تعا تفرج
انفجار بيروت ولغة الـ”تفوووه”
خطيب بدلة
بمناسبة تفجير بيروت، أتذكر حكاية قديمة عن كلب وجده أحد عناصر الأمن العام اللبناني عند الحدود واقفًا في طابور من الرجال القادمين من سوريا فقال له: هؤلاء الرجال مناضلون أحرار، مطلوبون للمخابرات، مطارَدون بسبب آرائهم، وقد جاؤوا إلى لبنان لينعموا بالحرية، ولكن، حضرتك ماذا تريد؟
قال الكلب: في سوريا يمنعون الكلاب من العواء، أريد أن أعوي عندكم!
بعد سنة 1976، أي ابتداء من دخول جيش حافظ الأسد إلى لبنان “قوات الردع”، لم تعد الكلاب السورية تدخل لبنان لتعوي “عندهم”، بل لتعوي “عليهم”، وتنهشهم. هذا الوجود العاوي الذي استمر، عسكريًا، لغاية شباط 2005، وأمنيًا وتآمريًا حتى الآن، هو الذي جعل الطبقات اللبنانية الفاسدة تتّحد حول الشعارات البعثية الجوفاء ذاتها، كـ”الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة”، وتحكم لبنان بتوجيهات مباشرة من طهران. ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا كانت التصريحات الأولى للحكام اللبنانيين بأن سبب الانفجار مفرقعات! ثم بدأ الحديث عن “نترات الأمونيوم” التي لا تنفجر إلا إذا تعرضت لشرارة من نار أو كهرباء أو تفاعل كيماوي، ثم راح الناس يتساءلون عن السبب الذي يجعل هذه المواد التي بلغت مقدرتها التدميرية 1300 طن “تي إن تي”، تخزن في المرفأ منذ سنة 2014، رغم معرفة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بها.
ما علينا، فليس من المفيد هنا استعراض كل الروايات والسرديات الخاصة بهذه الكارثة التي شُبهت بكارثة “تشيرنوبل”، المفيد، ربما، إجراء مقارنة بين كذبتين، إحداهما المتعلقة بالمفرقعات، والثانية تعيدنا بالذاكرة إلى آب 2013، يوم ضُربت الغوطة الشرقية بالكيماوي، ولم يكن في أذهان الناس سوى حكاية واحدة، وهي أن النظام عجز عن كسر شوكة الرجال المتحصنين في الغوطة بالصواريخ والمدافع والبراميل، فضربهم بالكيماوي، ولم يأخذ أحدٌ، يومذاك، سرديةَ بثينة شعبان إلا على سبيل التسلية، والتنكيت، والتقريق، حوّر الناسُ بيت شعر قديم فجعلوه “إذا قالت بثينُ فصدقوها”. قالت بثينة إن المجموعات “الجهادية” (السنية) أحضرت حافلات من مناطق إدلب وحلب وريف حماة، إلى جبال اللاذقية، وصارت تجمع أولادًا، بلغ عددهم أربعمئة، من الطائفة “العلوية”، ثم انطلقت بهم إلى دمشق، وأفرغتهم في الغوطة الشرقية، وفي الصباح أغارت عليهم طائرات حربية من سلاح الجو “الجهادي”، فقتلتهم، وقتلت معهم ألف إنسان من أهل المنطقة، لتتهم بهم النظام السوري، وتبعث رسالة إلى أبي حسين أوباما، تقول له: انظر كيف تجاوز ابن حافظ الأسد خطك الأحمر!
بين النظامين السوري واللبناني فرق جوهري ما زال قائمًا حتى الآن، هو أنه لم يوجد بين مثقفي النظام مَن تشجع على توجيه كلمة توبيخ لبثينة، جراء كذبها واستخفافها بعقول الناس، والكل قال لنفسه “اتركني بحالي ما ناقصني بهدلة وسين وجيم”، وأما في لبنان فمنذ اللحظة الأولى بدأ الناس بتوبيخ الحكومة، ورئيس الجمهورية المنحوس، ويطالبونهم بالاستقالة، وكلما فتح واحد من المسؤولين اللبنانيين فمه بعبارة يسوغ بها ما حصل، تنهال عليه البهادل، ولعل أكثر كلمة تم تداولها في ساحات الانفجار هي: “تفوووه”!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :