المنطقة الآمنة شمالًا.. حقيقة أم خيال

  • 2015/08/02
  • 8:26 م

المنطقة_الآمنة_حقيقة_أم_خيال

محمد رشدي شربجي

بعد تفجير سروج التركية وما تبعه من إعلان تركيا شن الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” داخل سوريا، وانتهاء الهدنة المعلنة منذ آذار 2013 بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، نشرت تقارير محلية ودولية أنباء عن تفاهم تركي-أمريكي على إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا (بحكم الأمر الواقع) مقابل فتح تركيا لقاعدة انجرليك الجوية أمام طائرات التحالف الدولي، الذي يشن هجمات ضد مواقع التنظيم.

كان الرفض الأمريكي لفكرة المنطقة العازلة هو السبب الذي جعل تركيا ترفض التوقيع على بيان جدة في أيلول 2014، حيث ترى أنقرة أن السبب الأساسي لظهور تنظيم الدولة هو بشار الأسد وإجرامه، وأي حرب على تنظيم الدولة لا تشمل الأسد ستكون معالجة لأعراض المرض دون التوجه إلى لب المشكلة.

ولكن التطورات الكبيرة التي حدثت منذ ذلك الحين أجبرت تركيا على الخروج عن حيادها، ففي غمرة انتصارات جيش الفتح في إدلب شن تنظيم الدولة نهاية أيار 2015 هجومًا خاطفًا على الثوار في ريف حلب الشمالي، وبات قريبًا جدًا من السيطرة على مدينة أعزاز وباب السلامة الحدودي. وبعدها بأسبوعين تقريبًا سيطر الأكراد على مدينة تل أبيض الحدودية واصلين بذلك «كانتون» الجزيرة بـ «كانتون» كوباني.

تنظر تركيا بقلق بالغ لهذه التطورات لاسيما التطور المرتبط بالأكراد، وقد ناقشها تحليل صدر مؤخرًا للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فمن جهة تهدد سيطرة التنظيم على معبر باب السلامة سقوط مناطق المعارضة في مدينة حلب بيد “الدولة” أو نظام الأسد، كما تعطي من جهة أخرى الذريعة للأكراد (من خلال الشرعية الدولية التي اكتسبوها في مواجهة التنظيم) للتوجه غربًا هذه المرة من كوباني ووصلها بعفرين وتشكيل كيان كردي شبه مستقل بحكم الواقع.

في دراسة قدمها مركز «EDAM» التركي بعنوان «تدخل تركي في سوريا» يوجز الباحث «كان كسب أوغلو» المنطق التركي بأربع نقاط هي، أولًا: صد داعش وإزالة خطره قرب الحدود التركية، وإسكات الاتهامات الموجهة لتركيا برعاية التنظيم، ثانيًا: الوقوف بوجه المشروع الكردي في سوريا، ثالثًا: إرسال اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، وأخيرًا استخدام المنطقة كقاعدة لوجستية للثوار السوريين لشن هجمات ضد مواقع الأسد المتبقية في حلب.

ويضيف الباحث عمر تاشبينار في تحليل قدمه لمركز بروكينجز سببًا محليًا آخر، وهو فقدان حزب العدالة والتنمية التركي لأغلبيته المطلقة في البرلمان في الانتخابات البرلمانية، ما يعني التدخل بطريقة أو بأخرى هربًا من استحقاق داخلي.

ولكن بغض النظر عن الشعارات والخطابات، فإن إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا يبقى محفوفًا بالمخاطر، وتكتنفه عقبات تقنية وقانونية تجعله مستبعدًا جدًا وغير قابل للتحقيق.

يبيّن بحث (EDAM) المذكور آنفًا بعضًا من هذه المشكلات، فبداية ستجد تركيا صعوبة كبيرة في تبرير عملية عسكرية بناء على القانون الدولي، وثانيًا فإن تركيا لا تستطيع الاعتماد على البند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الظروف الحالية، وأقصى ما يمكن الحصول عليه هو البند الرابع الذي سيعني أن الناتو سيقدم دعمًا سياسيًا ولوجستيًا لا أكثر.

ويضاف أيضًا أنه بالرغم من التفوق العسكري التركي جويًا فإنها لن تستطيع أن تفرض منطقة بهذه المساحة بدون تدخل قوات برية، وصحيح أن القوات التركية هي الأعلى تدريبًا وخبرة على هكذا أنواع من المعارك (بحجم تجربتها مع حزب العمال الكردستاني لعقود) إلا أن القدرات الجديدة للأسلحة المحمولة على الكتف الموجودة في سوريا وسهولة نقلها سيجعل من المرجح سقوط خسائر كبيرة في صفوف الأتراك خاصة أن هذا التدخل سيكون في منطقة معادية نسبيًا.

وهناك عامل انتقام النظام السوري الذي لا يمكن إغفاله وفقًا لذات البحث، فبالرغم من تراجع قدرات الأسد بشكل كبير، تبقى لديه منظومة صواريخ باليستية (سكود B,C,D ) حيث يصل مدى الأخير إلى 700 كلم، كما يبقى التزام الأسد التام بتسليم كامل سلاحه النووي مشكوكًا به ويجب وضع ذلك دائمًا بالحسبان.

ويضيف الباحث في مركز كارنيغي للأسباب السابقة أن تركيا طلبت من حلف الناتو نشر بطاريات «باتريوت» للدفاع الجوي على حدودها مع سوريا في كانون الثاني 2013، وهو ما قيد فعليًا قدرة القوات التركية العمل عبر الحدود، لأن القيام بذلك تحت غطاء الناتو المخصص لأغراض دفاعية بحتة من شأنه أن يورط الحلف ويثير رد فعل روسيًا قويًا، كما أن الاحتمال القوي لاستفادة القاعدة (جبهة النصرة) من هذه المنطقة سيحدث معارضة أمريكية للفكرة.

بكل تأكيد فإن تدخل تركيا يصب في مصلحة الثورة السورية وتسريع إنهاء المأساة، ولكن من مجمل الأسباب السابقة نجد احتمال إقامة منطقة عازلة، أو منطقة آمنة من أي نوع كان، هي فكرة غير واقعية وفقًا للظروف الحالية، والمرجح حدوثه هو انتقال تركيا من الدفاع «السلبي» إلى الدفاع النشط، بحسب ما صرح أحد المسؤولين الأتراك.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي