يهدف القانون رقم /23/ لعام 2015، الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن، إلى إحداث مناطق تنظيمية تضم مجموعة من العقارات بدمجها واعتبارها شخصية اعتبارية جديدة تؤلف الأملاك فيها ملكًا شائعًا بين جميع أصحاب الحقوق، وتفرض المادة (11) منه العقوبة على كل من يقوم بتقسيم أرضه خلافًا لأحكام هذا القانون بالعقوبات المنصوص عليها في قانون مخالفات البناء النافذ، وتعد الأبنية المشيدة على العقارات المقسمة خلافًا لأحكام هذا القانون واجبة الهدم.
وعلى الرغم من أن ظاهر هذا القانون يبدو أنه يهدف للتنظيم والتخطيط لإعمار المدن، فإنه يُعتبر في حقيقته قانونًا مجحفًا يُشكل تهديدًا لأملاك السوريين، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
- يُصادر هذا القانون سلطان الإرادة للمالك، ويُجبره على نقل ملكيته إلى المنطقة التنظيمية، وبعد أن كان مالكًا للعقار على وجه الاستقلال، يُصبح صاحب أسهم شائعة ضمن مساحات شاسعة تتحول فيما بعد إلى مقسم أو جزء من مقسم وفق ما تقرره لجان التوزيع الإجباري، ويُقتطع من أسهمه نسبة من 40- 50% من ملكيته الأصلية لقاء ما سيحصل عليه من منفعة نتيجة دخول عقاره في منطقة التنظيم وخدمات المنطقة من طرق وساحات وحدائق ومواقف سيارات ومشيدات عامة.
- يسلب هذا القانون المالك حقه بالملكية الذي يخوِّل صاحبه الاستئثار بسلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف، وهو الحق الممنوح للمالك بموجب المادة رقم (768) من القانون المدني، والتي تنص على أن “لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”، في حين أن هذا القانون يحظر على المالك تقسيم أرضه خلافًا لأحكامه تحت طائلة العقوبات الجائرة، كما تستولي الجهة الإدارية على ملكيته النظامية والمفرزة والموافقة للمخطط التنظيمي وأنظمة ضابطة البناء، لتقوم بإعادتها لحالة الشيوع، وتوزيع الأسهم وفق مصلحتها.
- يُعطي القانون اللجان المشكّلة صلاحيات واسعة للتحكم بمصير أسهم المالكين وتوزيعها وحل النزاعات، وتتسم إجراءات تشكيلها بعيوب منها: غياب ممثلي المالكين عن بعض اللجان، أو تمثيلهم في بعضها بعدد أقل من الأعضاء الممثلين للجهات الإدارية، وهو ما يجعل اللجنة منحازة لمصلحة الدولة، إذ حددت المادة (28) منه آلية تشكيل لجنة حل الخلافات من ثلاثة أعضاء من الحكومة دون أي تمثيل من المالكين، وأعفت المادة (31) اللجنة من التقيد بالأصول والمهل المقررة في قانون أصول المحاكمات، كما حددت المادة (35) طريقة التوزيع الإجباري للحصص السهمية لكل مالك من قبل لجنة تشكل بقرار من وزير العدل، وتتألف من خمسة أعضاء ثلاثة منهم من الحكومة واثنان من المالكين.
- لقد هدر هذا القانون حقوق المخالفين الذين بنوا فوق أراضي الأملاك العامة أو الخاصة أو المشترين منهم، إذ يقتصر حقهم على أخذ أنقاض أبنيتهم ولا يحق لهم سوى ذلك، وفقًا للمادة (51).
- أحدث القانون بموجب المادة (54) صندوقًا ماليًا للمنطقة التنظيمية يُموَّل من العوائد والرسوم التي تُفرض على المالكين ومن عوائد عقاراتهم، وأُعطيت لوزير الإدارة المحلية صلاحية تحديد التعويضات المستحقة لأعضاء اللجان والعاملين على تنفيذ هذا القانون، وتُدفع هذه التعويضات من صندوق المنطقة، وهو ما يُعتبر بابًا لاستنزاف الصندوق، ومنفذًا لارتزاق اللجان على حساب المالكين.
- يخضع تقرير اللجنة بالتوزيع النهائي للطعن أمام محكمة الاستئناف المدنية التي تُصدر قرارها المبرم في غرفة المذاكرة دون دعوة الأطراف، فلا تتحقق شروط المحاكمة العادلة.
- يُمكن أن يطبق القانون على المناطق المدمرة والسليمة، المنظمة والمبنية في مناطق المخالفات على حدّ سواء، وهو ينفذ استنادًا لرغبة ومصلحة الوحدة الإدارية ودون أن تبرر ذلك، وقد ورد بالمادة (5ج): “يُطبق التنظيم على المناطق التي ترغب الجهة الإدارية بتنفيذ المخطط التنظيمي العام المتعلق بها”.
- إن الظروف التي تعيشها سوريا غير ملائمة لتطبيق هذا القانون، نظرًا لغياب شريحة كبيرة من المالكين، كالمعتقلين والمهجرين والمطلوبين أمنيًا، مما يستحيل مثولهم لتقديم الثبوتيات ومستندات الملكية أو حضورهم للتصريح بحقوقهم وفق ما نصت المادة (18) من القانون، إلى جانب تخوف أقارب المهجرين والمطلوبين من تمثيلهم، كما أن مهل تقديم الاعتراضات قصيرة جدًا، وللمحاكم صلاحية النظر فيها بغرفة المذاكرة دون دعوة الأطراف، ما يهدر شروط ومعايير المحاكمة العادلة، ويؤدي إلى ضياع الحقوق.
–