“الحكي عليه جمرك”.. تراجع حرية التعبير في لبنان يستدعي تحالفًا لحمايتها
“تقاعس سياسيو لبنان عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأهدرت ممارساتهم الفاسدة مليارات الدولارات من الأموال العامة، وبدلًا من العمل بمسؤولية تجاه مطالب المتظاهرين والتوجه إلى المساءلة والمحاسبة، تشن السلطات حملة قمع على الناس الذين يفضحون الفساد وينتقدون على وجه حق الإخفاقات الملحوظة للسلطة”.
هذا ما قاله “تحالف الدفاع عن حرية التعبير في لبنان” المؤسس أمس، الاثنين 13 من تموز، في بيان إعلان تشكيله من قبل 14 منظمة محلية ودولية داخل لبنان.
والتراجع في حالة حرية التعبير والرأي في لبنان بفعل تصاعد الاعتقالات في أثناء المظاهرات التي اندلعت وعمت البلاد، في 17 من تشرين الأول عام 2019، استدعى أعضاء التحالف إلى ضمان وجود الديمقراطية وعدم تدهورها أكثر من خلال تحالفهم.
لذا طالب التحالف النيابات العامة والأجهزة الأمنية اللبنانية بوقف الاستدعاءات إلى التحقيق على خلفية ممارسة حرية التعبير وكشف الفساد، وعدم تجاوز صلاحياتها عبر إلزام المستمع إليهم بإزالة منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو توقيع تعهدات غير قانونية قبل حصولهم على محاكمة عادلة.
“زيادة مقلقة” بمحاربة حرية التعبير
وثّق أعضاء التحالف “زيادة مقلقة“، بحسب تعبير منظمة العفو الدولية، في الهجمات على التعبير السلمي منذ احتجاجات عام 2015، وخلال مظاهرات عام 2019، إذ اُعتقل أكثر من 60 شخصًا أو اُستدعوا للاستجواب على خلفية نشر مواقفهم المنتقدة لفساد الحكومة المالي.
وفي معظم حالات الاعتقال أو الاستجواب التي وثقها أعضاء التحالف، تصرفت النيابة والأجهزة الأمنية بشكل “غير لائق”، وأحيانًا بشكل غير قانوني، لترهيب وإسكات الأشخاص المتهمين.
ووصف الأشخاص الذين قابلهم عناصر التحالف مجموعة من أساليب الاستجواب الجسدية والنفسية، التي يعتقدون أنها تهدف إلى إذلالهم ومعاقبتهم وردعهم عن نشر محتوى ينتقد أشخاصًا أو أحزابًا يمتلكون نفوذًا في لبنان.
و”بدلًا من الاستجابة لنداءات المحتجين بالمساءلة، تشن السلطات حملة قمع ضد الأشخاص الذين يكشفون الفساد وينتقدون بحق إخفاقات الحكومة الكبيرة”، بحسب بيان التحالف.
الناشط بشير ابو زيد مطلق شعار " ضفوا بيوت الزعما وضوا بيوت الناس " تعرض لاعتداء جسدي من قبل انصار حزبية على خلفية ما كتبه على مواقع التواصل دون ان تنجح الاجهزة الأمنية والقضائية بمحاسبة الفاعلين لانهم يتمتعون بغطاء حزبي .. @NakabaBadila @SMEX @hrw_ar @SK_Eyes @Maharat_Lebanon pic.twitter.com/F5p4vrcDV2
— Larissa Aoun (@LarissaAounSky) July 13, 2020
كما يضغط وكلاء النيابة العامة ووكالات الاستجواب على المتهمين للتوقيع على تعهدات بعدم كتابة محتوى تشهيري حول المشتكي في المستقبل، أو إزالة المحتوى المسيء على الفور، قبل مثول المتهمين أمام المحكمة لتقديم دفاعهم، وفي بعض الحالات دون توجيه اتهامات ضدهم.
ويتفق المحامون اللبنانيون، بحسب “العفو الدولية”، على أن هذه التعهدات ليس لها أي أثر قانوني، لأنها تنتهك الحقوق والحريات الأساسية.
ورغم أن لبنان يعتبر من البلدان “الأكثر حرية” بالنسبة لبقية بلدان المنطقة، تلجأ الشخصيات الدينية والسياسية ذات النفوذ بشكل متزايد، بحسب منظمة “هيومن رايتش ووتش“، إلى استخدام القوانين التي تُجرم القدح والذم، كأداة للانتقام من منتقديها وقمعهم.
إذ يتم استهداف الأشخاص “بشكل خاص” الذين يوجهون اتهامات بالفساد وينتقدون الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في البلاد، وكانت النتيجة هي “آلاف التحقيقات” التي قامت بها السلطات اللبنانية بسبب التعبير السلمي منذ 2015 إلى اليوم، وفق “هيومن رايتش ووتش”.
“حرية جزئية”
وفق مؤشر الحريات العامة في العالم الخاص بمنظمة “Freedom House“، يمتلك لبنان “حرية جزئية” على مستوى الممارسات الفعلية لحرية التعبير والرأي.
إذ اعتبرت المنظمة أن البنية التحتية للاتصالات في لبنان ضعيفة، وخدمات الاتصالات مكلفة، ما يشكل صعوبة بالوصول إلى الإنترنت للتعبير من خلاله.
وبدءًا من أيلول 2018، فُرض على الأفراد تسجيل رقم الهوية الدولية لأجهزتهم المتنقلة، بينما في تشرين الأول من العام نفسه، وافق البرلمان اللبناني على سن قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات الشخصية الذي كان، بحسب منظمة “Freedom House”، مليئًا بالثغرات، وفشل في حماية المستخدمين بشكل كافٍ.
ولا يزال الإنترنت بطيئًا ومكلفًا نسبيًا، بحسب تقرير المنظمة الخاص بوضع الحريات في لبنان، حيث يبلغ متوسط سرعة التنزيل 6.75 ميجابت في الثانية على النطاق العريض الثابت، على الرغم من أن متوسط سرعة الهاتف المحمول هو 40.07 ميجابت في الثانية.
ويعتبر لبنان رابع أغلى دولة بالنسبة لخدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وفقًا لتقرير 2019 لموقع “MGM“، بالإضافة إلى احتكار السلطة اللبنانية توفير خدمة الإنترنت، وفرض رقابة مشددة على مزودي خدمات الإنترنت.
“الحكي عليه جمرك”
قال التحالف في بيانه، “شكلت قوانين تجريم القدح والذم في لبنان تأثيرًا مثبطًا غير مقبول على حرية التعبير. كان للجوء المتزايد إلى هذه القوانين والتحيز الواضح من السلطات التي تتولى هذه القضايا دور أساسي في إنشاء بيئة معادية لحرية التعبير، ومنع الناس من التعبير عن آرائهم بحرية”.
ويضمن الدستور اللبناني حرية التعبير “ضمن القيود التي يحددها القانون”، ومن ناحية أخرى، يجرّم قانون العقوبات اللبناني القدح والذم ضد المسؤولين العامين، ويسمح بسجنهم حتى عام واحد في مثل هذه القضايا، ويسمح قانون العقوبات بالسجن حتى عامين لإهانة الرئيس، وحتى ثلاثة أعوام لإهانة شعائر دينية.
كما يجرّم قانون القضاء العسكري إهانة العلَم أو الجيش اللبناني، وتصل العقوبة حتى ثلاث سنوات في السجن، وترى “هيومن رايتش ووتش” أن ذلك يعتبر تناقضًا في التشريعات التي تسمح بالسجن بسبب انتقاد سلمي للأفراد أو المسؤولين الحكوميين، ولا تتماشى مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير.
ويناقش البرلمان اللبناني حاليًا مشروع قانون جديد للإعلام، بهدف تعديل أحكام القدح والذم لتشمل المحتوى المنشور، وهو ما يتخوف منه التحالف حول ما إذا أُخذت بعين الاعتبار المشاورات مع المجتمع المدني حول مشروع القانون.
كما يبدي التحالف قلقه بشأن أحكام في مشروع القانون تقيّد حرية التعبير بشكل خطير، ويعتقد أن مشروع القانون، إذا أُقر، سيؤدي إلى تراجع أكبر في حماية حرية التعبير في لبنان.
ويرى تقرير صدر عن “هيومن رايتش ووتش” عام 2019 حمل عنوان ”الحكي عليه جمرك“، أن السلطات اللبنانية زاد اعتمادها على قوانين القدح والذم والتحقير لإسكات الصحفيين، والناشطين، وآخرين ممن ينتقدون سياسات الحكومة والفساد.
وبعد احتجاجات 2015، شهد لبنان زيادة مقلقة في الهجمات على التعبير السلمي، وفق التقرير، إذ فتح مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية 3599 تحقيقًا في ادعاءات تشهير بين كانون الثاني 2015 وأيار 2019.
وتشير الأرقام التي زود بها المكتب “هيومن رايتس ووتش” إلى ارتفاع بنسبة 325% في عدد قضايا التشهير المتعلقة بالتعبير عبر الإنترنت بين 2015 و2018، وتتوافق هذه الزيادة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وخيبة الأمل الشعبية بسبب الفساد وسوء إدارة المال العام.
وأدانت المحاكم الجنائية ثلاثة أشخاص على الأقل، وحكمت عليهم بالسجن بتهم التشهير في هذه الفترة، أحدهم حصل على تسعة أحكام بالسجن تتراوح بين شهرين وستة أشهر في قضايا جزائية مختلفة رفعها ضده سياسي واحد.
وأصدرت محكمة المطبوعات على الأقل حكمًا واحدًا بالحبس خلال الفترة نفسها، وأصدرت المحكمة العسكرية ثلاثة أحكام، منها اثنان نُقضا في الاستئناف، وتعتبر معظم هذه الأحكام صادرة غيابيًا.
وطالب التحالف مجلس النواب بإلغاء السرية عن مناقشات القوانين في اللجان النيابية، ومن ضمنها مناقشة مشروع قانون الإعلام، وطالب مجلس النواب بتعديل مشروع قانون الإعلام لملاءمته مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك:
- إلغاء تجريم القدح والذم والإهانات، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتب عليها أي عقوبات سجن.
- عدم منح الشخصيات العامة، بمن فيهم الرئيس، حماية خاصة من القدح والذم أو الإهانة. لا يكفي مجرد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامة لتبرير فرض العقوبات، وجميع الشخصيات العامة عرضة للانتقاد والمعارضة السياسية بشكل شرعي، ويجب أن يعترف القانون بصراحة بالمصلحة العامة في انتقاد الشخصيات والسلطات العامة.
- منع المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، من رفع دعاوى قدح وذم.
- النص على أن الحقيقة ستكون الدفاع الفاصل في قضايا القدح والذم، بغض النظر عن الشخص المستهدف، وفي قضايا المصلحة العامة، يكفي أن يكون المدعى عليه قد تصرف بالعناية الواجبة لإثبات الحقيقة.
- إلغاء تجريم التجديف والقدح والذم أو الإهانات ضد الدين.
- حصر التجريم فقط بالتصريحات التي ترقى إلى التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني، ويجب أن يحدد القانون بوضوح معنى كل من هذه المصطلحات، بالاستعانة بـ”خطة عمل الرباط” كدليل توجيهي.
- إلغاء جميع متطلبات ترخيص الصحفيين، والحصول على الإذن المسبق للمنشورات، ويجب ألا تكون الرسوم والشروط لتخصيص الترددات لوسائل البث شاقة ومكلفة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة، وموضوعية، وواضحة، وشفافة، وغير تمييزية.
- إخراج المدنيين وجميع القاصرين من صلاحية القضاء العسكري.
وختم التحالف بيانه قائلًا، “في هذه المرحلة الحرجة للبلاد، يحتاج لبنان إلى قوانين تحمي الأشخاص الذين يفضحون الفساد وسوء السلوك بدلًا من معاقبتهم. يتعيّن على البرلمان فورًا أن يجعل قانون الإعلام متماشيًا مع القانون الدولي، وأن يمنح الأولوية لإلغاء تجريم القدح والذم والإهانات”.
أعضاء التحالف
- منظمة “ألف- تحرك من أجل حقوق الإنسان“
- “تجمع نقابة الصحافة البديلة“
- “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات“
- منظمة “حلم” الحقوقية اللبنانية
- منظمة “سمكس” اللبنانية
- “المركز اللبناني لحقوق الإنسان“
- “المفكرة القانونية“
- منظمة “إعلام للسلام” (ماب)
- منظمة العفو الدولية
- مؤسسة “سمير قصير“
- مؤسسة “مهارات“
- موقع “درج“
- “نواة” للمبادرات القانونية
- منظمة “هيومن رايتس ووتش“
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :