(12) إعادة أملاك “الغائب” أو ريع أملاكه في حال قامت اللجنة بإدارتها بعودته أو أحد أقاربه من الدرجتين الأولى والثانية، رغم كل ما يحيط بعودة اللاجئين من مخاطر أمنية وعوائق مادية، وتؤكد المادة (14) على أن إعادة الأملاك تكون بطلب يقدم إلى اللجنة المعنية، يُظهر من خلاله المالك رغبته بالعودة والإقامة الدائمة في سوريا، وهو ما يعني أن أملاك الآلاف من اللاجئين المستقرين وغير الراغبين أو غير القادرين مهددة، كما تحرم المادة (15) أي تصرف للغائب بأملاكه وإن عاد وتسلمها وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في ذات القانون، وذلك لمدة سنة إلا بإذن السلطات المعنيّة.
3- يحيل القانون في المادة (9) الطعن بقرارات اللجنة إلى “ديوان العدالة الاجتماعية”، وهو بمنزلة محكمة الدرجة الأولى وفق هيكل النظام القضائي في شمال شرقي سوريا، ما قد يشكّل خطرًا إضافيًا، إذ وجّهت منظمات حقوقية ملاحظات في تقارير عديدة على أدائه، من أهمها النقص في الخبرات القانونية، وتدخل المجلس التنفيذي والأجهزة الأمنية في عمله، إضافة إلى الآلية المعتمدة في اختيار القضاة، التي لا تشترط حصوله على شهادة في القانون.
4- يمنح القانون لمكونات محدّدة الحق في تشكيل لجنة من قبلهم لتنفيذ أحكامه وفق المادة (19) “فيما خص أملاك السريان الآشوريين والأرمن، تقوم لجنة ممثلة عنهم بإدارة الأملاك المذكورة وفق أحكام هذا القانون”، ويمنحها صلاحية إضافية وفق الفقرة (ب) من نفس المادة “لجنة أملاك السريان الآشوريين والأرمن تتخذ قراراتها فيما يخص بيع وشراء واستثمار أملاك السريان الآشوريين والأرمن الموجودين ضمن شمال شرقي سوريا”، ولا يقدّم أي تبرير لوجود لجنة غير اللجنة المشكّلة وفق المادة (1)، كما لا يعطي هذا الحق لغير المكونات المذكورة.
يحمي القانون الدولي وبشكل واضح ملكية النازحين واللاجئين، ولا يجيز حرمان أحد من ملكه تعسّفًا إلا للمنفعة العامة، ووفق مبادئ القانون الدولي، وكذلك لدفع الضرائب والغرامات وغيرها من الإسهامات.
للمالك الحق باللجوء إلى القضاء في حال المساس بحقوقه، ورغم أن القانون يمنح هذا الحق، فإن مخالفة المحاكم لشروط المحاكمة العادلة لا تبعث على الاطمئنان، كما ينص دستور عام 2012، والقوانين السورية على هذه الحماية.
أصدرت “الإدارة الذاتية” مجموعة من القوانين قبل ذلك، وهي لا تمتلك أي صفة قانونية تمكّنها من الإقدام على هذه الخطوة، فهي تفرضها بسلطتها كأمر واقع، وهذا ما سيفضي إلى تعرّض أملاك كل من تطاله نتائجها إلى مشكلات قانونية مستقبلًا إذ لا اعتراف قانوني، كما أن الحكومة السورية لم تتعامل خلال السنوات الماضية مع أي وثيقة صادرة من جهة أخرى غير مؤسساتها، وهذا ثابت بتجارب أبناء المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها.
أسهمت “قسد” في خروج آلاف المدنيين من مناطق سيطرتها نتيجة إجراءاتها القمعية، وملاحقاتها الأمنية للناشطين والمعارضين لحكمها، وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها، والتجنيد الإجباري، والترهيب والإقصاء والتفرّد في إدارة المنطقة، وهي تطالب الآن “الغائبين بالعودة” مع احتمال أن يكون “الغائب” قد خرج حماية له ولعائلته من بطش هذه السلطات.
إن “الإدارة الذاتية” مطالبة بالالتزام بالقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن تعمل باعتبارها قوة مسيطرة على حماية حقوق الناس بدل إلحاق الضرر بهم.
تشكّل هذه التصرفات من قبل “الإدارة الذاتية” دفعة جديدة باتجاه المزيد من المواجهات والاضطرابات، في حين تشهد عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرتها مظاهرات احتجاجية، وحالة من التوتر نتيجة الانفلات الأمني وما تخلله من اغتيالات، وبالتالي فإنها مطالبة بالعمل على إصلاح علاقاتها مع المجتمع المحلي، وذلك من خلال التجاوب مع جميع المطالب المشروعة، والعمل على فتح قنوات الحوار بدل إغلاقها.
–