ثلاثة ملفات تضغط اقتصاديًا على الشمال السوري

  • 2020/07/19
  • 11:08 ص
طفل يبيع لوز أخضر على عربته في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

طفل يبيع لوز أخضر على عربته في سوق مدينة إدلب- 7 من نيسان (عنب بلدي)

عنب بلدي – علي درويش

تضغط عدة ملفات اقتصادية على مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، تتمثل بحصر المساعدات الأممية الداخلة بمعبر “باب الهوى” على الحدود السورية- التركية فقط، وتقلص مساحة الأراضي الزراعية الخاضعة لسيطرة المعارضة ومخاطر الحرائق التي تهددها، والإجراءات التي أعقبت تسجيل إصابات بجائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

يواجه سكان الشمال بالأصل ظروفًا معيشية متردية، أبرزها آثار النزوح المتكرر، والعمليات العسكرية، والمخاطر الأمنية، والنزاع المستمر، ويزيد عليها نقص الاستقرار الناجم عن انخفاض قيمة الليرة السورية، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA).

وخلال شهر واحد ارتفعت قيمة السلة الغذائية بنسبة 68% نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، إذ سجل سعر الصرف 2310 ليرات مقابل الدولا الواحد للمبيع، و2260 ليرة للشراء، حسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.

ويعتمد 2.8 مليون شخص في شمالي سوريا على المساعدات الإنسانية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والماء والملجأ والرعاية الصحية والتعليم.

وتهدد الحالة الاقتصادية قدرة الناس على التحمل أكثر، ومن المحتمل أن يمتد تأثيرها على كل سكان المنطقة البالغ عددهم 4.1 مليون شخص، 76% منهم من النساء والأطفال، بينما يبلغ عدد النازحين منهم داخليًا 2.7 مليون شخص، حسب تقرير “OCHA” الصادر في 13 من تموز الحالي.

وبلغ عدد القاطنين في المخيمات الذين نزحوا من مناطق حماة وحلب وإدلب بسبب العمليات العسكرية لقوات النظام وروسيا إلى الأماكن الأكثر أمنًا، نحو مليون و41 ألف شخص، يتوزعون على ألف و277 مخيمًا، بينها 366 مخيمًا عشوائيًا، بحسب ما وثقه فريق “منسقو استجابة سوريا”.

كيف تأثرت المنطقة اقتصاديًا

وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أوضح لعنب بلدي أن ملفات المساعدات، وسيطرة النظام على مساحات من الأراضي الزراعية، وتسجيل إصابات بفيروس “كورونا”، أثرت على الوضع الاقتصادي للأهالي في المنطقة.

وتأثرت المنطقة قبل ظهور حالات إصابة بالفيروس بسبب اتخاذ احتياطات كثيرة سابقًا لمنع انتشاره، منها إغلاق المدارس والمحلات التجارية والمطاعم، ما سبب ارتفاعًا في نسبة البطالة، وهو ما انعكس على السكان، وخاصة على نحو مليون ومئة ألف شخص يعيشون في المخيمات، حسب المصري.

وبالنسبة للقطاع الزراعي، لا يزال النشاط موجودًا ، لكن ليس بالمستوى المطلوب، بسبب تخوف المزارعين من حملات عسكرية جديدة أو استهداف الأراضي بالقصف، أو احتراقها.

وأدى تقدم النظام السوري على حساب المعارضة منذ نيسان 2019 إلى خسارة أراضٍ زراعية، ما شكل خطرًا على الأمن الغذائي في مناطق سيطرة المعارضة، مع خسارة نحو ألفين و300 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، وبقاء ألف و500 كيلومتر مربع لمصلحة المعارضة (خسارة نحو 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة).

هذه الأرقام للأراضي الزراعية جزء من مساحة تقدم النظام إليها تقدر بنحو ثلاثة آلاف و140 كيلومترًا مربعًا، منذ 27 من آب 2019، بحسب إحصائية لمركز “نورس للدراسات” في شمال غربي سوريا، أفاد بها عنب بلدي.

ويعتمد الأهالي في مناطق شمالي وشمال غربي سوريا على الأراضي الزراعية بالدرجة الأولى لتحصيل مواردهم الاقتصادية، وما يضاف إليها من بعض الصناعات الصغيرة التي تعتمد على المحاصيل الزراعية، لأنها مناطق زراعية بامتياز، سواء مناطق ريف حماة الشمالي أو إدلب الملقبة أصلًا بـ“الخضراء”، أو أرياف حلب، بحسب حديث سابق للباحث الاقتصادي خالد تركاوي لعنب بلدي.

لذا تعد الزراعة المورد الرئيس لهذه المنطقة، إلى جانب قطاع النقل، في منطقة حدودية كإدلب وحلب، ما يعني وجود قطاعات اقتصادية تستند إلى الزراعة، كبرادات لتخزين المواد الغذائية (خاصة المنتجات الزراعية)، وسيارات نقل البضائع عبر المعابر، حسب تركاوي.

كما أثرت خسارة المساحات الزراعية على تربية المواشي في المنطقة، فبعد المعارك وموجات النزوح، انتقلت هذه التربية من المناطق التي تعرضت للقصف إلى المناطق الأكثر أمنًا، وبالتالي تجمعت في مناطق ومراعٍ أضيق، بعدما كانت المناطق الممتدة من شرق معرة النعمان إلى جبل شحشبو جنوبي إدلب تتميز بمراعيها واتساع مساحتها، بحسب ما قاله محمد خير الحمد، وهو تاجر أغنام في محافظة إدلب، لعنب بلدي.

ولم يتوقف الضرر الاقتصادي عند خسارة الأراضي، فهناك أراضٍ احترقت إما عمدًا أو من خلال القصف أو الحرق قبل المعارك أو بعد هدوئها، حسب تركاوي.

إغلاق المعابر الداخلية.. معابر تركيا مفتوحة للتجارة

أغلقت الشرطة العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” ووزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة”، معبري “الغزاوية” و”دير بلوط” اللذين يصلان مناطق محافظتي إدلب وحلب شمال غربي سوريا، ابتداء من 17 من تموز الحالي حتى إشعار آخر، ضمن إجراءات منع انتشار فيروس “كورونا”، بينما ستبقى المعابر مفتوحة فقط للعسكريين لتبديل نقاط الحراسة والجاهزية القتالية، حسب حديث مدير المكتب الإعلامي في “الجبهة الوطنية للتحرير”، سيف رعد، لعنب بلدي.

ويصل معبر “الغزاوية” مدينة دارة عزة مع مناطق عفرين بريف حلب الغربي، بينما يصل معبر “دير بلوط” مناطق إدلب بريف حلب الشمالي والشمالي الغربي.

كما أعلنت إدارة معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، في 11 من تموز الحالي، إغلاقه أمام حركة المسافرين للمرة الأولى، تبعها إعلان إغلاقه للمرة الثانية بعد يوم من افتتاحه، وذلك اعتبارًا من 14 حتى 21 من الشهر نفسه، على أن تبقى حركة مرور الشاحنات التجارية والإغاثية مستمرة.

وكان مجلس الأمن الدولي مرّر قرار إدخال المساعدات إلى الشمال السوري، بعد التصويت على مقترح ألماني- بلجيكي يقضي بتمديد آلية المساعدات الأممية لمدة عام واحد عبر معبر “باب الهوى” فقط، وهو ما دفع وزير الاقتصاد، عبد الحكيم المصري، إلى اعتبار مناطق المعارضة “شبه مغلقة”، بإغلاق المعابر كافة بشكل شبه كامل، عدا معابر الجانب التركي التي تغلق وتفتح تبعًا لتطور تفشي الفيروس.

وسُجلت أول إصابة بفيروس “كورونا” في مناطق شمالي سوريا الخاضعة للمعارضة، في 9 من تموز الحالي، لطبيب يعمل في مشفى “باب الهوى”، ويبلغ من العمر 39 عامًا، ودخل إلى سوريا من تركيا في 25 من حزيران الماضي.

الحل بتسهيل عمل المستثمرين والتعاون مع المنظمات

تعمل حاليًا “الحكومة المؤقتة” مع “الائتلاف” والمؤسسات المدنية في المنطقة على زيادة المساعدات للناس، وتمكين إقامة بعض المشاريع، لكن المستثمرين حاليًا يعزفون عن الاستثمار في مناطق المعارضة، بسبب عدم وجود بيئة استثمارية آمنة فيها، وعدم وجود سوق لتصدير بعض المنتجات، حسب المصري.

والأهم حاليًا تشجيع الاستثمارات في المنطقة وتشغيل اليد العاملة، ولفت انتباه المنظمات إلى حجم المأساة من حيث التعاون معها بإقامة مشاريع استثمارية، مع تقديم مساعدات غذائية وطبية وزيادتها بشكل أكبر من السابق.

وستُعقد ورشات واجتماعات في الفترة المقبلة لإدارة المنطقة اقتصاديًا، وطرح الحلول التي يجب اتباعها لمواجهة الفقر، وكيفية إيجاد فرص عمل للناس، عبر تشجيع الاستثمار وجذب المستثمرين، حسب وزير الاقتصاد.

وأحد الأمور الأولية التي اتخذتها “الحكومة المؤقتة”، إصدار قرار برفع وزن ربطة الخبز إلى 775 غرامًا بسعر مدعوم يبلغ ليرة تركية واحدة، وبيع الطحين بسعر مدعوم خلال الفترة المقبلة، وتدشين ثلاثة مخابز من قبل الحكومة في أخترين والغندورة وبزاعة بريف حلب، كي تبيع الخبز بسعر مدعوم، إضافة إلى دعم الخبز من قبل المجالس المحلية.

والعمل على إيجاد أسواق للمنتجات الزراعية، خاصة الحبوب الفائضة كالقمح والشعير في تل أبيض ورأس العين، من خلال إيجاد جهة تشتري الفائض إلى جانب مؤسسة الحبوب التي تشتري حاجتها من الفلاحين، وتشجيع تصدير المواد المنتجة محليًا.

“بالنتيجة، نريد تحريك العجلة الاقتصادية خدميًا وتجاريًا وصناعيًا، وتأمين مشاريع خدمية تشغّل اليد العاملة وتخفف العبء عن الناس”، حسب المصري، الذي أشار إلى أن “المؤقتة” تتواصل مع الدول من أجل فتح معبر “باب السلامة” أمام المنظمات.

وبالنسبة للأراضي الزراعية، فمن الصعب أن تعوّض بسهولة لأنها تحتاج إلى رأس مال ضخم، لكن لا تزال هناك مساحة جيدة في مناطق المعارضة بحاجة إلى الاستقرار المتمثل بأمان المزارع على نفسه، وعدم حرق الأرض أو قصفها أو الاستيلاء عليها من أي جهة، أو السيطرة على مواردها، وهو ما يؤهلها لإنتاج جيد مجددًا، بحسب حديث سابق للباحث خالد تركاوي لعنب بلدي.

مقالات متعلقة

  1. مطالب بفتح معبري "اليعربية" و"باب السلامة" مع انتشار "كورونا" في سوريا
  2. "باب الهوى" مغلق أمام مرضى الحالات الباردة والمسافرين من وإلى تركيا
  3. 42 منظمة غير حكومية تحذر من عرقلة وصول المساعدات إلى سوريا
  4. "رايتس ووتش": "الفيتو" الروسي سيُغلق شريان الإغاثة الأخير في شمال غربي سوريا

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية