إبراهيم العلوش
تصريح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأن حوالي 25 مليون إيراني مصابون بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، أثار دهشة العالم، ودهشة الإيرانيين أنفسهم من هذه المعلومة التي تجعل عدد المصابين في إيران وحدها يعادل عدد المصابين في العالم كله.
ترى ما الدوافع المتوقعة لمثل هذا التصريح من قِبل رئيس دولة تعتمد التكتم والعمل في الغرف المظلمة طوال 40 سنة، وما تأثير مثل هذا التصريح على الدور الإيراني في سوريا؟
من حيث البداية، فإن فيروس “كورونا” انتشر بشكل وبائي في إيران منذ آذار الماضي، نتيجة تقصير حكومتها وعدم التزام شركة الطيران الرسمية “ماهان” بوقف رحلاتها إلى الصين في أوج انتشار الفيروس في ووهان، إذ أصرت الجهات الرسمية على تجاهل الخطر رغم الشكاوى التي تقدم بها طواقم الطيران الإيراني، والتنبيهات إلى خطورة هذه الرحلات عليهم أولًا، وعلى الإيرانيين ثانيًا. بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الخبراء الصينيين في مدينة قم، وفي غيرها من المدن التي شهدت الانتشار الشديد للوباء.
السلطات الإيرانية تكتمت على انتشار الوباء، وعلى عدد الضحايا، واتهمت كل من يسرّب صورًا لجثث الموتى بالتآمر والتجسس، والعداء للإسلام، لكنها فجأة أعلنت عن أرقام كبيرة لانتشار الوباء فيها، بل إن الرئيس روحاني أضاف في تصريحه، في 18 من تموز الحالي، وبعد اجتماعه باللجنة الوطنية لمكافحة فيروس “كورونا”، أن عدد الإيرانيين المعرّضين للإصابة قد يصل إلى 35 مليونًا، أي إن أكثر من نصف الشعب الإيراني سيكونون مصابين بـ”كورونا”.
حاولت السلطات الإيرانية التقليل من حدة تصريحات الرئيس، واعتبرت أن الأعداد التي أعلن عنها افتراضية وليست واقعية ولا موثقة، في محاولة لإنقاذ سمعة الدولة الإيرانية من تهمة الفشل التي تلاحقها في معالجة الملفات الداخلية والخارجية، سواء في حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، أو في مقتل قاسم سليماني، أو الانهيار الاقتصادي، أو الحرائق المجهولة المصدر.
خرجت تصريحات روحاني المثيرة للجدل، بعد تصريحات حادة للرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، ضد حكومة روحاني، التي اتهمها بأنها تعقد اتفاقيات سرّية مع الصين لرهن موارد البلاد لمدة 25 سنة مقبلة، والسماح للأسطول الصيني باحتلال جزر في الخليج، من أهمها جزيرة “قشم” في مضيق “هرمز”، بالإضافة إلى بيع النفط والغاز والبتروكيماويات للصين مقابل حسومات تصل إلى 32%، وتقسيط الدفع على مدى سنوات، ما يجعل استقلال الدولة الإيرانية مهددًا ورهينًا بتطورات الصراع الأمريكي- الصيني التي قد تصل إلى الحرب، أو قد تصل إلى بيع إيران للأمريكيين من قِبل الصينيين ضمن سلسلة المقايضات التي اعتادت عليها الدول الكبرى فيما بينها.
تسرّب خبر الاتفاقية الصينية- الإيرانية عبر صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية، في 12 من تموز الحالي، التي أكدت أن جلسة عاصفة في البرلمان الإيراني قد جرت في حزيران الماضي، وشنّت مجموعة من النواب في مجلس الشورى هجومًا لاذعًا على وزير الخارجية، جواد ظريف، واعتبرت أنه يعمل على تقويض استقلال البلاد بالاتفاقية التي يتفاوض عليها سرًا مع الصينيين، ما أجبر الوزير ظريف على نشر ملخص الاتفاقات المبدئية مع الصينيين بـ18 صفحة حصلت عليها الصحيفة، وأطلق نشر الوثيقة العنان للنقاشات الحادة خاصة من قبل القوميين الإيرانيين، بالإضافة إلى الرئيس السابق، أحمدي نجاد، الذي يطمح إلى منافسة روحاني والحلول مكانه في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2021.
تُرى هل جاءت تصريحات روحاني كنوع من تشتيت الأنظار وتضخيم ملف “كورونا” من أجل تخفيف الهجوم عليه وعلى حكومته، بسبب الاتفاق السري الذي يرهن إيران للصين لمدة ربع قرن؟ يبدو أن الأمر كذلك!
المرشد خامنئي موافق على الاتفاق بشكل مبدئي، والأوساط المقربة منه دافعت عن الاتفاق من أجل إنقاذ دولة الملالي وإخراجها من سلسلة الفشل المتلاحقة، التي قد تجعل نهاية النظام حتميًا لعدم قبوله داخليًا بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعدم قبوله خارجيًا بسبب رعايته الإرهاب في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وترجع بدايات الاتفاق إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى إيران في بداية 2016، أي قبل فسخ اتفاق “5+1″، وكان الإيرانيون يهددون المصالح الأوروبية والأمريكية في بلادهم بالتلميح إلى عقد مثل هذا الاتفاق، وظلت أوروبا تدافع عن دولة الملالي من أجل ألا تخسر مصالحها في إيران، وقد صمتت أوروبا حتى عن المذابح الإيرانية في سوريا من أجل البترول والغاز الإيراني الموجودين بكميات توازي البترول الخليجي والروسي، وكان الغاز الإيراني فرصة ذهبية للتخلص من التحكم الروسي بإمدادات الغاز إلى أوروبا.
إيران اليوم موبوءة بفيروس “كورونا”، كما يقول الرئيس روحاني، وهي موبوءة بالتدخل الأجنبي فيها، ومهددة سارة استقلالها بسبب تسليم مواردها للصين، حسبما قال الرئيس السابق، أحمدي نجاد، وهي موبوءة بالفشل الداخلي وبالتفجيرات التي لا تعرف الحكومة مصدرها.
والعجيب أن إيران، الدولة المصابة بكل هذه الأوبئة، لا تزال مصرّة على المضي بنفس دورها في سوريا، إذ يصرّح مسؤولوها مع مسؤولي النظام السوري بأنها تريد إنقاذ سوريا وإحلال السلام فيها، فأي سلام، وأي إنقاذ ينتظره السوريون من دولة ينتشر فيها فيروس “كورونا” بشكل يفوق كل دول العالم، وهل يأتي السلام والازدهار من دولة مفلسة ترهن نفسها للصين أو لغيرها، وتتسم كل سياساتها بالفشل الذريع، وينتشر الخراب أينما حلّ “حرسها الثوري” وميليشياته، التي صارت تُقارَن بالفيروسات القاتلة!