ذُكر لأول مرة في عهد الفراعنة.. ماذا خسر لبنان تاريخيًا واقتصاديًا بانفجار مرفئه
في ظل الأوضاع الاقتصادية اللبنانية الراهنة، من تراجع الليرة اللبنانية وسوء إدارة موارد الدولة وصولًا إلى جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، أتى انفجار مرفأ بيروت الذي خلف دمارًا وخرابًا، ليدخل لبنان في مرحلة سوداء جديدة ستدفع البلاد إلى أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975- 1990)، لما يعانيه من كوارث وأعباء إضافية، خاصة أن المرفأ هو المحرك الرئيس للاقتصاد اللبناني.
أهم المحطات التاريخية لمرفأ بيروت
ورد اسم مرفأ بيروت منذ القرن الـ15 قبل الميلاد في الرسائل المتبادلة بين الفراعنة والفينيقيين، وخلال العصر الروماني تطور إلى مركز تجاري واقتصادي.
ثم دمرت الزلازل المستعمرة الرومانية عام 551، وبقيت في حالة خراب حتى جاء المسلمون عام 635 في العصر الأموي، وأعادوا بناء المدينة، وصار مرفأ بيروت مركزًا للأسطول العربي الأول.
أما في عهد الصليبيين، فتمتّع ميناء بيروت بازدهار التجارة مع المدن الإيطالية، وأصبح المرفأ هو الميناء الرئيس لسوريا لتجار البهارات.
بعد الانتقال إلى الحكم العثماني عام 1516، تراجعت الأهمية التجارية لمرفأ بيروت، ولكن بحلول القرن الـ17، تحول المرفأ إلى مصدر مهم لتصدير الحرير اللبناني إلى أوروبا، وصار العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، إذ كانت تعمل حوالي عشرة خطوط للملاحة البخارية بانتظام من مرفأ بيروت، وهكذا باتت بيروت مركزًا مهمًا في حركة الاستيراد والتصدير، ما أدى إلى تدفق السلع الأوروبية إلى السوق اللبنانية.
خلال حكم العثمانيين، منح الحكام عام 1887 امتياز ميناء بيروت لشركة عثمانية تسمى “Compagnie du Port des Quais et des Entrepots de Beyrouth”.
وجرى تعزيز الامتياز عندما حصلت الشركة على حقوق تخزين وحمل جميع البضائع عبر الجمارك، ووُسّع بناء الميناء، ليفتتح في احتفال كبير عام 1894.
في عام 1888، صار مرفأ بيروت عاصمة محافظة جديدة تضم ساحلي سوريا وفلسطين، ووصل عدد سكانها إلى 120 ألف نسمة.
وفي عام 1866، أنشئ ما تحول فيما بعد إلى “الجامعة الأمريكية” في بيروت.
وبحلول عام 1900، أُحضرت المطابع إلى المرفأ لتحفيز صناعة النشر، وصارت بيروت أول صوت للقومية العربية الحديثة، وبذلك تضاعفت أهمية هذا الميناء البحري.
بعد الحرب العالمية الثانية، صارت بيروت أهم ميناء عربي في شرق المتوسط يخدم العالم العربي، وفي عام 1925 انتقلت السيطرة على مرفأ بيروت إلى شركة فرنسية، ثم مُنح هذا الامتياز إلى شركة لبنانية عام 1960.
وفي أثناء الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، أُغلق الميناء وتوقفت الأنشطة التجارية، وبعد انتهاء الحرب زيدت طاقة المرفأ الإنتاجية، ما زاد من إيراداته ليرفع من إيرادات الدولة.
واليوم، تبلغ مساحة الميناء الإجمالية 1.2 مليون متر مربع، ويتألف المرفأ من أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 مترًا، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء.
ويتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي، ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بـ3100 سفينة سنويًا، كما يضم 16 رصيفًا، والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح التي تؤمّن أفضل شروط التخزين.
الأهمية الاقتصادية الحالية للمرفأ
“يعد مرفأ بيروت من أفضل عشرة مرافئ في البحر الأبيض المتوسط، ويعتبر منشأة متعددة الوسائط تعرف بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، ويدعم النمو الاقتصادي المحلي، ويعمل كقاعدة عبور للشحن إلى وسط شبه الجزيرة العربية”، هكذا يعرّف المرفأ نفسه على موقعه الإلكتروني.
ويقع مرفأ بيروت عند تقاطع خط الطول 35 درجة و57 شرقًا وخط العرض 35 درجة و15 شمالًا، ويشكل مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، إفريقيا، وهذا ما جعل منه ممرًا لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب.
وقد أدرجت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية المرفأ كأفضل مكان للزيارة عام 2009.
وعادة ما يؤخذ مؤشر “الأونكتاد” لتقييم موصولية خطوط الشحن البحري، وبناء عليه احتل لبنان عام 2018 المرتبة الـ38 من أصل 171 دولة برصيد 47.17 نقطة.
أما إقليميًا، فيحتل لبنان المرتبة السادسة، ويشير ذلك إلى أن مرفأ بيروت من أفضل الموانئ أداء على مستوى العالم والمنطقة.
ويعتبر هذا المرفأ ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، لأنه يلعب دورا أساسيًا في عملية الاستيراد والتصدير وتحريك العجلة الاقتصادية اللبنانية، إذ ارتفع صافي الأرباح من 14 مليون دولار أمريكي في عام 2005 إلى 124 مليون دولار أمريكي في عام 2017.
وتظهر بيانات المرفأ تراجع إجمالي إيراداته خلال 2019 إلى 200 مليون دولار، مقارنة مع 313 مليون دولار في 2018، نتيجة تراجع الطلب على الاستهلاك المدفوع بالأزمة الاقتصادية في البلاد.
انفجار مرفأ بيروت والآثار الاقتصادية
بعد أن هز انفجار كبير مرفأ بيروت، في 4 من آب الحالي، وأدى إلى الدمار والخراب وتعطيل العمليات التجارية على المرفأ، أشارت التقديرات المتوفرة الأولية بحسب محافظ بيروت، مروان عبود، إلى أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفجار تقدر ما بين عشرة و15 مليار دولار.
ومن المتوقع أيضًا أن تتوقف 90% من الفنادق السياحية عن العمل، إضافة إلى أن بين 250 و300 ألف شخص باتوا من دون منازل، لأن منازلهم صارت غير صالحة للسكن.
ولا يملك لبنان القدرة المالية على مواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، الذي خلّف العديد من القتلى والجرحى والخسائر المادية الجسيمة، بحسب وزير الاقتصاد اللبناني، راؤول نعمة.
تزامن هذا مع قدرة المصارف والبنك المركزي المحدودة في الفترة الحالية، بحسب نعمة، إذ فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 60% من قيمتها في تموز الماضي وحده.
وأوضح نعمة، في تصريح صحفي، أن خسائر انفجار مرفأ بيروت تقدر بمليارات الدولارات، وأن بلاده “ليست لديها قدرة مالية لمواجهة تداعيات هذا الانفجار الضخم”.
وأضاف أن الخسائر باهظة، خاصة الضرر الكبير الذي لحق بـ”صوامع القمح” الموجودة في المرفأ، مشيرًا إلى أن بلاده تحتاج إلى مزيد من الوقت لتقييم الأضرار.
وتابع أن “قدرة المصارف والبنك المركزي محدودة في الفترة الحالية، والعملة الصعبة في لبنان اليوم ليست رقمًا كبيرًا”.
ومن المتوقع تعرض القطاع الاقتصادي والحركة التجارية في لبنان إلى أزمات إضافية، بعد الانفجار الذي من المحتمل أن يخلق نقصًا في السلع الأساسية.
ويعتبر المرفأ مخزنًا مؤقتًا للعديد من السلع الرئيسة، كالحبوب بأنواعها، إذ تصنّف أرض المرفأ على أنها موقع التخزين الأكبر في لبنان للحبوب والمواد الغذائية والدواء وغيرها.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :