إدلب – يوسف غريبي
قطعوا مسافات لم تكن طويلة بالضرورة لكنها كانت كفيلة بعبورهم من حياة إلى أخرى، فما بعد النزوح لم يكن كما قبله بالنسبة لمئات الآلاف في شمال غربي سوريا، حيث صار طلبهم للعون فرضًا لتأمين المأوى والطعام واللباس، لكن لمن يوجهون النداء؟ ومن يوصل رسالة المحتاجين؟
خيمة تلو الأخرى.. يولد المخيم والمسؤولية
حين اضطر عبد السلام اليوسف لمغادرة بلدة التح في ريف إدلب الجنوبي، نتيجة الحملات العسكرية للنظام السوري وحليفته روسيا، التي سبب آخرها نزوح أكثر من مليون وأربعين ألف مدني من أرياف إدلب وحماة وحلب نحو الشمال، واجه مشكلة الازدحام والغلاء التي حالت دون تمكنه من استئجار منزل لإيواء عائلته.
لم تكن استجابة المنظمات العالمية والمحلية كافية لموجات النزوح، إذ اضطر النازحون لافتراش العراء قبل البدء بتشكيل مخيمات عشوائية، حتى بُني أكثر من 366 مخيمًا عشوائيًا في المنطقة، انضمت إلى 911 مخيمًا رسميًا موجودًا سابقًا، وفق بيانات فريق “منسقو الاستجابة”.
غياب دعم المنظمات ومعاناة النازحين، دفعا عبد السلام للبدء بتأسيس مخيم، حسبما قال لعنب بلدي، مؤمّنًا قطعة الأرض بالتعاون مع معارف وأصدقاء منحوه الدعم لتأمين الخيام قبل دعوة أهالي بلدته لتشكيل مخيم “التح” في ريف إدلب الشمالي.
لم يطلب عبد السلام الإذن من أحد لتسلّم إدارة المخيم، ولكنه اضطر لتسجيل مخيمه مع “إدارة المهجرين” التابعة لحكومة “الإنقاذ” ومع المجلس المحلي في محاولة للحصول على الدعم.
وحتى اللحظة، هناك أربع جهات يمكن لإدارة المخيم أن تتبع لها وهي: المجالس المحلية، “إدارة المهجرين”، “إدارة القاطع”، “شعبة المخيمات في إدلب”.
وقال عبد السلام، إن كل الجهات المسؤولة تسجل المخيمات بعد إنشائها وليس قبل ذلك، لغياب السلطة التي تقدم الدعم لإنشاء المخيمات، إذ تنتظر تلك الجهات تجهيز المخيم بشكل كامل من الأرض والخيام والعوائل، ثم تفرض عليه اتباع “إدارة القاطع” أو المجلس المحلي.
من يعين مديري المخيمات؟ وما مهامهم؟
عملية إنشاء المخيمات “فوضوية”، وآلية تعيين مديريها “غير مدروسة”، حسبما قال عبد السلام، وهو عضو سابق أيضًا بالمجلس المحلي في “التح”، إذ لا يملك جميع مديري المخيمات المؤهلات اللازمة لتقديم الأفضل للعائلات التي تسكن المخيمات.
وتضم مسؤولية مدير المخيم، حسب رأي عبد السلام، التواصل مع المنظمات، والتنسيق مع وسائل الإعلام لعرض الوضع الخدمي والإنساني وإرسال التقارير للجهات المعنية، لكن يوجد مديرو مخيمات لا يعلمون كيفية التعامل مع المنظمات والحدود الإدارية وتنظيم المخيمات، وبعضهم أمّيون، وهذا يؤثر على التجمع السكني لأنه يعلق بحالة من “العشوائية”.
مدير مخيم مهجري كفرزيتا، أحمد الرجب، عُيّن من قبل سكان المخيم والمجلس المحلي في كفرزيتا، حسبما قال لعنب بلدي، وبرأيه لا دور للمدير بتحصيل المساعدات من المنظمات، إنما تصل تلك المساعدات عن طريق “إدارة المهجرين” المسؤولة عن خدمة المخيمات.
واعتبر أحمد مهامه مقتصرة على التواصل والتنسيق مع “إدارة المهجرين”، واستقبال المنظمات وتقديم معلومات وإحصائيات العائلات ومستلزماتهم وما يحتاجه المخيم من مساعدات، لكن مخيمه المقام منذ أكثر من عام، لم يُنفّد فيه بعد أي مشروع خدمي، ولم ينظم أي مشروع لتقديم السلال الغذائية.
كفاءة مدير المخيم بتنفيذ مهامه هي شرط لتعيينه، حسبما قال مدير “مديرية شؤون المخيمات”، أحمد الحسن، لعنب بلدي، إضافة إلى توافق السكان عليه، وامتلاكه الكفاءة العلمية والأخلاق والسمعة الحسنة.
وينعكس نقص كفاءة مدير المخيم في أغلب الأحيان على فقر المخيم بالمشاريع الإغاثية من المنظمات، لعدم قدرته على ضبط الوافدين والمغادرين وضبط الإحصائيات، إضافة إلى إمكانية وقوع الخلافات مع سكان المخيم.
شفافية المدير تلعب دورًا بالمساعدات
يلعب مديرو المخيمات دورًا مهمًا في التواصل مع المنظمات والداعمين للتذكير باحتياجات مخيماتهم، حسبما قال نائب المدير التنفيذي لمنظمة “إنسان”، خالد الفجر، لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن أساليب التواصل المتبعة قد تنعكس “سلبًا أو إيجابًا” على استجابة المنظمات.
من المديرين من يتواصل “بلغة الشكاية والعتب وربما الاتهام، مع ادعاء عدم الحصول على شيء من الإغاثة، ويعكسون صورة غير مطابقة للحقيقة”، حسب رأي الفجر، وآخرون يحولون البحث عن المساعدة إلى “تنافسية وحب للاستحواذ”، ومنهم “شفافون ويطلبون بمهنية”.
وأضاف الفجر أن الطلبات تأتي بأشكال مختلفة، منها من مديري المخيمات، ومنها من قطاعات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، أو من شركاء مهتمين ببعض المخيمات، وغالبًا ما تختار المنظمات المخيمات وفق تقييم الأكثر ضعفًا والأحدث نزوحًا لتقديم المساعدة.
وحين تقرر المنظمة دعم مخيم ما، فإنها تشترط على مدير المخيم توقيع تعهد يضمن نقاطًا عدة، منها عدم الاستفادة من المادة المقدمة من أي جهة أخرى، وتنسيق مغادرة أو وصول أي ساكن جديد للمخيم.
وتتحقق المنظمة من البيانات التي تحصل عليها بعدة طرق، مثل الزيارة الميدانية، وتقييم الاحتياج، والتنسيق مع المجلس المحلي، والاستفسار عن حالة المخيم، وعند وقوع المخالفات، مثل تلقي المخيم إغاثة مماثلة من منظمة أخرى، فإن الدعم قد يتوقف.
من جانبه، أكد منسق الطوارئ في منظمة “بنفسج”، أحمد قطيش، أن هناك دورًا مهمًا لمديري المخيمات في الحصول على الدعم من خلال تقديم الإحصائيات الصحيحة، والتواصل الدائم مع المجالس المحلية أو المنظمات.
وفي حال تبين للمنظمة وقوع خطأ في الإحصائيات المقدمة، فإن ذلك لا يؤدي لقطع المساعدات ككل، ولكن يجري تفادي الخطأ وفق شروط المشروع، حسبما قال قطيش لعنب بلدي.
يحتاج أكثر من 2.8 مليون شخص للمساعدات الإغاثية في شمال غربي سوريا، بينهم 2.7 مليون نازح داخلي، وفقًا لبيانات “OCHA“، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية ونقص المساعدات، عاد أكثر من 204 آلاف شخص إلى بلداتهم بعد النزوح الأخير ليواجهوا تصاعد العمليات العسكرية، التي دمرت 72% من منازلهم في المناطق المحاذية لطريق التجارة الدولي “M4″، مقارنة مع دمار 27% من المساكن في عموم شمال غربي سوريا.