نبيل محمد
“صار الفن الهادف ما إلو مكان”، جملة وردت في أغنية صدرت مؤخرًا لمغني “الراب” السوري إسماعيل تمر، أغنية اسمها “بلا ذخيرة”، يتنقّل فيها ما بين الحنين إلى الوطن، وضياع الأخلاق، فالزمن الصعب الحالي، فمعايير الحياة في المجتمع الجديد، بمعنى أنه يخلط في الأغنية، وهو بالتأكيد ما يتيحه “الراب” عادة بل ويتّسم به، بين كل ما يمكن أن يصب في قافية مناسبة وينسجم مع الرتم، ليخلص إلى القول “صار الواحد يُحتَرَم حسب مشاهداتو”، ولعل كل من يريد أن يمسك كلمة ويستخدمها ضد صاحبها، سيجد في هذه الجملة مناسبة للتعامل مع تمر، فالمشاهدات هي التي تؤهّله لصناعة المزيد، والثقة بمكانته الفنية، وطرح آراء فنية، والاعتداد بما يقدّم.
إسماعيل تمر، واحد من أشهر مغني “الراب” السوريين، ولعل أن يكون مغني “الراب” السوري شهيرًا هي مهمة ليست صعبة، في ظل عدم رواج هذا الفن في سوريا بشكل واسع، وستكون المهمة بالطبع أسهل، إذا ما نال المغني دفعة من قبل أحد المشاهير، كالتي نالها تمر من قبل الممثل قصي خولي، والتي كانت، وفق متابعين، أساسًا في الشهرة التي نالها، فقد جمعهما “كليب” مشترك نال أكثر من سبعة ملايين ونصف مليون مشاهدة منذ إنتاجه في عام 2017 وحتى الآن، حاز فيه تمر على شهرة جعلت تسارع أغانيه و”كليباته” بعد هذه الشراكة أكثر بكثير مما قبلها، بل وأثرت على قطاع من جمهوره، الذي رأى فيها تبدلًا بمواقفه السياسية، كفنان كان يُظهر المعارضة لنظام الأسد، ليظهر في شراكة فنية مع واحد من أكثر الداعمين لهذا النظام.
“الأولد سكول” و”النيو سكول” في “الراب” شغلت تمر مؤخرًا، حيث أصر على تمسك بالمدرسة القديمة، كونها تُعنَى بالكلمات وتقدّم ما يحمل معاني عميقة مؤثرة بالجمهور، حيث تمس من هم غير مهتمين بهذا الشكل الفني، بينما هو بعيد عن “الراب” بنسخه الحديثة التي لا تحمل معاني ذات قيمة، وفق تعبيره في إطلالته على جمهوره عبر قناته في “يوتيوب”، التي يكثر فيها من “الكليبات” الحديثة، وآخرها بعنوان “عودي” الذي صوّره الفنان في اسطنبول، المدينة التي يقيم بها تمر حاليًا.
لا تكاد تمرُّ أغنية جديدة يصدرها تمر خالية من فكرة السلام بين الأطراف المتقاتلة، وترك السلاح، وعدم الانحياز للمواقف، وعداء البشر لبعضهم، بإصرار واضح ومبالغ به على أن رسالته للجميع، وأن جمهوره يمكن أن يكون مواليًا أو معارضًا، وأنه أكبر من هذه النزاعات التافهة، وأن هذا العالم الذي نعيشه إنما هو “عالم غبي”، وهي الكلمة المكررة في واحد من آخر إصدارته تحمل اسم “عالمنا غبي”، لا يهمل به الفنان أي قضية “تريندي” يمكن أن تسهم في نشر المزيد من “وعيه”، مقابل لا وعي الآخرين، وجذب المزيد من المتابعين، بمنطق “السوشيال ميديا” الحاكم للشهرة، فيستخدم “كورونا” قائلًا “معقول الفيروس إجا عالدنيا لينهينا.. ولا إجا لينهي المهزلة بدو يربينا.. قاعد وناطر نهاية فينا ما تبقى.. مع أني بعرف هالأرض نحنا ما منستحقّا.. عالمنا غبي عالمنا غبي”.
لا يمكن قراءة شهرة إسماعيل تمر الفائضة بشكل واضح على منتج هزيل فنيًا، ينال ما يريده من ضخامة إنتاج، وكاميرات، ومخرجين، وسيارات، ومختلف مكونات “الراب” التقليدي التي يتمسّك بها تمر، إلا من بوابة فقر المحتوى العربي في “السوشيال ميديا” بنماذج فنية مشابهة قادرة على المنافسة، وعدم قدرة النماذج الأكثر احترافية في “الراب” ذاته على الظهور من دون وكيل إنتاجي قادر على استثمارها كما يستثمر ببضاعة إسماعيل تمر، المناسبة للاستهلاك من قبل جمهور عريض.
لا تمكن رؤية كل منتج إسماعيل تمر إلا من خلال “كليب” “سوري قديم” الذي قدمه مع قصي خولي، بكل ما فيه من تكلّف، وتقليدية، واصطناع، وكلام مكرور، وانعدام موهبة تمثيلية. يشبه تمر خولي في الأغنية، ولعل ما صنع شهرة ذاك لا يختلف عما يصنع شهرة هذا.