عنب بلدي – زينب مصري
كبديل لتجنيب النازحين، الذين لم يجدوا مأوى سوى الخيم في الشمال الغربي السوري، “مشقات لا تحتمل”، منها فقد العائلات خيمهم بسبب العواصف أو تلف أغراضهم القليلة بسبب الأمطار، ومرض الأطفال بسبب البيئة غير المناسبة، أطلق فريق “ملهم التطوعي”، عبر موقعه الرسمي، مشروع “ألف غرفة”، لبناء ألف وحدة سكنية لإيواء ألف عائلة نازحة في الشمال السوري بحاجة “ماسة” إلى سكن بديل عن الخيم.
أنهى فريق “ملهم التطوي” تنفيذ الجزء الثاني من مشروع “ألف غرفة” أو “الألف وحدة سكنية”، في قرية طورلاها بمنطقة حارم على الحدود السورية- التركية، في 6 من حزيران الماضي، ليصبح عدد الوحدات المعمرة من المشروع 437 وحدة سكنية.
وأتم الفريق في المرحلة الأولى من المشروع بناء 126 وحدة سكنية في قرية باريشا شمالي مدينة إدلب، وفي الثانية 135 وحدة في منطقة باريشا- قورقنيا، وفي المرحلة الثالثة 176 وحدة سكنية في قرية طورلاها- قورقنيا.
يهدف المشروع، بحسب مدير قسم المأوى في فريق “ملهم” ومهندس المشروع، براء بابولي، إلى توفير الخصوصية والحماية والأمان لألف عائلة نازحة في فترة تقارب عشرة أشهر، بسبب فشل الخيام بتوفير تلك الأمور، آخذًا بعين الاعتبار أن النازحين هم الفئة “الأقل حظًا” بالحصول على المأوى بعد خسارتهم لأملاكهم ومنازلهم.
ومن المفترض، بحسب خطة سير العمل، الانتهاء من تجهيز المخيم الجديد في مدينة اعزاز شمالي حلب، وإنهاء بناء 472 كتلة سكنية مع نهاية آب المقبل.
بُنيت الوحدات السكنية وفق مساحتين، الأولى 24 مترًا مربعًا وتحتوي على غرفة ومرافقها، والثانية 32 مترًا مربعًا وتحتوي على غرفتين ومرافقهما، ويُختار المستفيد للسكن في الوحدات اعتمادًا على أفراد العائلة، إذ تستفيد العائلة الصغيرة من المساحة الأولى، بينما تستفيد العائلة الكبيرة من المساحة الثانية.
وتتألف الوحدة السكنية من جدران أسمنتية و”شادر مطري” يغطي السقف، وباب ونوافذ حديدية، ومرحاض وحمام وحوض غسيل من الرخام، وعازل للحرارة والبرودة.
ويستهدف المشروع، الذي أُطلق منتصف شباط الماضي، العوائل التي نزحت مؤخرًا من مناطقها، بعد التصعيد العسكري السوري- الروسي الأخير على المدن والأرياف الجنوبية لمدينة إدلب، وفق معايير مثل عدم وجود كفيل للعائلة، والعائلات ذات الدخل المنخفض، وبعض الحالات المرضية، وكبار السن، والأشخاص المبتوري الأطراف أو ذوي الإعاقة، بحسب ما قاله بابولي لعنب بلدي.
واختير المستفيدون الموجودين في مخيم “قورقنيا- باريشا” من نازحي مدينة كفرنبل جنوبي إدلب، وذلك لتجمعهم في خيام “سيئة جدًا”، ومعاناتهم من ظروف “مأساوية” في أثناء نزوحهم.
كما يتوجه المشروع للنازحين الذين اضطروا للبقاء تحت الأشجار وفي الطرقات أو الأبنية غير المكتملة (على العضم) أو في محطات الوقود.
“عقد منفعة” غير رسمي
عند تسليمه الوحدة السكنية، يُوقّع المستفيد على “عقد منفعة” يحتوي على بعض الشروط الواجب عليه الالتزام بها طوال مدة انتفاعه من الوحدة، منها عدم تغيير الشروط التقنية للوحدة، كإضافة “بلاط مسلح” كي لا يشكل خطرًا إنشائيًا عليها وتنهار، وعدم التعدي على الممتلكات العامة والمرافق المشتركة مع بقية المستفيدين، وعدم إخلاء الوحدة دون إخبار الفريق، وعدم بيعها أو تأجيرها، وعدم تبديلها أو استخدامها لأغراض أخرى، كتخزين المواد الغذائية أو تحويلها إلى محل بقالة.
وتكون العقود بين الفريق والمستفيد فقط، وهي عقود غير موثقة عند أي طرف ثالث، وفقًا لبابولي، وفي حال أخلّ المستفيد بشروط العقد، يعمل الفريق على تنبيهه ومن ثم إنذاره مرتين، وفي حال عدم الالتزام بعد الإنذارات، يضطر الفريق لسحب الكتلة من المستفيد، وذلك “لمصلحة المخيم العامة، ولتجنب المشاكل والحساسيات بين المستفيدين، ولكيلا يكون المستفيد المُخِل بشروط العقد متعديًا على الممتلكات العامة”.
في لقاء مع عنب بلدي، تحدث رئيس “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، عن “عقود المنفعة” وإلزاميتها للأطراف الموقعة عليها، في حال عدم توثيقها عند أي طرف ثالث سواء كان سلطة محلية أو قضاء مستقلًا.
وقال قرنفل، إن هذه العقود من حيث المبدأ ملزمة لأطرافها فيما تضمنته من التزامات متقابلة للمتعاقدين، لكنها تبقى مجرد عقود عادية وليست رسمية، إذ لا توجد جهة رسمية تملك الاعتراف القانوني لتوثق لديها.
لكن هذه العقود، بحسب قرنفل، في حال وقوع خلاف بين الطرفين المتعاقدين ولجوئهم إلى “محاكم الأمر الواقع”، تساعد المحكمة في تبيان طبيعة ومحتوى الالتزامات لفريقيها والحكم في ضوئها.
أما في حال حصول أي متغيرات عسكرية، فستكون تلك العقود عرضة لعدم الاعتراف بها وبآثارها من قبل النظام السوري في حال سيطرته على المنطقة.
لمن تعود ملكية الأراضي
يبني فريق “ملهم” الوحدات السكنية في مناطق الشمال الغربي السوري على أراضٍ تختلف ملكيتها وفق أربعة نماذج، بحسب براء بابولي.
في النموذج الأول “استأجر” بعض من سكان المخيم الأرض على حسابهم الخاص، وبنى الفريق الوحدات السكنية عليها، وفي النموذج الثاني “اشترى” بعض الأهالي أرضًا وتواصلوا مع الفريق لبنائها.
أما في النموذج الثالث، فاستأجر الفريق أرضًا من مالكها بواسطة مذكرة تفاهم طويلة الأمد، مدتها على الأقل 15 سنة، بينما الأرض في النموذج الرابع هي أرض وقف، لا تباع ولا تشترى ولا تؤجّر، وقفها أحد المتبرعين لانتفاع الفريق بمذكرة تفاهم لمدة 20 سنة.
مهندس المشروع الذي التقته عنب بلدي، قال إن الوحدات السكنية على الأراضي في مناطق الشمال السوري تُبنى بحسب السلطة الموجودة فيها، ففي مناطق ريف حلب الشمالي يُنسق الفريق مع المجالس المحلية الموجودة هناك ومع منظمة “آفاد”.
أما في إدلب فيكون التنسيق مع “دائرة التنمية” التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في المحافظة، ويجري إخبارها بالشروط الفنية ومواصفات البناء، وتُؤخذ الموافقات حتى لا يعارض أي شيء سير المشروع.
ماذا عن الخدمات
وفّر فريق “ملهم” لمخيمي “باريشا” و”طورلاها” خدمات الصرف الصحي ودارات تغذية على الجدران، ليتمكن سكان المخيمين من تركيب خزانات مياه، كما يعمل الفريق على توفير آبار في مرحلة ما بعد البناء.
وبحسب مهندس المشروع، فإن الفريق غير قادر في الوقت الحالي على إمداد المخيمات بالكهرباء، لغياب المورد والخدمة.
وأضاف بابولي أن مخيم “اعزاز” سيكون “نموذجيًا”، لأن الأرض التي يُبنى عليها كبيرة، وعدد الكتل السكنية كبير، وجرى العمل على المخيم على مهل، ونُسق بشكل تنظيمي أكبر، حتى لا يكون مخيمًا عشوائيًا، بالإضافة إلى العمل على إمداده بشبكة صرف صحي، والتخلص من المياه المالحة والفضلات بتكلفة تشغيلية من الفريق، وحفر بئر ماء، وتأسيس خزان لتوفير مياه الشرب للمستفيدين.
هل ستؤول إلى مخيمات عشوائية
وُضع الهدف من المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأشخاص النازحين من مناطقهم، مثل النازحين من ريف دمشق ودرعا وريف إدلب، لن يعودوا إليها في الوقت الراهن، بحسب بابولي.
وحاول فريق “ملهم” العمل على حل يوفر الأمان والخصوصية لهؤلاء النازحين، لأن “النازح لا يقل شأنًا عن ابن المنطقة”، وهو إنسان يجب أن يأخذ حقوقه، وأقل الحقوق توفير المأوى، فإذا استطاع النازحون المقيمون حاليًا في هذه الكتل السكنية العودة إلى منازلهم ومناطقهم الأصلية، تعود ملكية المنفعة للفريق، ليُسكن أشخاصًا آخرين فيها بحاجة إلى مأوى، لأن الحاجة كبيرة جدًا.
المحامي غزوان قرنفل قال إنه من الممكن أن تتحول الوحدات السكنية التي تُبنى بدلًا عن الخيام إلى مخيمات عشوائية و”مخالفات” دائمة.
“وهنا تكمن خطورة المشروع”، بحسب تعبيره، “لأنه يسهم في توطين الناس خارج مناطق سكناهم الأصلية”.
واقترح قرنفل أنه “لكي لا يبقى النازحون الضحايا بين حدين: إما مخيمات قماشية وطوفان وبرد وإما توطين يمكن أن يتحول إلى دائم”، أن يكون البديل بيوتًا خشبية، مسبقة الصنع وقابلة للنقل، إذ إنها أكثر دفئًا وملاءمة من البناء، ولا تسهم في “استيطان مستدام”.
بلغ عدد النازحين الذين يقطنون مخيمات في شمال غربي سوريا مليونًا و41 ألفًا و943 نازحًا، 183 ألفًا و811 نازحًا منهم يعيشون في 366 مخيمًا عشوائيًا، بحسب إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا” لشهر تموز الحالي.
ويواجه النازحون ضمن تلك المخيمات مخاطر التلوث، بسبب البيئة غير الصحية، والحرمان من مصادر الدخل، وتوقف الأطفال عن الدراسة، وغياب الرعاية الصحية، والنقص المستمر في الغذاء والماء، بالإضافة إلى انعدام أبسط الخدمات اليومية.