من يضبط سلوك متطوعي المنظمات الإنسانية في سوريا

  • 2020/08/02
  • 11:13 ص
نازحو مخيم "العمران" غربي حربنوش يرفعون لافتة "نناشد المنظمات" خلال مظاهرتهم المطالبة بتوفيرالغذاء والماء والخبز والخدمات- 10 من أيار (عنب بلدي)

نازحو مخيم "العمران" غربي حربنوش يرفعون لافتة "نناشد المنظمات" خلال مظاهرتهم المطالبة بتوفيرالغذاء والماء والخبز والخدمات- 10 من أيار (عنب بلدي)

عنب بلدي – يامن المغربي

“يشعر بالحزن مع 99 آخرين”، أُرفقت هذه العبارة مع صورة لبابا الفاتيكان الحالي البابا فرانسيس، على صفحة أحد المتطوعين في واحدة من المنظمات الإنسانية عبر موقع “فيس بوك”، للسخرية من المعترضين على قرار الحكومة التركية تحويل متحف “آيا صوفيا” إلى مسجد.

أثار المنشور استنكار ناشطين اتهموا صاحبه بالطائفية والإساءة إلى الدين المسيحي، بعد وقت قصير من قصة مشابهة لمتطوع آخر، اُتهم بالتنمّر على الناشطة المصرية سارة حجازي بسبب ميولها الجنسية بعد انتحارها في حزيران الماضي، وسط جدل متفجر بالأساس حول سارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي المقابل، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي جدالات واسعة عقب سخرية ناشطين من المنقبات السوريات عدة مرات، بين من يرى أن النقاب ليس من أصل الدين الإسلامي ويربطه بالتطرف الديني في سوريا، ومن يرى في السخرية من أمر ديني تطاولًا على الدين الإسلامي وممارسة لخطاب الكراهية أيضًا.

وفتحت الاتهامات الموجهة للمتطوعين حول ممارستهم للعنصرية أو الطائفية أو خطاب الكراهية، باب التساؤل حول ضبط سلوك العاملين عبر وسائل التواصل، وهل الاتهامات الموجهة لهم حقيقية بالفعل أم أنها تندرج تحت حرية الرأي والتعبير.

كيف تضبط المنظمات متطوعيها

تمنح وسائل التواصل الاجتماعي مساحة واسعة لمستخدميها للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، والنقاش مع الآخرين.

إلا أن بعض هذه المنشورات تتحول إلى ما يشبه المناوشات في معركة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على قدرة منظمات المجتمع المدني على ضبط سلوك المتطوعين عبر أنظمتها الداخلية.

وتضع المنظمات والمؤسسات مجموعة من “قواعد السلوك”، التي تحدد سلوك الموظفين في أوقات الدوام الرسمي وخارجها، آخذة بعين الاعتبار أن بعض السلوكيات تؤثر على صورتها وعملها بشكل مباشر.

وتشمل “مدونات السلوك” العلاقات بين المؤسسة وموظفيها، والموظفين بين بعضهم، بالإضافة إلى محددات الظهور الإعلامي، والآراء التي يسمح بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى مدير فريق “ملهم التطوعي”، عاطف نعنوع، في حديث لعنب بلدي، أنه لا توجد أي منظمة أو شركة قادرة فعلًا على ضبط سلوك عامليها بشكل كامل، وخاصة المنظمات العاملة بالشأن العام، والمعتمدة على الإعلام لجمع تبرعاتها وإقامة الحملات، وبما يتاح لها ضمن مواقف ومجالات معينة.

وفي المقابل، فإن رأس مال هذه المنظمات الأساسي هو العامل البشري، وهي مطالبة بشكل مباشر بضبط سلوك العاملين لديها، بحسب نعنوع، ورغم ذلك لا يمكن تنفيذ ذلك بسبب العدد الكبير للعاملين من مختلف المناطق والطوائف، بالإضافة إلى الاختلافات بالعادات والتقاليد والأفكار السياسية، بحسب رأيه.

من جهتها، قالت الناشطة في حقوق الإنسان والباحثة في مركز “الشرق للدراسات” ديما دهني، لعنب بلدي، إن ضبط السلوك من قبل المنظمات عملية تراكمية، بمعنى أنه كلما امتلك العاملون في المنظمات الإنسانية الوعي الكافي لقيم ومبادئ أي منظمة تعمل على الأرض، لن تحتاج المنظمة إلى فرض سياسات داخلية تتعلق بالسلوك، وسيملك المتطوعون هذا الالتزام الأخلاقي.

وترى ديما دهني أن هذا الأمر يبدأ أولًا عبر المنظمة نفسها، من خلال مقابلات التوظيف وشرح قيم المنظمة وأهدافها، وعندما تنتشر هذه القواعد وتُتداول بشكل دائم بين العاملين لديها، تتحول القيم إلى إحساس ذاتي لدى العامل يحمّله المسؤولية.

من جهته، قال عضو إدارة منظمة “بنفسج” الإنسانية فؤاد السيد عيسى، لعنب بلدي، إن كل منظمة لديها قواعد أساسية وسياسات يجب على الموظف احترامها والانصياع لها، بمعنى أنه عند تنفيذ أي مشروع يجب الالتزام بالقيم الإنسانية والحيادية وعدم التحيز تجاه المستفيدين.

لكن المشكلة، وفقًا للسيد عيسى، تكمن خارج أوقات العمل، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يعبر من خلالها المتطوعون عن أفكارهم وانتماءاتهم الدينية أو السياسية أو أفكارهم الشخصية، وهنا من واجب المنظمة أيضًا ضبط عدم الانحياز والإساءة للآخرين من قبل موظفيها، خاصة أن الأمر ينعكس على المؤسسة نفسها، وهذا الأمر ليس سهلًا، بحسب قول السيد عيسى.

على المتطوع الحياد الكامل

تسعى المنظمات العاملة في الشأن الإنساني إلى تلبية احتياجات المتضررين من العمليات العسكرية في مناطق النزاعات، بصرف النظر عن دين وطائفة وعرق المتضررين.

وفي المقابل، تثير المنشورات التي يكتبها بعض العاملين في الشأن الإنساني المخاوف من التأثير على حيادية وتلبية منظماتهم لاحتياجات المتضررين وفق القواعد الإنسانية.

وفي تعليقه على منشورات أثارت الجدل في وقت سابق لبعض المتطوعين، قال مدير فريق “ملهم التطوعي”، عاطف نعنوع، لعنب بلدي، إن السوريين عامة “يملكون خبرة قليلة في العمل الإنساني عبر المنظمات، فهذا العمل نتج لدى عشرات المواطنين في سوريا بعد الثورة”.

وبحسب دراسة لمنظمة “Christian Aid” البريطانية، نُشرت في 18 من أيلول 2019، من خلال لقاء 25 مشاركًا من منظمات سورية غير حكومية، لم تتوفر في البيئة القمعية التي أدارها الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، منذ السبعينيات، المقومات اللازمة لنشوء المجتمع المدني المهم والتعددي ضمن الدولة ولا المستقل قبل عام 2011، ورغم وجود 550 منظمة مرخصة عام 2000، لم تقدم الخدمات الاجتماعية للشعب مع إحاطتها بـ”الخطوط الحمراء”.

من جهتها، ترى ديما دهني أنه يجب أن تكون هناك سياسات واضحة، وخاصة في قطاع العمل الإنساني، وأن يكون المتطوع قادرًا على اتخاذ قرارات لتحييد آرائه الدينية أو العرقية أو أي نوع من أنواع الآراء تجاه المحتاجين.

ويعود هذا إلى سلسلة المعايير التي لا تُناقش أو تُتداول في المؤسسات، وأغلب النقاشات والجدالات تذهب باتجاه المنصب والعائد المادي والمهام، بحسب دهني.
ويؤثر غياب النقاش حول قيم المؤسسة بشكل مباشر على المتطوعين أيضًا، لأنهم سيعتبرون أنفسهم مجرد أشخاص يُستعان بهم وقت الحاجة لا شركاء في المؤسسة نفسها.

خطاب الكراهية

في العام 1948، تبنت الأمم المتحدة “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، وجاء في المادة الـ19 منه “لكل شخص الحق في حرّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حق اعتناق الأفكار دون مضايقة، وتلقي المعلومات والأفكار بغض النظر عن الحدود”.

وتعد “الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” (1965)، التي رعتها الأمم المتحدة، أول معاهدة دولية تتناول موضوع خطاب الكراهية بشكل مباشر، إذ اعتبرت أن “كـل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري، وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عـرق أو أي جماعة من لون أو أصل إثني آخر (…) جريمة يعاقب عليها القانون”.

أما “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، فيدعو إلى ضرورة تجريد الرسائل الإعلامية من أدوات الكراهية، إذ تنص المادة الـ19 منه على “احترام حقوق الآخرين واحترام سمعتهم”، بينما تنص المادة الـ20 على “حظر أي دعاية للحرب بموجب القانون، وحظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.

وإلى جانب هذه القرارات، اعتمدت عدة دول واتحادات حول العالم مواثيق خاصة بحرية التعبير، إلا أنها بدت في المجمل غير مفصلة فيما يخصّ خطاب الكراهية، بحسب تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بعنوان “التحريض على الكراهية العنصرية والدينية وتعزيز التسامح” (2006).

“آراء” تضر بصورة المنظمات أمام الجمهور والداعمين

تطور المجتمع المدني بسرعة خلال أعوام النزاع السوري، مستغلًا غياب السلطة الأمنية وملبيًا الحاجات الملحة التي أفرزتها الفوضى والمعاناة الإنسانية، إذ انتشرت المنظمات مع بدء الحراك الشعبي، ليصل عددها إلى 1040 منظمة حتى عام 2017، وفقًا لمسح أجرته منظمة “مواطنون لأجل سوريا“.

وكان من دوافع انتشارها انحسار دور الناشطين السلميين مع توجه الحراك الشعبي نحو العسكرة، وتزايد الحاجات الخدمية التي ترافقت مع انحسار دور الدولة في مناطق متعددة من سوريا.
واعتمدت معظم هذه المنظمات والجمعيات على دعم من منظمات دولية لتمويل مشاريعها، كما اعتمد بعضها على حملات التبرع الشعبية.

وتضع المنشورات، التي تمارس خطاب الكراهية أو التنمر والعنصرية، المنظمات في مواقف محرجة وتسيء لصورتها أمام داعميها وجمهورها على حد سواء، خاصة مع اعتمادها على التمويل الخارجي وحملات التبرعات باعتبارها منظمات غير ربحية.

ولا يتوقف التأثير السلبي لخطاب الكراهية على الداعمين، بل يؤثر بشكل مباشر على بقية العاملين في المنظمات، إذ تعمم الصورة السلبية على الجميع.

ويرى مدير فريق “ملهم التطوعي”، عاطف نعنوع، أن الجمهور “يجب أن يكون واعيًا أن المتطوع ربما لا يمتلك الخبرة الكافية لإدراك حساسية عمله”، مؤكدًا أنه من الضروري توجيه الملاحظات لأي منظمة عبر معرّفاتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي منعًا لـ”التشهير”.

وأضاف نعنوع، “أنا ضد التشهير لأننا أخطأنا ونخطئ وسنستمر بإصلاح هذه الأخطاء، وهناك أشخاص لا يتذكرون المنظمات إلا لدى ظهور أخطائها، وهناك أشخاص موجودون عبر وسائل التواصل الاجتماعي للهجوم فقط”.

وأشارت ديما دهني إلى الخلط بين حرية التعبير والنقد، وبين ما يفهم منهما.

وأضافت “في بعض الأحيان يعبّر شخص ما عن رأيه بحرية، وعندما نقول حرية يعني أنه احترم معاييرها، أي إنه لم يسب أو يشتم أو يهن شخصًا آخر أو يتنمر عليه، ولكن (جمهور فيس بوك) لا يقبل هذا الأمر لأنه يخالف أفكاره، ويشن هجومًا مضادًا على صاحب الرأي مع استغلال مصطلح التنمر في غير مكانه الصحيح”.

تأثير خطاب الكراهية على السلم الأهلي

يثير انتشار العنصرية وخطاب الكراهية بين الناس المخاوف على السلم الأهلي، خاصة في البلاد المكونة من أعراق وأديان وطوائف مختلفة.

وترى ديما دهني أن الانتهاكات والسلوكيات السلبية التي تمارس على وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل مباشر على السلم الأهلي.

وهنا تلعب وسائل الإعلام دورًا برفع نسبة الوعي، وكذلك ورشات العمل والمؤتمرات التي يجب أن تتضمن نقاشات عميقة، وهنا يجب على المواطنين أيضًا حماية وتعزيز السلم الأهلي.

ويعرّف السلم الأهلي بأنه نبذ كل أشكال النزاع والتقاتل، أو حتى مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره، أو تكريس ثقافة الكراهية وتحتيم التصادم، أو تحويل الاختلاف إلى أيديولوجيا والتنظير لها ونشرها.

ويتلخص السلم الأهلي في العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع. فوجود السلم الأهلي ضمن مجتمع ما هو دليل عافية وقوة، ويدل على قدرة هذا المجتمع أو الكيان على العمل والتقدم والتنمية على عكس المجتمعات التي يسودها التشاحن، والتوترات العرقية والدينية، أو حتى التناقضات الاقتصادية الكبيرة بين مكونات المجتمع وشرائحه.

ويتفق مدير فريق “ملهم”، عاطف نعنوع، مع ديما دهني بمدى تأثير خطاب الكراهية على السلم الأهلي، معتبرًا أن هذا الخطاب “ليس أقل خطورة من الأسلحة”.

مقالات متعلقة

منظمات مجتمع مدني

المزيد من منظمات مجتمع مدني