حوار: أسامة آغي
تعمّق العقوبات الأمريكية بحقّ النظام السوري وحلفائه روسيا وإيران، من حالتي الشك والريبة بين هذه الأطراف، وتجعلهما قاعدة التعامل الأساسية فيما بينهم، خاصة مع الأزمة الاقتصادية في سوريا.
والتقت عنب بلدي الدكتور علي باكير، الذي يعمل بصفة باحث أول في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية ومنسق لبرنامج دراسات، وحاورته بشأن العلاقات الروسية- الإيرانية- السورية، والعلاقات الأمريكية- الإيرانية، والضغوطات الاقتصادية على تركيا.
محور غير متجانس
حاولت روسيا وإيران التنسيق فيما بينهما في سوريا، ورغم ما يصدر من تصريحات من قبل مسؤولي الطرفين يؤكد على متانة علاقتهما في سوريا، فإن هناك مؤشرات تدل على وجود خلافات، خاصة في الجانب الاقتصادي والعسكري، المتمثل بمحاولة كل طرف فرض سيطرته على القطاعات السابقة.
ويرى الباحث الأسبق في مجموعة “AIWA” الاقتصادية- الدفاعية، الدكتور علي باكير أن المحور الروسي- الإيراني هو محور “غير متجانس”، وأن الأولويات والأجندات والأهداف الاستراتيجية مختلفة لدى كل طرف من هذه الأطراف.
وأضاف الدكتور باكير “لكن أطراف هذا المحور قامت خلال السنوات الماضية بردم الهوّة بين أجنداتها المختلفة”.
ويعتقد باكير أن هذا الأمر يحمل طابعًا تكتيكيًا، وغير قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية، “هناك مصالح مختلفة بين إيران وروسيا، وهناك تنافس في بعض الحالات على المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية في العلاقة مع نظام الأسد”.
وسبق أن أشار مسؤولون روس وإيرانيون إلى خلافات بينهما في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بالوجود العسكري الإيراني واعتراض الاحتلال الإسرائيلي على هذا الأمر، رغم تأكيد علني دائم على متانة العلاقات.
ويعيد الدكتور باكير الأمر إلى “فجوة استراتيجية كبيرة في الأهداف، وإن كانت هناك تقاطعات فيما بينهم”، ويرى أن العقوبات الأمريكية “ستعمّق من الهوة بين هذه الأطراف، وستزيد من الريبة بين بعضهم بعضًا”، خاصة أن الأسد، برأي باكير، “يتخوف من تضحية روسية به في مرحلة ما، مقابل مكاسب أخرى من خلال اتفاق مع واشنطن”.
وقال باكير، إن إيران أيضًا لها مخاوفها في العلاقة مع موسكو، وتخشى أن تتركها روسيا في ظل صفقة ممكنة مع الولايات المتحدة”.
ويرى الدكتور باكير أن الروس يخشون من تحول في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، وكذلك من صفقة محتملة بين الأمريكيين والإيرانيين، تعمل على عزلهم.
أما النظام السوري فهو يخاف من الطرفين، ويريد تثبيت موقعه الداخلي، كما يريد أن يضمن الدعم الدائم له.
رحيل ترامب هو الحلم
توجد إيران بشكل فعلي في عدة بلاد عربية على الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية، وسبق أن صرّح وزير الاستخبارات الأسبق في حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد، حيدر مصلحي، أن بلاده تسيطر على أربعة بلدان عربية، هي سوريا والعراق ولبنان واليمن، فيما بات يعرف بـ”المشروع التوسعي الإيراني في العالم العربي”.
وحول هذا “المشروع” قال الدكتور علي باكير، إن “المشروع التوسعي الإيراني في العالم العربي بلغ أوجه خلال عهد باراك أوباما، حيث أُبرمت صفقة النووي الإيراني، وهو الأمر الذي أتاح لإيران توسيع نفوذها في العالم العربي، وإعطاء الشرعية لبرنامجها النووي، والسماح لها بتسهيلات مالية واقتصادية، ورفع العقوبات بما يتعلق بصادرات وواردات السلاح”.
ويعتقد الدكتور باكير أن التسهيلات لم يكن لها مبرر حقيقي، وإنما كانت بهدف تحقيق الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إرثًا سياسيًا فقط.
لكن مجيء إدارة الرئيس الحالي، دونالد ترامب، وفرضها سياسة أقصى الضغوط، جعل المشروع الإيراني “عرضة لخضة كبيرة، وهو الآن في حالة انكماش وتراجع، بسبب هذا الضغط الأمريكي”، برأي باكير.
ويرى باكير “أن إيران تعاني من صعوبات سياسية ومالية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة على المستوى المحلي، وأن أذرعها تعرضت هي الأخرى لتراجع غير مسبوق في قدراتها المالية والعسكرية”.
لكن الوضع الراهن يشير إلى أن “المشروع الإيراني بأكمله صار تحت ضغط هائل، والتفجيرات في الداخل تعبّر عن تدهور في الوضع الأمني، وعدم قدرة إيران على ضبط الوضع وحماية المنشآت الحساسة من الاستهداف السيبراني أو من عمليات داخلية تعبّر عن اختراق أمني”.
ويعتقد الدكتور باكير أن النظام الإيراني يرى أن حله الوحيد هو في خسارة ترامب جولة الانتخابات الرئاسية، وصعود جو بايدن الذي كان عنصرًا أساسيًا في إدارة أوباما سابقًا، وبالتالي يمكن أن يعقد الإيرانيون معه صفقة شبيهة بصفقتهم مع أوباما.
تحديات أمام الاقتصاد التركي
صعد الاقتصاد التركي بقوة منذ عام 2002 قبل أن يتراجع نتيجة الظروف الإقليمية والدولية، وخاصة منذ عام 2013، عندما بدأت الليرة التركية تفقد قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
وحول “قوة الدفع الاقتصادي لدى تركيا”، قال الدكتور باكير، إن الأداء الاقتصادي التركي خلال العقدين الماضيين كان جيدًا للغاية، خاصة أن نسب النمو كانت عالية.
ويعتقد باكير، أنه خلال الأزمة الاقتصادية العالمية عامي 2008 و2009 كان الأداء الاقتصادي التركي قويًا مقارنة مع كثير من الدول، لكن الأمور أخذت منحى آخر بدءًا من عامي 2017 و2018، فبرأي باكير، “بدأ الاقتصاد التركي يتعرض لضغوط خارجية وداخلية”، مشيرًا إلى مشاكل تتعلق بالأداء الداخلي، وأخرى تتعلق بمحاولات من الخارج للضغط على تركيا للانصياع لأجندة خارجية، خاصة من الولايات المتحدة وروسيا.
وفقدت الليرة التركية جزءًا كبيرًا من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، إذ كان سعر صرف الليرة التركية في عام 2013، 2.5 ليرة للدولار الواحد، ثم 3.5 في نهاية 2016.
واستمرت الليرة التركية بفقدان قيمتها حتى وصل سعر الصرف خلال تموز الحالي إلى 6.94 ليرة مقابل الدولار الأمريكي.
لكن الدكتور باكير يرى أنه تمّ تجاوز هذه المشكلة تلقائيًا، ومع ذلك بقيت هناك تحديات مثل تداعيات جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وهي تداعيات لها طابع عالمي، معتبرًا أن الساسة الأتراك يعملون على التخفيف قدر الإمكان من الانعكاسات السلبية لهذه الجائحة على الاقتصاد التركي.
لكن هناك تحديات اقتصادية تواجهها تركيا، وهي لم تختفِ، وتم اتخاذ بعض الإجراءات التي تحتوي الأزمة الاقتصادية خلال العامين الماضيين، كما قال باكير.
وأضاف الدكتور باكير، أنه مع توسع الدور التركي سياسيًا وأمنيًا في المنطقة، هناك حاجة لاقتصاد قوي يدعم التحرك التركي، خاصة أن تركيا دولة غير نفطية وتعتمد على الإنتاج الداخلي المعد للتصدير، وهذا النمط يحتاج إلى بيئة مستقرة وآمنة إقليميًا حتى تصدّر البضائع إليها، وفقدان هذه البيئة الإقليمية المستقرة خلال السنوات العشر الماضية فرض تحديات على الوضع الاقتصادي التركي.
–