أصدرت حكومة النظام السوري في قرارها رقم (4554) الصادر بتاريخ 4 من آب لعام 2015، تعميمًا إلى وزارة الإدارة المحلية، يقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحلات إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة، وهو الأمر الذي أضاف أعباء على المواطنين، وحدّ من حريتهم في التصرف بأملاكهم، وقد باتت الموافقة الأمنية مطلوبة في معظم مناحي حياة المواطنين الخاصة منها والعامة.
وبررت الحكومة التعميم بحجة منع شراء العقارات أو استئجارها من قبل “الإرهابيين” واتخاذها كمقرات لهم، ولحماية الملكيات العقارية من الضياع أو التزوير، وبموجبه بات أمين السجل العقاري يشترط الحصول على الموافقة الأمنية لتسجيل نقل الملكية العقارية، رغم وجود قرار قضائي مكتسب درجة القطعية.
ويؤدي هذا الإجراء إلى زيادة احتمال دخول أصحاب العلاقة بنزاع قانوني طويل ومعقد من أجل تنفيذ القرار القضائي ونقل الملكية، إذ يتطلب الأمر الحصول على براءة ذمة من المديريات المالية التابعة لوزارة المالية، وللحصول عليها لا بدّ من تقديم طلب موافقة أمنية قد يستغرق مدة زمنية تصل لأكثر من عشرة أيام، وفي حال كان البائع أو المشتري مطلوبًا إلى جهة أمنية لأي سبب كان، أو متخلفًا عن خدمة العلم أو الاحتياط، أو كان قد ارتكب سابقًا جرمًا أو جنحة أو صدر بحقه حكم بالسجن، فلن يتمكن من الحصول على تلك الموافقة.
وفي حالات أخرى قد يكون أحد أطراف نقل الملكية مقترضًا من البنك ولم يسدد كامل ديونه، وأراد بيع منزله من أجل إتمام السداد، وقد وضع المصرف إشارة منع سفر كإجراء احترازي في حال التعثر، ففي هذه الحالة أيضًا يتعذر الحصول على الموافقة الأمنية، وهو ما يعني أن تقييد حق نقل الملكية يحدث عند أي مشكلة أو مخالفة قانونية حتى وإن كانت مخالفة تموينية.
في سياق متصل، أصدرت وزارة العدل التعميم رقم (14)، في 21 من شباط 2018، الذي يؤكد على ضرورة الحصول على الموافقة الأمنية قبل إتمام عمليات البيع بالمزاد العلني، (وقد استثنى التعميم البيوع الجارية لمصلحة الجهات العامة)، ما جعل البنوك الخاصة تتريث في منح التسهيلات الائتمانية بسبب عدم إمكانية التنفيذ على الضمانات العقارية العائدة للعملاء المتعثرين، وباتت تطلب ضمانات إضافية إلى جانب الضمانات العقارية، مثل الضمانة الشخصية التي تشمل الكفالة، والضمان الاحتياطي الذي يُطلب في حال كان التوقيع أو الضمانات الأخرى ضعيفة أو مشكوكًا بإمكانية التنفيذ فيها، كل ذلك كان بمثابة أعباء إضافية على كاهل المواطنين عند تقديمهم الضمانات اللازمة للمصارف.
وقد أسهم ذلك في زيادة الجمود العقاري والركود الاقتصادي على المدى الطويل، إذ عرقلت الموافقات الأمنية حصول الشخص على سيولة نقدية ناجمة عن بيعه لعقاره للقيام بمشاريع استثمارية، خاصة أن كثيرًا من السوريين لجؤوا إلى شراء عقارات بقصد حماية أموالهم النقدية من التآكل نظرًا لانهيار قيمة الليرة السورية، وعندما رغبوا ببيع بعض هذه العقارات للاستثمار بثمنها جاءت الموافقات الأمنية لتشكل عائقًا أمامهم، ما أثر سلبًا على الدورة الاقتصادية، فضلًا عن أنها وسعت باب الفساد والبيروقراطية الإدارية، إذ يضطر المواطن لدفع رشاوى إلى أشخاص مقربين من الأجهزة الأمنية للحصول على هذه الموافقة، وتُقدّر قيمة هذه الرشوة بين مئة وألف دولار بحسب أهمية المعاملة المراد إتمامها.
وتفاديًا للوقوع بمشكلة الموافقة الأمنية، أُجبر البعض على اللجوء إلى العقود الكتابية بموجب شهود كوثيقة تعامل من دون تثبيت، هذا التصرف على السجلات العقارية يهدد تثبيت حق الملكية ويفتح الباب أمام النزاعات القضائية وعمليات الغش والبيع بسوء نية.
وقد شملت الموافقات الأمنية جميع أنواع الوكالات الخارجية والداخلية، وبجميع المواضيع، حتى جاء التعميم رقم (4810) لعام 2015، ليستثني من الوكالات الخارجية الخاصة التي تخضع للموافقة الأمنية بعض الحالات، ومنها تثبيت الملكية الذي جاء كمصطلح غير واضح المراد منه.
وفي هذا السياق فإن التعميم رقم (463/ت) الذي ينص على إضافة بيع العقارات وفراغ المنازل والمحلات في المناطق المنظمة وغير المنظمة إلى الحالات التي تحتاج لموافقة أمنية، والصادر إلى دائرة المصالح العقارية، يعتبر مخالفًا لحقوق الملكية الفردية التي نص عليها الدستور السوري في المادة /14/ منه، التي تؤكد على حق الفرد بحرية التصرف بأملاكه وعدم جواز مصادرتها، كما أنه ليس تشريعًا صادرًا عن مجلس الشعب، فضلًا عن كونه يحمل صفة “سري وعاجل” ولا يمكن للقضاء متابعته، وهو ما يدعو إلى التساؤل، كيف لقانون أن يطبَّق على المواطنين وهو يحمل صفة السرية ولا يخضع لسلطة القضاء في حال أراد المواطن الاعتراض؟
حماية أم مصادرة أملاك؟
يتطلب استصدار الموافقة الأمنية مدة زمنية قد تصل إلى ثلاثة أشهر، وفي حالات كثيرة تأتي مع الرفض إذا كان صاحب العقار خارج القطر، أو لديه مشكلة أمنية، كأن يكون مطلوبًا لأحد الفروع أو ماشابه، وتُقدّر نسبة الموافقات الأمنية التي تأتي مع الرفض بنحو 60% وفقًا لعاملين في مجال العقارات، فهل جاء قرار الموافقة الأمنية لحماية أملاك المهجرين كما تبرر الحكومة قرارها؟ أم أنه طريقة لمنعهم من التصرف بأملاكهم ووضعها تحت خطر المصادرة؟ لا سيما بعد صدور القانون رقم (10) لعام 2018 الخاص بالأملاك العقارية، والذي دفع كثيرًا من السوريين المقيمين في الخارج إلى المسارعة بإصدار وكالات عامة وخاصة عبر القنصليات السورية تتيح لأقاربهم إمكانية التصرف بأملاكهم، إلا أن وجوب الحصول على موافقة أمنية منعت الموكَّلين من البيع أو الشراء بحجة الملاحقة الأمنية لأصحاب تلك العقارات.
توسعت نواحي الحياة التي تتطلب استصدار موافقة أمنية منذ صدور التعميم إلى وزارة الإدارة المحلية في آب 2015، فحتى استئجار منزل أو محل تجاري أصبح يتطلب الحصول على موافقة أمنية مسبقة، سواء كان داخل المخطط التنظيمي أم خارجه، الأمر الذي وضع سوق العقارات تحت سيطرة الأجهزة الأمنية بشكل كامل، وزاد من تحكمها بجميع مفاصل الحياة في المجتمع السوري.
–