سرت.. مساعٍ للسيطرة على قلب ليبيا النابض

  • 2020/07/15
  • 7:06 م
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وخريطة ليبيا- (تعديل عنب بلدي)

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وخريطة ليبيا- (تعديل عنب بلدي)

احتلت مدينة سرت، الوقعة جنوبي خليج “سرت” بين طرابلس وبنغازي، المشهد الليبي بتصارع القوى المعنية في الحرب هناك للأهمية الاستراتيجة التي تمتلكها لكل منها.

انسحاب قوات “فاغنر” من سرت

نقلت وسائل إعلامية وناشطون ليبيون أخبارًا تفيد بانسحاب قوات شركة “فاغنر” الروسية من مدينة سرت باتجاه قاعدة “الجفرة” الجوية التي تحتوي على طائرات روسية.

ونقلت قناة “الجزيرة” القطرية اليوم، الأربعاء 15 من تموز، عن مصدر ليبي حكومي لم تسمه، أن المرتزقة الروس انسحبوا باتجاه موانئ الهلال النفطي التي تقع شرقًا، وتخضع لسيطرة قوات حفتر، ليعيدوا انتشارهم في محيط قاعدة “الجفرة” الجوية وسط ليبيا، حسب المصدر الحكومي الليبي، التي نشرت فيها روسيا طائرات حربية دعمًا لحفتر، وفق ما كشفته مؤخرًا قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم).

وقال الناشط السياسي الليبي عماد فتحي، في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” أمس، الثلاثاء 14 من تموز، إن قوات “فاغنر بدأت بإخلاء مواقعها في منطقة جارف جنوب سرت، وكذلك في هون وسوكنة غربي قاعدة الجفرة”.

ووفقًا لعماد، فإن “فاغنر” فككت ثلاثة رادارات في جارف قبل سحبها إلى وسط سرت في رتل مكوّن من تسع شاحنات.

بعد قرار طبرق.. وصول قوات مصرية داعمة

انسحاب قوات “فاغنر” فتح التكهنات على اقتراب قوات حكومة “الوفاق” المعترف بها دوليًا، تحت قيادة رئيس الوزراء، فايز السراج، المدعومة تركيًا، من شن حملة عسكرية على سرت التي تعتبر الخط الأحمر الذي حدده الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي يدعم قوات “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، للسيطرة عليها.

ونقلت صفحة عملية “بركان الغضب” التابعة لقوات حكومة “الوفاق” عبر “فيس بوك” اليوم، الأربعاء 15 من تموز، صورًا قالت إنها اُلتقطت أمس في طبرق، وتظهر وصول إمدادات عسكرية قادمة من مصر.

وذكرت الصفحة أنه في 8 من حزيران الماضي، أظهرت صور أخرى نشرها المركز الإعلامي وصول سفينة مصرية إلى ميناء “طبرق”، على متنها 40 حاوية تحمل إمدادات عسكرية وكميات من الذخائر لقوات حفتر.


بدوره، حذر الناطق باسم قوات حكومة “الوفاق”، محمد قنونو، الرئيس المصري من مواجهة بلاده نفس الفوضى التي قال إنه يزرعها في ليبيا.

وتساءل قنونو عبر حسابه الشخصي في “تويتر“، “ألا يخشى السيسي عودة السلاح الذي يوزعه في ليبيا عبر الحدود، أو مواجهة نفس الفوضى التي يزرعها في ليبيا على أعتاب قصر الاتحادية في القاهرة”.

وكان السيسي قال، في 20 من حزيران الماضي، إن تدخل بلاده عسكريًا في ليبيا بات يحظى بـ”شرعية دولية“، ودعا قواته إلى الاستعداد للقيام بمهام محتملة في الخارج، كما دعا إلى تسليح القبائل الليبية.

في حين اعتبر النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير جاباروف، أن تدخل الجيش المصري بالنزاع الليبي يمكن أن يساعد في استعادة الدولة الليبية، بحسب ما نقلته وكالة “RT” الروسية أمس.

وتبنى مجلس النواب شرقي ليبيا، المنعقد في طبرق أمس والداعم لحفتر، قرارًا يجيز للقوات المصرية التدخل في ليبيا متى ما رأت ذلك ضروريًا، حماية لأمن مصر أو ليبيا.

لكن حكومة “الوفاق” استنكرت قرار برلمان طبرق، وتعهدت باستعادة كامل الأراضي الليبية، وإنتاج النفط، والضرب على الأيادي التي تعبث بقوت الشعب.

رؤساء الدول الداعمة يجرون مباحثاتهم.. الاستقرار هدفهم

أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يقدم كامل دعمه لحكومة “الوفاق” بقيادة السراج، مباحثات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الداعم الرئيس لقوات حفتر، كما تواصل مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن القضية الليبية.

وبحسب بيان “دائرة الاتصال في الرئاسة التركية”، أمس، فإن أردوغان بحث مع ترامب عددًا من القضايا الإقليمية أبرزها الملف الليبي، عبر اتصال هاتفي بينهما.

واتفقا على العمل بشكل وثيق كحلفاء لتحقيق استقرار دائم في ليبيا.

كذلك بحث أردوغان باتصال هاتفي أيضًا مع بوتين، في 13 من تموز الحالي، آخر المستجدات الحاصلة في ليبيا وسوريا، مؤكدين على اتفاقهما لمواصلة التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

الأهمية الاستراتيجية لسرت

تحظى معركة السيطرة على مدينة سرت وسط ليبيا باهتمام كبير داخل البلاد وخارجها، كونها نقلة حقيقية في الحرب الليبية.

ودخول قوات “الوفاق” إليها، يعني نقل المعركة من الغرب إلى داخل قواعد الجيش الوطني شرقًا، وهذا إن حدث سيغير من سير المعارك، ويدفع قوات جديدة للتدخل على رأسها مصر.

وتعد مدينة سرت واحدة من أهم المناطق في خريطة الحرب الليبية، لامتلاكها ميزات جيو استراتيجية، وتاريخية، واقتصادية عدة.

فهي تقع في منتصف المسافة تمامًا، بين مدينة بنغازي والعاصمة الليبية طرابلس، حيث تبعد عن كلتيهما مسافة 500 كيلومتر، وهي حلقة الوصل بين شرقي ليبيا، وغربها، وجنوبها.

وسرت هي مسقط رأس الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، الذي وُلد وقُتل فيها بتاريخ 20 من تشرين الأول عام 2011،  بعد ثورة شعبية أطاحت بحكمه.

وعمل القذافي لسنوات على تهيئتها لتكون عاصمة للبلاد، وضخ فيها لتحقيق هذا الحلم مليارات الدولارات لتحسين بنيتها التحتية، وإنشاء مقرات حيوية.

كما أن سرت هي المدينة التي أُعلن فيها تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 1999.

وتحوي أرض سرت في باطنها أكبر مخزون غاز مكتشف في ليبيا، في حوض جوفي يحمل اسمها (حوض سرت)، الذي يعد واحدًا من أهم أسباب التنافس بين إيطاليا وفرنسا في الملف الليبي.

وتخوض الشركتان العملاقتان “إيني” و”توتال” صراعًا منذ سنوات، للفوز في الامتيازات المستقبلية للتنقيب والاستثمار فيه.

ويحوي حوض “سرت” أيضًا مخزونًا لا بأس به من النفط، بحسب المعلومات الواردة عن المؤسسة الليبية للنفط.

وتمتلك سرت ميناء يعد بين الأكبر في ليبيا، يطل على خليج طبيعي واسع، ومطارًا دوليًا.

وفيها قاعدة جوية عسكرية كبيرة، تكمن أهميتها بموقع المدينة في قلب البلاد تمامًا، ما يجعل القاعدة نقطة انطلاق مناسبة للطائرات في أي اتجاه أرادت المضي إليه في ليبيا.

وسرت هي خط الدفاع الأخير عن “الهلال النفطي الليبي”، الذي يحوي أهم أربعة موانئ نفطية في البلاد، التي تصدّر 80% من النفط الخام الليبي، وهذه الموانئ هي “رأس لانوف”، و”البريقة”، و”السدرة”، و”الزويتينة”.

ولا يفصل هذه الموانئ عن مدينة سرت سوى 150 كيلومترًا باتجاه الشرق، ما يفسر الاستماتة في الدفاع عنها، والهجوم عليها في المعركة الحالية من الطرفين، فسقوطها يفتح أبواب المنطقة التي تمثل عماد الاقتصاد الليبي، وشريانه الرئيس .

تكمن أهمية المنطقة الممتدة من سرت إلى “الهلال النفطي” بالصراع الحالي في احتوائها على الجزء الأكبر من الثروة النفطية الليبية، ما عبّر عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تصريحات تلفزيونية.

وقال أردوغان، في 8 من حزيران الماضي، إن “مدينة سرت ومحيطها مهمة لوجود آبار النفط، وبعد ذلك ستكون العمليات أكثر سهولة، لكن وجود آبار النفط والغاز يجعل هذه العمليات حساسة”.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي