انتخابات برلمان الأسد.. هزل معجون بالسخرية والتحدي

  • 2020/07/26
  • 12:00 ص

أسامة آغي

لا أحد يفعلها غير الأسد، فالبلاد (سوريا) موزعة النفوذ تحت رايات إقليمية ودولية وميليشياوية، ومع ذلك يصرّ الأسد على تجاهل هذه الحقائق، ليقول بأسلوبه: “أنا الحقيقة الوحيدة، وكل ما يجري هو مؤامرة وإرهاب، وعليكم الذهاب إلى صناديق الانتخابات، لتأبيد نظامي المتكرر منذ 50 عامًا ونيّف”.

هذا تكثيف للسان حال الأسد، وهو يصرّ على ممارسة مسرحية “انتخابات برلمان البلاد”، الذي لم يملك يومًا من قراره شيئًا. فالأسد الذي أجرى تعديلات صورية على دستوره عام 2012، كان يريد أن يوصل رسائل باتجاهات متعددة في ذلك الوقت.

رسائل الأسد بخصوص التعديلات على الدستور، قرأتها الثورة السورية على أنها استمرار بتزييف إرادة الشعب، وعدم إقامة أي وزن لقوى سياسية وثورية، كانت تفرض إرادتها على مساحات واسعة من الأراضي السورية، فالنظام آنذاك، أغمض عينيه عما يجري في الواقع، ليقول للآخرين، هذه هي الإصلاحات، فاقبلوها، أو سأستمر بالحرب عليكم.

لهذا يمكن تسمية دورات انتخابات برلمان النظام، على أنها دورات مغلقة بعيدة عن أي منفذ حقيقي للتعبير عن إرادة أطياف ومكونات وقوى الشعب السوري، وهي في الحقيقة، انتخابات تخص استمرار هيمنة النظام، وأجهزة حكمه المخابراتية.

فالدستور الذي وضعه النظام يمنح الصلاحيات الكبرى، وتحديدًا السلطات التشريعية، لمنصب رئيس الجمهورية، فعند الرئاسة تجتمع كل خيوط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

أما طريقة وصول الأشخاص إلى برلمانه، فهذا أمر يتعلق بآليات وضعها النظام باعتباره “قائد الدولة والمجتمع”، ورغم تخليه عن المادة الثامنة من الدستور على الورق، بقي يمارسها في الواقع دون أي اعتبار لقوى الشعب وثورته.

إن انتخابات النظام الأخيرة تكشف عن صوريتها، وتكشف عن أن النظام بعد أكثر من تسع سنوات على الثورة الشعبية، لم يحاول، ولم يستطع، استيعاب أي قدر من التغيير المطلوب، ولهذا فهو فعليًا يهرب إلى الأمام، دون أن يرى حقيقة الواقع الذي تمر به سوريا بعد انخراط قوى إقليمية ودولية فيه.

انتخابات البرلمان التي أجراها النظام، كشفت عن حقائق لا يرغب برؤيتها، ظنًّا منه أنه قادر على تجاوز ما يحيط به من ضغوطات داخلية وإقليمية ودولية.

فإذا عدنا إلى الوراء قليلًا، فالأمم المتحدة رعت ولا تزال مفاوضات “جنيف” على أرضية القرار الدولي 2254، الصادر في نهاية عام 2015، لكنّ النظام الذي يتسلح بمساندة دبلوماسية وعسكرية واقتصادية من حليفه الروسي بالدرجة الأولى، ومن حليفه الإيراني بالدرجة الثانية، يتملص من تنفيذ التفاوض الحقيقي على هذا القرار، الذي يجب أن ينتهي التفاوض حوله بتشكيل هيئة حكم انتقالية، تمثل أطياف الشارع السياسي والشعبي السوري، على قاعدة دستور جديد.

إجراء النظام لانتخاباته البرلمانية الصورية، هو قرار منه بتجاهل القرار الدولي 2254، وتجاهل دور الأمم المتحدة في هذا الشأن. هذا التجاهل قال عنه المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، “تنظيم انتخابات مجلس الشعب السوري الأخيرة دلالة على عدم اهتمام النظام بشعبه، وهي خطوة تمثّل استفزازًا كاملًا وحقيرًا ضدّ السوريين”.

الموقف الأمريكي لم يأتِ من فراغ، بل من قناعة بأن هذا النظام لا يرى غير ذاته، ولهذا فهو يفعل ما يشاء خدمة لبقاء هذه الذات المستمرة بتسيّد حياة السوريين رغمًا عنهم.

فكيف يستطيع السوريون انتخاب ممثلين عنهم بإرادة حرّة، وهم جائعون بنسبة تفوق 85% من عدد السكان، الذين يعيشون تحت نفوذ الحكم الديكتاتوري لآل الأسد؟

وكيف يستطيع السوريون انتخاب ممثليهم، وأمراء الحرب سدنة النظام، هم من يملكون كل شيء في الواقع؟

إذًا، وفق هذه الحالة، يمكننا قراءة هذه الانتخابات وإصرار الأسد على تنفيذها، على أن الأسد ونظامه الأمني يدركان عميق الإدراك، أن انتخابات جادة برعاية دولية تامة، لن توصله، ولن توصل أمراء حربه إلى حكم البلاد في مفاصلها الثلاثة، السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.

ويمكن كذلك قراءة تنفيذ الأسد انتخاباته الصورية على أنها محاولة منه لتقديم وجوه جديدة من أمراء حربه الذين أثروا من قوت السوريين ومن دمهم، وقد وصل كثير من هؤلاء إلى البرلمان، ليقدمهم النظام باعتبارهم وجوهًا جديدة غير مشمولة بعقوبات أمريكية أو دولية.

النظام بهذه الآلية من التفكير والممارسة يقوم بدور النعامة التي تدفن رأسها في التراب كي لا يراها الصياد، أي بمعنى آخر هو يعتقد أن تمرير انتخابات برلمانه سيفرض على الأمم المتحدة ومجلس أمنها صيغة رؤيته لمفاوضات “جنيف” التي يريدها أن تكون عبارة عن مقترحات، يمررها مجلس برلمانه، إذا توافقت مع مصلحة استمرار حكمه الديكتاتوري.

النظام لا يعبأ بما آلت إليه حياة السوريين المعيشية، وليس مهتمًا بالوضع الذي وصلت إليه البلاد على كل الأصعدة، وما لحقها من تدهور مرعب. المهم بالنسبة للنظام هو “الأسد أو لا أحد”.

حلفاء النظام في حكمه، هم الآخرون مطمئنون لسلوك النظام في مجرى انتخابات برلمانه، فهؤلاء الحلفاء يعرفون أن آلية الانتخابات الملزمة، التي وضعها حافظ الأسد منذ 50 عامًا، والتي صيغتها الانتخابية تقوم على ما يسمى قطاع العمال والفلاحين، وقطاع بقية فئات الشعب، هي الصيغة التي تضمن أرجحية لحزب “البعث”، الذي يستخدمه النظام وسيلة لحكمه الديكتاتوري، فيحصل بموجبها على أكثر من 50% من المقاعد، ويضاف إليها حصة حلفائه في ما يسمى “جبهة وطنية تقدمية”، حيث تصل النسبة لقائمة النظام وحلفه إلى ما يقارب 73.6% من إجمالي المقاعد.

إذًا، نحن لا نزال في مربع إعادة إنتاج النظام لنفسه، ولكن هل الروس راضون عن هذه المسرحية، أم لديهم من الأوراق ما يخفونها في هذه الآونة عن حليفهم نظام الأسد؟

يبدو أن الروس لا يزالون يناورون بهذه الأمر، فهم لم يعلنوا موقفًا رسميًا صريحًا من انتخابات النظام، رغم أنها تتعارض مع توقيعهم وتصريحاتهم، بأن لا حل في سوريا سوى بتنفيذ القرار 2254.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي