حوار: أسامة آغي
تفرض التطورات السياسية المتلاحقة في الساحة السورية نفسها على جميع القوى السياسية، بالإضافة إلى المجتمع السوري نفسه.
وشهدت الأسابيع الماضية أحداثًا سياسية متلاحقة، من شأنها التأثير على الملف السوري بشكل مباشر، إذ أُعلن عن تشكيل “جبهة السلام والحرية” في منطقة شرق الفرات، ودخل قانون “قيصر” حيز التنفيذ مع توقعات بتأثير مباشر على النظام السوري، إضافة إلى ترقّب انعقاد جلسة مفاوضات في جنيف على قاعدة القرار 2254.
وللوقوف على تأثير هذه الأحداث على سوريا من وجهة نظر حزب “اليسار الديمقراطي”، التقت عنب بلدي أمينه العام، عبد الله حاج محمد.
جبهة السلام والحرية “تتحدى إرادة السوريين”
أعلنت أربعة كيانات معارضة للنظام السوري في منطقة شرق الفرات، في 29 من تموز الماضي، عن تشكيل “جبهة السلام والحرية”، المكونة من “المجلس الوطني الكردي” و”تيار الغد السوري” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات” و”المنظمة الآثورية الديمقراطية”.
ورفض حزب “اليسار الديمقراطي” هذه الجبهة، باعتبارها “تتحدى إرادة السوريين الذين هتفوا بأن الشعب السوري واحد”.
واعتبر الأمين العام للحزب، عبدالله حاج محمد، في حديثه مع عنب بلدي، أن بعض هذه الأطراف تحالفت سابقًا مع “ميليشيات الأمر الواقع التابعة لمنظومة العمال الكردستاني، وبعضها في طور التحالف، ولهذا تبقى مصداقيتها شبه معدومة”.
ويرى حاج محمد أن تحالف “جبهة السلام والحرية”، “لم يخرج عن عباءة المحاصصات الطائفية والإثنية”، مبينًا أن “طرحهم صيغة سوريا دولة متعددة القوميات والثقافات يعدم البعد الوطني، حيث يعتبر الكرد أنفسهم جزءًا من كردستان، ويعتبر التركمان أنفسهم جزءًا من التراث العثماني، وهكذا”.
وتسعى الجبهة إلى “بناء نظام ديمقراطي تعددي غير مركزي”، كما جاء في مبادئها السياسية “الإقرار الدستوري بأنّ سوريا دولة متعددة القوميات والثقافات والأديان، والشعب السوري يتكون من عرب وكرد وسريان آشوريين وتركمان وغيرهم، ويضمن الدستور حقوقهم القومية، ويعتبر لغاتهم وثقافاتهم لغات وثقافات وطنية، تمثل خلاصة تاريخ سوريا وحضارتها”.
وقال الشيوعي السابق عبد الله حاج محمد، إن “جبهة السلام والحرية لم تقل إن الدستور يهدف لبناء دولة مواطنة لجميع السوريين، ولا تفريق بين أبنائها، على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الطائفة”.
كما انتقد حاج محمد ما ورد في المبدأ الثالث لـ”جبهة السلام والحرية” الذي جاء فيه، “اعتراف الدستور بهوية الشعب الكردي القومية”، متسائلًا عن بقية المكونات السورية في هذا البيان.
واعتبر الأمين العام لحزب “اليسار الديمقراطي” أن حزبه “يبارك أي لقاء وتعاون سوري ضمن الرؤية التي تحمي كل السوريين بموجب دستور متفق عليه”، وفق تعبيره.
قانون “قيصر” ونظام الأسد
أقر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في نهاية عام 2019 قانون “قيصر”، الذي يستهدف شخصيات كبرى من النظام السوري على رأسها بشار الأسد، ودخل القانون حيّز التنفيذ في حزيران الماضي، مع توقعات بتأثيره على النظام السوري وحلفائه اقتصاديًا بشكل كبير.
ثم أعلنت الإدارة الأمريكية عن حزمة عقوبات جديدة، في 29 من تموز الماضي، شملت 14 كيانًا وشخصية، بينها حافظ الأسد نجل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزهير توفيق الأسد، ونجله كرم الأسد، إضافة إلى “الفرقة الأولى” في قوات النظام السوري، وعدد من رجال الأعمال المقربين من النظام.
وحول مدى تأثير قانون “قيصر” على نظام الأسد وفق حزم العقوبات المتتالية، قال الأمين العام لحزب “اليسار الديمقراطي”، عبد الله حاج محمد، لعنب بلدي، “إن المتتبع للسياسة الأمريكية يلاحظ أن أمريكا لم تهدف يومًا لإسقاط نظام الأسد”، مضيفًا أن الهدف من القانون هو “تصحيح سلوك النظام، ودفعه للالتزام بالعملية السياسية”، وفق تصريح للخارجية الأمريكية.
ويعتقد حاج محمد أن مهلة زمنية مُنحت للنظام السوري لتنفيذ مطالب قانون “قيصر”، تبلغ ستة أشهر، لعله يتجاوب ويلتزم بالقرارات الدولية، ويوقف القتل، ويطلق سراح المعتقلين.
ويرى حاج محمد “أن النظام سينفّذ ذلك مرغمًا، لأنه فاقد للشرعية ومرتهن للروس”، وفق تعبيره.
وأوضح حاج محمد أن السبب الرئيس لاستمرار النظام السوري حتى اليوم هو وقوف روسيا إلى جانبه، التي تحتاج إلى إعادة إعمار سوريا، رغم معرفتها أن هذه الخطوة لن تبدأ قبل حل سياسي وفقًا للقرار 2254، وقبل محاسبة المسؤولين عن جرائم القتل، لذلك سينفّذ النظام مطالب “قيصر”، معتبرًا أن “محاولة إعادة تأهيل النظام أصبحت من الماضي”.
النفط للضغط على النظام
يجد حاج محمد أن توقيع أمريكا عقدًا مع “قسد” حول النفط يعني “أنها أوعزت لشركات نفطها لتوقيع عقد مع قسد بقصد الضغط على النظام للتوجه للحل السياسي”.
ووقّع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، اتفاقية مع شركة نفط أمريكية من أجل تحديث آبار النفط التي تسيطر عليها القوات بدعم الولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرقي سوريا.
وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، في 30 من تموز الماضي، إن مظلوم عبدي أبلغه أنه وقع اتفاقية مع شركة نفط أمريكية لتحديث حقول النفط في شمال شرقي سوريا، مضيفًا أن “هذه أفضل وسيلة لمساعدة الجميع في هذه المنطقة”، بحسب ما نقلته قناة “الحرة” الأمريكية.
جولة “جنيف” المقبلة “جدية”
حدد المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، في 22 من تموز الماضي موعد اجتماعات اللجنة الدستورية، التي تضم المعارضة والنظام السوري وقائمة المجتمع المدني في 24 من آب الحالي، على أن تستمر لمدة أسبوعين.
وربط عبد الله حاج محمد بين انتخابات مجلس الشعب التي أُجريت في تموز الماضي وعمل اللجنة الدستورية، معتبرًا أن “النظام تعمّد إجراء الانتخابات رغم تهجير نصف سكان سوريا، وإيصال أمراء الحرب للجلوس تحت قبة البرلمان، تمهيدًا لوضعهم في هيئة الحكم بموجب القرار 2254، لذلك ستكون هذه الجولة أكثر جدية”.
وشهدت اجتماعات اللجنة الدستورية عرقلة ومصيرًا مجهولًا، بعد فشل الجولة الثانية من اجتماعات المجموعة المصغرة المنبثقة عنها، التي انطلقت في 25 من تشرين الثاني 2019، في عقد أي اجتماع بين الأطراف الثلاثة (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، بسبب مماطلة النظام ورفض وفده أي مقترح لجدول أعمال من قبل المعارضة يقوم على مناقشة المبادئ الدستورية.
وكان بيدرسون أعلن، في آذار الماضي، عن توصل النظام والمعارضة السورية إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة الدستورية، بعد خلاف بين الطرفين.
وأثار جدول الأعمال الذي أعلنه بيدرسون، حينها، لغطًا في أوساط المعارضة، وسط حديث عن الرضوخ لجدول الأعمال الذي اقترحه النظام في الجولة السابقة ورفضته المعارضة.
ويرى حاج محمد أن تعطيل النظام سابقًا جلسات مفاوضات “جنيف” برعاية الأمم المتحدة، ارتبط بحماية الروس له، ورهانه على جعل مساري “سوتشي” وأستانة” طريقًا للحل بدلًا من مفاوضات “جنيف”.
حزب “اليسار الديمقراطي”
أُسس عام 2015، وهو حزب يساري معارض، يعرف نفسه بأنه حزب “مفتوح لجميع السوريين الذين يتبنون آراء تقدمية وأصحاب إرادة في التغيير، أي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والدافعة بعجلة التطور إلى الأمام، وهم مدنيون لا يفرقون بين سوري وسوري، ويرفضون أي تقسيم أو بناء نظام على أساس مذهبي أو ديني أو عرقي أو قومي”.
–