عنب بلدي – يامن مغربي
أثارت انتخابات مجلس الشعب التي أجراها النظام السوري، في 19 من تموز الحالي، كثيرًا من الجدل، وشهدت اعتراضات من وجوه محسوبة على النظام في سابقة نادرة.
وشهدت الانتخابات غياب وجوه اعتاد عليها السوريون، كمحمد حمشو وطراد الملحم، بينما شن العضو السابق ورئيس “اتحاد غرف الصناعة السورية”، فارس الشهابي، هجومًا لاذعًا على العملية الانتخابية.
وتحدث محللون سياسيون التقتهم عنب بلدي أن هذه الانتخابات حملت محاصصة روسية- إيرانية، ورسائل إقليمية ودولية.
غياب “اتحاد غرف التجارة السورية” عن المجلس
أعلن رجل الأعمال السوري المقرب من النظام السوري محمد حمشو، انسحابه من سباق الانتخابات، في 17 من تموز الحالي، عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”، قبل 48 ساعة فقط من موعدها، في إشارة اعتبرها المحامي عارف الشعار، عبر حسابه في “فيس بوك”، دلالة على “حسم مقاعد المستقلين”.
ولا يمكن أن يأتي انسحاب حمشو، الذي يشغل منصب أمين سر “غرفة تجارة دمشق” وأمين سر “اتحاد غرف التجارة السورية”، دون ربطه بضغوط من القصر الجمهوري، أو من حلفاء النظام السوري، روسيا وإيران.
ويرى المحلل السياسي حسن النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، أن انسحاب حمشو يعني “معرفته المسبقة بنتائج الانتخابات”، نتيجة اقترابه من كواليس صنع القرار، خاصة الأمنية منها.
وأضاف النيفي أن حمشو أحد أكثر الناس معرفة بآليات العمل التي يتبعها النظام في اختيار المرغوب بهم ليكونوا نوابًا.
وسبق أن نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر لم تسمها، أن انسحاب حمشو من الانتخابات جاء بسبب “دعمه من قبل أعضاء في حزب البعث” متواطئين مع قائمة “شام”، التي ضمت طريف قوطرش وغزوان المصري وفهد درويش محمود ومحمد أكرم العجلاني ومحمد خالد العلبي ونهى محايري.
وقالت الصحيفة، إن الأمين القطري المساعد للحزب، هلال الهلال، قطع زيارته إلى حلب بشكل مفاجئ، وعاد غاضبًا إلى دمشق متوعدًا حمشو، وفي ذهنه شيء واحد هو معاقبة “الرفاق البعثيين” المتواطئين مع قائمة “شام” التي يقودها.
وعقد الهلال اجتماعًا عاجلًا مع “القيادة المركزية” لحزب “البعث”، بحسب الصحيفة، وعاقب خمسة من القياديين البعثيين في فرع دمشق، ما اعتبر رسالة إلى حمشو الذي قرر الانسحاب.
ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان “القيادة المركزية” في الحزب، في 16 من تموز الحالي، إعفاء خمسة من قيادييه في فرع دمشق، بحسب موقع “الوطن أونلاين”.
وإلى جانب حمشو، يعتبر فارس الشهابي أحد أبرز الوجوه الصناعية والتجارية المقربة من النظام، وهو الذي يشغل منصب رئيس “اتحاد غرف الصناعة السورية”، وأحد داعمي النظام السوري ماليًا.
ورغم الثقل التجاري والسياسي الذي يمتلكه الشهابي، ودعواته المتكررة لحكومة النظام إلى زيادة الاهتمام بالإنتاج الصناعي في مدينته حلب لإنقاذ الاقتصاد السوري من التراجع، لم ينجح بدخول المجلس لفترة ثانية (كان الشهابي عضوًا في الدورة التشريعية السابقة بين عامي 2016- 2020).
واعتبر الشهابي أن خسارته كانت “عقابًا لعدم الطاعة العمياء لمنظومة الفساد المتنامية”، بحسب منشور كتبه، في 21 من تموز الحالي، وحذفه من صفحته لاحقًا، مشيرًا من خلاله إلى حرب مقامة ضده من قبل جهة لم يسمها، اتهمها بتجنيد أموال النفط المسروق “وعفاريت الأرض” للعمل ضده.
وعبّر الشهابي عن “ندمه” على عدم الانسحاب من انتخابات مجلس الشعب، بعد زيارة “الرفيق” التوجيهية قبلها.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ضم الشهابي إلى المجلس الاستشاري التابع لمجلس الوزراء في سوريا، مع خمسة أعضاء آخرين، بينهم رجال أعمال، بموجب المرسوم “رقم 703” الصادر في تشرين الثاني 2019.
ويمتلك الشهابي أسهمًا في العديد من الشركات العقارية والتجارية والتعليمية، وهو شريك مؤسس في كل من “شام القابضة”، ومصرف “فرنسبنك سورية”، و”بنك الشرق”، و”الشركة السورية العربية للتأمين”، و”الشركة السورية العربية للتجارة”.
النظام يجدد الدماء بمحاصصة روسية- إيرانية
مع غياب بعض الوجوه التي اعتاد عليها السوريون في المجلس، يبرز السؤال حول هدف النظام من دفعه الوجوه الجديدة إلى الواجهة، خاصة مع الحشد الإعلامي للانتخابات من قبل وسائل الإعلام الحكومية أو المقربة من النظام، وتحركاته عبر حزب “البعث” أو عبر استعانته بـ”المحاربين القدماء“، الذين التقى معهم الأسد، في 14 من تموز الحالي، ودعاهم “لنقل تجربتهم الوطنية البطولية العسكرية” إلى السياسة.
وتتضمن الوجوه الجديدة التي وصلت إلى المجلس شخصيات مقربة من الدولتين الحليفتين للنظام، روسيا وإيران، وهو ما يشير إلى “نظام محاصصة في المجلس”، بحسب المحلل السياسي زكريا ملاحفجي، الذي أشار في حديثه لعنب بلدي إلى “عبث إيراني كبير في الانتخابات”، وحصول عائلات مقربة من إيران على دعم مباشر، مع انسحاب أو فشل وصول شخصيات محسوبة على الجانب الروسي إلى قبة المجلس.
ويأتي استبدال الوجوه مع محاولة النظام “إرضاء” شرائح ووجوه جديدة من مؤيديه، ومنحهم الفرص للاستفادة ماليًا، وفقًا للمحلل السياسي حسن النيفي، الذي أشار في حديثه لعنب بلدي إلى أن “إيران حاضرة بقوة في أي شأن داخلي سوري، واختيارها لبعض الوجوه الموالية أو التابعة لها أمر وارد، أما الروس فربما يبدو حضورهم أقل في هذه المسألة، نظرًا لقدرة إيران وأسبقيتها في التوغل في الشأن الإداري والتنظيمي والاجتماعي للنظام”.
في حين يرى الباحث زكريا ملاحفجي أن هناك مؤشرات على “المحاصصة” بين روسيا وإيران، من خلال اشتباكات بين عشيرة آل برّي وعائلة قاطرجي في حلب.
ونقلت وسائل إعلام معارضة للنظام السوري أخبارًا غير مؤكدة عن اشتباكات بين العائلتين، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التي أسفرت عن دخول قاطرجي المجلس عكس برّي.
الوجوه الجديدة والعملية السياسية في سوريا
ويدور الحديث عن مساعي النظام لمنح مقاعد المجلس للوجوه التي تساعده في رؤيته لأي عملية سياسية مقبلة في سوريا، خاصة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية.
لكن المحلل حسن النيفي يستبعد أن تكون عملية الاستبدال مرتبطة بأي عملية سياسية مقبلة في سوريا، أو بعمل اللجنة الدستورية المكونة من المعارضة والمجتمع المدني والنظام، التي تسعى إلى كتابة دستور جديد لسوريا، فدور مجلس الشعب يقتصر على الموافقة على أي قانون يريد النظام السوري إقراره، ولم يسبق للمجلس أن ناقش قرارًا أو اعترض على قانون صادر من رأس النظام السوري، بشار الأسد، أو أبيه حافظ الأسد.
ولا يعتقد النيفي أن الحل السياسي في سوريا سيأتي عبر اللجنة الدستورية، وإنما نتيجة توافق دولي- روسي- أمريكي “يمرر” عبر اللجنة الدستورية من أجل إضفاء الشرعية عليه، أو نتيجة لتطبيق القرار 2254، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية في البلاد.
وبالتالي لا علاقة للجنة الدستورية بالوجوه الجديدة في مجلس الشعب، بحسب النيفي، خاصة أن النظام قادر على إقرار أي قانون يريده بصرف النظر عن مجلس الشعب.