“كارثة وشيكة” تسببها الناقلة اليمنية “صافر”.. تسرّب نفطي محتمل يقلق العالم
تشغل ناقلة النفط اليمنية “صافر”، الراسية في مرفأ “رأس عيسى” المطل على البحر الأحمر، العالم مع إمكانية تسببها بكارثة بيئية “ضخمة”، إثر تسرّب ما فيها أو انفجارها في أي لحظة.
وعقدت الأمم المتحدة اجتماعًا خاصًا لبحث المسألة أمس، الأربعاء 15 من تموز، نبهت فيه إلى ضرورة اتخاذ إجراء للتعامل مع ناقلة متهالكة راسية منذ سنوات قبالة ساحل اليمن، بحسب وكالة “رويترز“.
وحذرت من احتمال تسرّب كمية ضخمة من النفط منها، تزيد أربع مرات على ما تسرب من الناقلة “إكسون فالديز” وتسبب في كارثة بيئية قبالة سواحل ألاسكا عام 1989.
قنبلة موقوتة بدأ وقتها ينفد
نظرًا إلى قدم عمر “صافر”، وكون تصميمها من جوف واحد (كل حاملات النفط الحديثة ذات جوفين، إذ إن هناك فراغًا بين جدار السفينة وجدار الخزانات داخل السفينة، يمنع تسرب النفط إذا ارتطمت السفينة بشيء ما)، ونتيجة وجودها في المياه المالحة منذ خمس سنوات من دون أي صيانة، فإنّ حديدها يتآكل بسرعة، ما قد يسبّب انسيابًا نفطيًا كبيرًا له نتائجه البيئية والصحية الوخيمة في المنطقة.
أما الانفجار، فإنه يمكن أن يحصل بسبب أكسدة بعض المواد المتطايرة من النفط، والنفط ذاته غير نشيط كيماويًا، ولكن تطاير بعض المواد من السطح وتأكسدها يولّد حرارة ومواد سريعة الاشتعال.
وهذا يعني أن أي احتكاك معدني بسبب الرياح أو حركة الأمواج، أو ارتطام أي جسم به، أو رصاصة طائشة، أو حتى البرق، يمكن أن تسبّب الانفجار والحريق.
وقال منسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، أمس الأربعاء 15 من تموز، إنه في 27 من أيار الماضي بدأت المياه تتسرب إلى غرفة المحركات بالناقلة، ما ينذر باحتمال حدوث تلف ضخم.
ورغم تمكّن غواصين من شركة “صافر” من إيقاف التسرب، حذر لوكوك من أنه ”من المستحيل تحديد الفترة الزمنية التي يمكن أن تصمد فيها الناقلة”.
وأكد لوكوك أن “صافر” تحمل مليونًا و100 ألف برميل من النفط، وهذا يزيد أربع مرات تقريبًا على كمية النفط التي تسربت في كارثة “إكسون فالديز”، التي لا يزال العالم يتحدث عنها بعد حوالي 30 عامًا.
وعبّر مجلس الأمن عن “الانزعاج البالغ إزاء الخطر المتنامي المتمثل في احتمال تصدع ناقلة النفط (صافر) أو انفجارها، ما سيترتب عليه كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجيرانه”.
وذكرت “رويترز” نقلًا عن خبراء أمميين قولهم، إن ”استخراج النفط هو على الأرجح السبيل الوحيد لإزالة خطر حدوث تسرّب من الناقلة التي يبلغ عمرها 44 عامًا، وللأبد”.
كوارث بيئية اقتصادية وخطر على حياة الملايين
يعني تسرّب النفط أو انفجار “صافر” وجود كارثة ستلحق بالبحر الأحمر وكائناته، وكارثة عالمية واقتصادية لأنه قد يؤدي إلى تباطؤ حركة السفن، كون المكان قريبًا من “باب المندب”، وكارثة إنسانية إذا أثر في محطات التحلية في المنطقة.
ودخلت المياه مؤخرًا إلى غرفة محرك الناقلة، ما زاد من مخاطر غرقها أو انفجارها، وأُجريت لها عملية إصلاح مؤقتة، إلا أن الأمم المتحدة قالت إنه كان من الممكن أن ينتهي الأمر بكارثة.
وإلى جانب تأثيرها المدمّر على الحياة البحرية، فإن انتشار بقعة زيت في المنطقة من شأنه أن يدمّر مصدر رزق لكثيرين ممن تعتمد أعمالهم على صيد الأسماك.
وتعتقد جمعية “حلم أخضر” البيئية اليمنية التي نشرت، في 13 من تموز الحالي، تقريرها حول مخاطر “صافر” المحتملة، أن أكثر من 126 ألفًا ممن يعملون في قطاع صيد الأسماك من الممكن أن يخسروا وظائفهم.
وقد تعرض 850 ألف طن من المخزون السمكي الموجود في المياه اليمنية للتلف داخل البحر الأحمر، ومضيق “باب المندب” وخليج “عدن”.
وكانت الجمعية حذرت، في حزيران الماضي، من أن “اليمن سيكون بحاجة إلى فترة طويلة للتعامل مع تبعات التلوث البحري”.
وأضافت أن “البيئة في البحر الأحمر ستكون بحاجة إلى أكثر من 30 عامًا للتعافي من التداعيات الوخيمة المترتبة على تسرّب النفط” في المنطقة.
كما أن من شأن تسرّب النفط في هذه المنطقة أن يعوق واحدًا من أنشط الممرات الملاحية لسفن الشحن في العالم، ويؤثر على إيصال الإمدادات والمساعدات إلى ميناء “الحديدة” الذي يعتبر شريان الحياة الرئيس لما يقارب ثلثي سكان اليمن.
واعتبر لوكوك أن الخطر الذي تمثله “صافر” ليس مجرد خطر بيئي، رغم أنه سيكون مروعًا، لكنها تمثل أيضًا خطرًا مباشرًا وقويًا على سلامة وربما على حياة ملايين اليمنيين، بحسب تعبيره.
المسيطر والمنقذ.. خلافات بين “الحوثيين” والأمم المتحدة
تتهم الأمم المتحدة الحوثيين الذين سيطروا على الميناء الذي ترسو فيه “صافر” عام 2015، بعدم السماح لها بالقيام بأعمال الصيانة فيها، متهمين إياها باستخدام ذلك ذريعة للتجسس على مواقعهم العسكرية.
وفي 12 من تموز الحالي، قال المسؤولون في “جماعة الحوثي”، بحسب “رويترز“، إنهم سيوافقون على السماح لمهمة تابعة للأمم المتحدة بإجراء تقييم فني، والقيام بالإصلاحات المبدئية التي يمكن إجراؤها.
لكن لوكوك قال إن هناك تأكيدات مماثلة في آب 2019، وحينها ألغى “الحوثيون” المهمة قبل يوم واحد من موعد المغادرة.
ويمكن لفريق الأمم المتحدة أن ينتشر بالموقع في غضون ثلاثة أسابيع من الحصول على كل التصاريح اللازمة، كما ناشد مجلس الأمن “الحوثيين” تسهيل وصول الأمم المتحدة غير المشروط إلى الناقلة بأسرع ما يمكن، وفق “رويترز”.
وقال لوكوك، إن كلًا من حكومة اليمن و”جماعة الحوثي” طلبتا مساعدة الأمم المتحدة في أمر الناقلة في آذار 2018، غير أن هجومًا دعمه “التحالف العربي” بقيادة السعودية في المنطقة خلال معظم ذلك العام جعل التوجه للموقع محفوفًا بالمخاطر، كما أنه بينما وافق “الحوثيون” من قبل على الزيارة، فقد فرضوا شروطًا مسبقة وربطوها بأمور أخرى.
أزمة سياسية
قال اللواء والخبير الاستراتيجي اليمني عبد الله الجفري، في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 من حزيران الماضي، إن ما يحصل أزمة سياسية في المقام الأول.
واتهم الجفري السعودية و”التحالف” بالتحجج عبر وسائل الإعلام بأن “الحوثيين” هم من يعرقلون عملية الحل، معتبرًا أن هدفهم تلميع صورتهم أمام المجتمع الدولي.
بدورها، ذكرت صحيفة “إندبندنت” بتقرير لها، في 14 من تموز الحالي، أن على “الحوثيين” إدراك أن الموضوع لم يعد تصفية حسابات سياسية واستخدام “صافر” كورقة ضغط، وليس بـ40 مليون دولار، قيمة النفط الموجود في “صافر”، وإنما القضية أكبر من ذلك، لأن انفجار الناقلة سيرتبط باسم “اليمن” للأبد، كما أن شركات النفط العالمية وغيرها ستتحاشى الاستثمار في اليمن بضغط من المستثمرين.
وبالتالي، بغض النظر عمن يحكم اليمن في العقود المقبلة، سيخسر البلد مليارات الدولارات بسبب فقد استثمارات أجنبية وعوائد نفطية.
وحسب هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) اليوم، الخميس 16 من تموز، فإن الأمم المتحدة تناقش بيع النفط المسترد، الذي تقدر قيمته بـ40 مليون دولار، وتقسيم عائداته بين “الحوثيين” والحكومة اليمنية التي يدعمها تحالف دول عربية بقيادة السعودية. إلا أن “الحوثيين” يصرون على أنه يجب أن يسمح لهم ببيع النفط.
وطالب عدد من سفراء الدول في اليمن، كالسفير البريطاني، مايكل آرون، “الحوثيين” بالسماح للأمم المتحدة بمعالجة وضع السفينة قبل فوات الأوان، وحذر آرون من انفجارها الذي سيؤدي إلى دمار البحر الأحمر.
وطالبت وزارة الخارجية الأمريكية، في 9 من أيار الماضي، “الحوثيين” بالتعاون مع المبعوث الدولي إلى اليمن، والسماح للأمم المتحدة بصيانة الناقلة، محملة إياهم التكاليف الإنسانية والكارثة البيئية، التي ستنجم عنها.
ما هي “صافر”؟
“صافر” خزان نفطي عائم شبه ثابت في المياه اليمنية العميقة بالقرب من ميناء “الحديدة”، ومحطة تصدير للنفط، بحسب صحيفة “إندبندنت“.
بدأت كناقلة نفط عملاقة، بعد الانتهاء من تصنيعها في اليابان عام 1976 من قبل شركة “هيتاشي زوسين” تحت اسم “إسو اليابان”.
بيعت لليمن عام 1986، وأُرسلت إلى كوريا الجنوبية لتحويلها إلى خزان عائم، بهدف تصدير النفط الآتي من مأرب اليمنية.
وكان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، أعلن في نهاية 1984 اكتشاف حقلي نفط في منطقة مأرب، وأنه سيبدأ التصدير خلال عامين.
وكانت شركة “هنت أويل” الأمريكية، التي تتخذ من دالاس الأمريكية مقرًا لها، هي التي اكتشفت النفط في المنطقة، حيث أعلنت الاكتشاف الأول في صيف 1984.
وسبب الحاجة إلى “صافر” يعود إلى ضحالة الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر، التي لا يمكن لناقلات النفط المجيء إليها، فكان الحل ببناء منصة عائمة من باخرة ضخمة وتركيزها وسط البحر في المياه العميقة، ووصلها بالميناء بأنبوب نفط.
أما النفط، فيأتي عبر أنبوب مأرب- رأس عيسى، الذي يجلب النفط إلى المنطقة.
ويعود سبب تسميتها “صافر” لاسم الشركة المالكة (شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج)، وهي مملوكة من شركة النفط والغاز اليمنية الحكومية.
و”صافر” هي أكبر شركة منتجة للغاز في اليمن تاريخيًا، وثاني أكبر شركة منتجة للنفط.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :