علي درويش | نور الدين رمضان | خولة حفظي
أكوام من مادة بيضاء، ضمن حاويات تجارية لشركات مختلفة، وعلب مواد غذائية أو إطارات سيارات، مشاهد تنقلها وسائل الإعلام العالمية لتوثيق أخبار عن إحباط تهريب شحنات مخدرات كبرى حول العالم، يجمعها أن بلد المصدر هو سوريا.
أطنان في إيطاليا وأخرى في السعودية، سبقتها شحنات في مصر والإمارات، إضافة إلى الأردن، الذي يعلن بشكل مستمر عن إفشاله محاولات عبور لشحنات من الحشيش والأقراص المخدرة قادمة عبر البادية السورية، وتجد طريقها إلى الأردن ثم إلى بلدان الخليج العربي.
سلطات النظام السوري تعلن أيضًا حملات للقبض على مروّجي وتجار المخدرات في مناطق سيطرتها، أكبرها كان في كانون الثاني الماضي، ضمن سيارة لنقل الخضار بين محافظتي درعا والسويداء. قُدّرت الكمية آنذاك بنحو طن ونصف الطن من الحبوب المخدرة والحشيش (500 كيس من حبوب “الكبتاغون”، وثمانية آلاف و516 كيس حشيش بأنواع مختلفة)، بحسب وزارة الداخلية في حكومة النظام عبر حسابها في “فيس بوك“.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف دور الحدود غير المضبوطة في سوريا، وحالة الفوضى التي أفرزت تجارة مخدرات على مستوى عالمي، والأموال التي تدرها هذه التجارة على الجهات التي تعمل بها، وتحاول الإجابة عن تساؤلات حول قدرة “الإنتربول” الدولي على ملاحقة تجار المخدرات، إن ثبث ضلوع رجال أعمال وسياسة سوريين.
تجارة تكبر..
من لبنان إلى السعودية فإيطاليا.. مخدرات من سوريا تجوب العالم
في الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا، الممتد من ريف القنيطرة مرورًا بالزبداني ومضايا ومنطقة القلمون الغربي بريف دمشق، حتى القصير وتل كلخ وساحل المتوسط، اشتهرت المنطقة بعمليات التهريب، وحدثت العديد من الاشتباكات بين المهربين ومخافر ونقاط حرس الحدود السوري (الهجانة) قبل بداية الثورة في آذار 2011.
وفق ذلك، فإن عمليات التهريب ليست جديدة في سوريا وهي “مهنة أزلية”، حسب حديث الباحث في الشؤون العسكرية ومدير وحدة المعلومات في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، لعنب بلدي.
على أحصنة وبغال نُقلت المواد المهربة من لبنان إلى سوريا، اللتين تفصل بينهما سلسلة جبال القلمون (جبال لبنان الشرقية) الوعرة، وخاصة مع موجات العقوبات على النظام السوري منذ العام 1979.
وكانت معظم “المهربات” من المواد التي فقدت في الأسواق السورية، من قماش ومعدات مطبخ وغيرها مما يسهل حمله، لتتوسع بعد ذلك وتهرّب الأخشاب والمستلزمات المنزلية.
الحدود اللبنانية- السورية ليست بوابة التهريب الوحيدة، فهناك حدود سوريا مع الأردن والعراق خاصة مع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على العراق، إضافة إلى الحدود مع تركيا، التي نشطت حركة التهريب فيها خلال الثورة السورية، والشريط الساحلي المحتكر من قبل رجال مقربين من السلطة الحاكمة يتمتعون بأوسع السلطات خلال حكم الأسد.
قبل الثورة، كان ضبط عمليات التهريب عبر الحدود أمرًا صعبًا، فالمهربون كانوا معروفين بقوة سلاحهم وعلاقاتهم مع الأمن و”الهجانة”، وكان من الصعب ضبط هذه العمليات، وغالبًا عندما كان أهالي قرية معينة يعملون بالتهريب وهم بالقرب من الحدود، تصبح المنطقة شبه محصنة لهم، بحسب شعبان.
أما الآن، ورغم ترويج النظام لعودة سلطته الأمنية، ما زال ضبط الحدود صعبًا، كما أن الروس حاولوا أن يتدخلوا في بعض المناطق نهاية 2018، ودخلوا إلى منطقة القصير بريف حمص الغربي، وحاولوا التمركز على الحدود في منطقة الدبوسية، ومعبر “العريضة” وقرب القصير، لكن محاولاتهم بضبط المعابر اصطدمت بقوة محلية مسيطرة على هذه النقاط، لذلك انسحبوا منها، بحسب شعبان.
فمع بداية الثورة السورية، نشط التهريب لدرجة كبيرة، كتهريب السلاح والمخدرات والأفراد والمقاتلين، مع إغلاق المعابر الدولية، وفق شعبان، وظهرت جهة جديدة غير المهربين التقليديين، تحت مسمى “أمراء الحرب” (War Lords)، الذين يهربون الأشياء والمواد التي فقدتها الدولة والمناطق بسبب الحرب.
وعُرف من “أمراء الحرب” أشخاص لم يكونوا معروفين قبلًا، وباتوا يتحكمون في السوق عن طريق تهريب السلاح والمخدرات من وإلى الدولة، حسب شعبان.
ورجح شعبان أن تستمر حالة فلتان الحدود، بل إن ضبطها خلال الفترة المقبلة سيكون أصعب، والاعتماد عليها يصبح أكبر، خاصة بعد دخول قانون “حماية المدنيين” الأمريكي (قيصر) حيز التنفيذ.
السوق السورية معبر.. لبنان مصدر
أدى وجود “حزب الله” اللبناني في الأراضي السورية، وتدخله في المعارك إلى جانب قوات النظام السوري منذ بداية الثورة، إلى جعل السوق السورية معبرًا لشحنات “حزب الله” إلى الخليج والأردن وغيرها من الدول، حسب الباحث نوار شعبان.
وكانت الحدود السورية- اللبنانية، إحدى أبرز طرق إمداد “حزب الله”، واعتمد النظام والحزب على مهربين محليين في توريد السلاح والنفط وغيرهما للحزب، الذي نشر عدة معسكرات تابعة له على الشريط الحدودي قبل 2011.
ويُتهم الحزب بتمويل نفسه عبر شبكة من تجار المخدرات في عدة دول، إذ ذكرت تقارير إعلامية أمريكية أنه يشترك مع أكثر من دولة في العالم بتهريب المخدرات، وذلك لتمويل عملياته العسكرية في سوريا وشراء الأسلحة اللازمة.
وذكر تقرير لصحيفة “واشنطن تايمز”، في حزيران 2016، أن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أبلغت أعضاء في الكونغرس بشكل رسمي، أنها توصلت إلى أدلة تثبت ضلوع الحزب في أعمال تهريب وتجارة مخدرات ضخمة حول العالم.
وأضاف التقرير أن “حزب الله” يسيطر على كثير من المعامل التي تنتج “الهيروين” وتصنع “الكوكايين”، حيث تهرّب المادة الخام من البرازيل والباراغوي، وبالتالي يسيطر على بيع المنتج النهائي محليًا ودوليًا.
وتمكنت الولايات المتحدة والإكوادور من ضبط شبكات للاتجار بالمخدرات مرتبطة بـ”حزب الله”، وفي نهاية عام 2012، أكد عضو بارز في اللجنة المالية بمجلس النواب الأمريكي، أن تصنيع المخدرات والاتجار بها يمثلان 30% من مداخيل “حزب الله”.
لكن الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، نفى في كانون الثاني 2018 ضلوع حزبه في تجارة المخدرات بغرض التمويل، التي اتهمته بها الولايات المتحدة، وشكلت فريق تحقيقات خاصًا بها لتحري خفايا تمويله عن طريق الاتجار بالمخدرات.
ويعتبر لبنان أول بلد عربي يشرّع قانونًا يسمح بزراعة “الحشيش” للاستعمال الطبي والصناعي، في آذار الماضي.
عمليات تهريب بغطاء علامات تجارية
تصدّرت صور متة “خارطة الخضراء” وعلب حليب “ميلك مان” سورية المنشأ وسائل الإعلام في نيسان الماضي، بعد اكتشاف كمية 19 مليونًا و264 ألف قرص مخدر في علب المتة من قبل السلطات السعودية، وأربعة أطنان حشيش مخدر مخبأة داخل علب الحليب من قبل السلطات المصرية في ميناء “بور سعيد”.
وتنتج متة “خارطة الخضراء” من قبل “مجموعة كبور الدولية”، التي تعتبر الموزع الرئيس لعلب المتة في سوريا، وأُسست كمنشأة صناعية عام 1989، وتعمل على تعبئة المنتجات الغذائية، ويرأسها رجل الأعمال السوري أديب كبور، بينما يملك رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، شركة “ميلك مان”، وهو ما أثار تساؤلًا حول مشاركة رجال أعمال سوريين محسوبين على النظام في عمليات تهريب المخدرات.
لكن “مجموعة كبور” قالت في بيان لها، في 30 من نيسان الماضي، إن “تهريب المواد المخدرة ضمن المنتجات الوطنية ذات السمعة العالمية يدمر سمعتها”، وطلبت من السلطات السورية الكشف عن الشبكات الضالعة في تصدير المخدرات، وقمع هذه الظاهرة التي تؤدي إلى تدمير سمعة المنتج الوطني.
كما نفى مخلوف مسؤوليته عن الشحنة التي صودرت في مصر، وقال في بيان له نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إن “من يشوه هذا العمل التنموي، من خلال تفريغ هذه اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت وتعبئتها بالمواد المخدرة، هو جبان حقير يحمل قمة الإساءة لعملنا وشركتنا”.
وطالب مخلوف الجهات المسؤولة في سوريا بأن تضع حدًا لمثل هذه الممارسات في اﻟﺒﻼد، وأن تلاحق من يصنّع ويتاجر بهذه المواد المخدّرة “المخربة لعقولنا والمؤذية لأولادنا”، بحسب قوله.
وسبق عمليتي السعودية ومصر، إحباط شرطة مكافحة المخدرات في إمارة دبي، في شباط الماضي، تهريب خمسة أطنان و656 كيلوغرامًا من حبوب “الكبتاغون” (نحو 35 مليون حبة) من ميناء اللاذقية في سوريا، وكانت الحبوب مخبأة ضمن بكرات أسلاك حديدية لتخلص في ميناء “جبل علي” بالإمارات، حسب صحيفة “العين” الإماراتية.
وفي تموز 2019، أعلنت السلطات اليونانية أنها صادرت 5.25 طن (نحو 33 مليون حبة) من الحبوب المخدرة قادمة من سوريا، وموضوعة في ثلاث حاويات، وتبلغ قيمتها نصف مليار يورو.
العملية الأكبر.. إلى إيطاليا
أحدث الشحنات ذات المصدر السوري، كانت الأكبر عالميًا، إذ أعلنت الشرطة الإيطالية، في 1 من تموز الحالي، ضبط نحو 14 طنًا (85 مليون حبة) من أقراص “الأمفيتامين” المخدر قادمة من سوريا، ووصفتها بأنها “أكبر عملية مصادرة أمفيتامين على المستوى العالمي”.
وكانت الشحنة مخفية في ثلاث حاويات تحوي أسطوانات ورقية استخدامها صناعي، ويبلغ سعرها مليار يورو، وضُبطت في ميناء مدينة ساليرنو جنوب غربي إيطاليا، قبل توجهها إلى شركة مقرها في سويسرا في مدينة لوغانو.
وتحدثت الشرطة الإيطالية أن شحنة المخدرات مصنعة من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، معتبرة أن التنظيم “يموّل بذلك أنشطته الإرهابية الخاصة، وخصوصًا عبر الاتجار بالمخدرات التي تصنع في سوريا”.
لكن صحيفة “دير شبيغل” الألمانية ذكرت في تقرير نشرته، في 3 من تموز الحالي، أن شحنة المخدرات التي صادرتها إيطاليا ليست لتنظيم “الدولة”، وهو ما ذكرته أيضًا عدة وكالات أنباء عربية وعالمية.
وأضافت أن سامر كمال الأسد، عم رئيس النظام، بشار الأسد، هو من يقف وراء الشحنة التي تبلغ قيمتها مليار يورو، مشيرة إلى أنه يدير مصنعًا في قرية البصة جنوبي اللاذقية، لإنتاج المواد المخدرة.
وأضافت أن مصنع سامر كمال الأسد يتعاون مع رجل الأعمال عبد اللطيف حميد، الذي افتتح مصنعًا للورق في حلب قبل بضعة أسابيع، كما قارنت الصحيفة بين مصدر الشحنات السابقة وكمياتها وأنواع الحبوب المخدرة فيها، ووجدتها متشابهة.
بينما قال تنظيم “الدولة الإسلامية”، إنه استغرب إعلان السلطات الإيطالية وقوفه خلف عملية تهريب أطنان من المواد المخدرة، أوقفتها السلطات الأمنية الإيطالية في ميناء “ساليرنو”، جنوب غربي إيطاليا، بداية تموز الحالي.
وجاء في الصفحة الثالثة من جريدة “النبأ” التي يصدرها التنظيم، في9 من تموز الحالي، “لم يكن تضخيم قيمة الشحنة أكثر غرابة من إعلان (…) أن الشحنة للدولة الإسلامية”.
واعتبر التنظيم أن تجارة المخدرات هي أحد جوانب العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول الغربية والنظام السوري، مضيفًا أن ما يظهر تأثير المخدرات دوليًا، هو ما توصلت إليه بعض التحليلات السياسية والاقتصادية أن أحد أسباب الهجوم الأمريكي على أفغانستان، وبقاء الأمريكيين فيها، مرتبط بـ”استمرار إنتاج الأفيون والسيطرة على تجارته”.
ما الفرق بين “الأمفيتامين” والحشيش المخدر
يعتبر القنب الهندي (الحشيش والماريجوانا) من أكثر المخدرات تعاطيًا وانتشارًا على الصعيد العالمي.
ووفق تقرير المخدرات العالمي، الصادر في أيار 2017، فإن عدد المتعاطين في العام 2015 لمادة القنب بلغ 183 مليون شخص، في حين بلغ عدد المتعاطين لـ”الأمفيتامينات” والمنشطات (كبتاغون) 37 مليونًا.
والحشيش هو منتج من نبات القنب الهندي الذي تنشط زراعته في المناطق الاستوائية والمعتدلة، ويستعمل بطرق مختلفة، إما بالمضغ أو عن طريق التدخين، ويعتبر من أكثر المخدرات، ذات التأثير النفسي، انتشارًا في العالم، بسبب رخص ثمنه وسهولة تعاطيه.
ويحتوي الحشيش على العديد من المواد الكيماوية، لكن أهم مادة فيه هي رباعي هيدرو كانابينول، التي تؤثر على الإفرازات العصبية في الدماغ، وتتسبب في مؤثرات عقلية، ما يؤدي عند تعاطيه إلى تنشيط مفرط لأجزاء الدماغ، ما يسبب الشعور بالنشوة لدى الشخص المتعاطي، وإصابته بنوبات ضحك مفرطة.
أما حبوب “الكبتاغون”Captagon) هو الاسم التجاري للفينثيالين (Fenethylline، من مشتقات مادة “الأمفيتامين” المخدرة والمنبهة للجهاز العصبي، تمنح متعاطيها نشاطًا زائدًا في الجسم إذ تقل الحاجة للنوم، وهو ما يدفع سائقي الشاحنات على طريق السفر إلى تعاطيها، كما تعتبر الحبوب مقويًا جنسيًا “بسبب شعور المتعاطي بجنون العظمة”، بحسب ما قاله الدكتور أكرم خولاني، المتخصص في طب الأسرة، في حديث سابق لعنب بلدي.
كيف تطورت تجارة المخدرات في سوريا وكيف يستفيد النظام منها
ارتباط النظام السوري بعملية إنتاج المخدرات وبيعها ليس جديدًا، لكنه تطور بشكل ملحوظ مؤخرًا، وقسّم المحلل الاقتصادي يونس الكريم، خلال حديثه إلى عنب بلدي، هذه العملية إلى ثلاث مراحل زمنية مرتبطة بالتطورات الداخلية السورية.
المرحلة الأولى: فترة حكم حافظ الأسد
سمح حافظ الأسد لجهات داخلية وأطراف من عائلته بهامش بسيط من تجارة وإنتاج المواد المخدرة، لا يمكنهم تجاوزه لعدة أسباب، أهمها تجنب الخلافات مع الدول المجاورة، وخوفه من متابعة استخباراتية دولية لهذه التجارة، فضلًا عن تشكيلها عبئًا على حكمه الجديد، وتمثلت هذه المرحلة بتجارة أنواع محددة من المخدرات.
المرحلة الثانية: فترة حكم بشار الأسد
لهذه المرحلة، وفق تصنيف المحلل يونس الكريم، جزآن، الأول قبل 2005، إذ لم يتغير الوضع كثيرًا عما كان عليه، سوى ملاحظة بدء الثراء على العائلات المقربة من النظام في الداخل وعودة عائلات مقربة من الخارج، وشهدت المرحلة ارتفاع الطلب على المخدرات والحشيش والمشروبات الكحولية بشكل عام.
أما في جزئها الثاني، وهو ما بعد 2005، فبدأت المخدرات تظهر في المجتمع السوري مع خطابات إعطاء الحرية للشباب، ولا سيما في فترة التجديد لبشار الأسد في 2007، وفق الكريم، لكن غلاء ثمن المواد المخدرة جعلها تقتصر على أبناء الأغنياء، مع استهلاك أقل لنوعية رديئة من بعض الفقراء، لكن طبيعة المجتمع السوري المحافظ خففت من رواجها.
المرحلة الثالثة: ما بعد 2011
يصنف الكريم هذه المرحلة بالأهم في مراحل تطور تجارة المخدرات وتعاطيها في سوريا، إذ زاد الطلب عليها، ولا سيما بين المقاتلين من مختلف الجهات (بشكل خاص حبوب الأمفيتامين والحشيش)، خاصة مع توفرها بكميات كبيرة.
في هذه المرحلة بدأت تتشكل الميليشيات المختلفة، إذ تاجر بها “حزب الله” وميليشيات إيرانية أخرى، وهي جهات ارتبطت عالميًا بهذه التجارة، وانضم إليها بعد العام 2014 عناصر من مافيات روسية.
وأضاف الكريم، أنه مع انحسار المعارك وتراجع الاقتصاد، ضغط ذلك على النظام والميليشيات المقاتلة معه، ما دفعه للبحث عن مصادر تمويل كان أهمها تجارة المخدرات، كما لعبت إيران خلال هذه الفترة دورًا كبيرًا في نقل المخدرات من دول أخرى عبر سوريا إلى أوروبا، بينما منع “حزب الله” في هذه الفترة عودة الأهالي إلى مناطق في ريف دمشق لاستخدامها في الإنتاج والزراعة.
وتصاعدت وتيرة هذه التجارة مع التدهور الاقتصادي للنظام وتوسع سيطرته على مناطق جديدة في سوريا لأسباب، منها توفير السيولة اللازمة من الدولار للحكومة، وضغوط إيران وروسيا عليه لدفع أموال، كي تستمر حمايتهما له وتدفق المقاتلين ودفع رواتبهم ومصاريفهم.
أين يستخدم النظام أموال المخدرات؟
أوضح المحلل الاقتصادي جلال بكار لعنب بلدي، أن النظام السوري استخدم التجارة غير الشرعية ومنها المخدرات، للحصول على أموال مجمدة، لتدخل هذه الأموال في تجارات شرعية، كالأغذية والنفط، لأن أرقام هذه الأموال كبيرة جدًا.
كما تمكن الأموال المجنية من تجار المخدرات من دفع رواتب مقاتلي النظام والميليشيات التي استقدمها، وحاول من خلالها أيضًا دعم الليرة، بينما لم تستخدم في أي صناعة حقيقية سورية أو دعم قطاعي خدمي، كالقطاع الصحي، بل حافظ عليها كأداة من أدوات الحرب، وفق بكار.
ولم تؤثر شحنات المخدرات، التي وصلت إلى مستويات قياسية، سياسيًا على علاقات الدول التي تصادر هذه الشحنات مع النظام السوري، وبعضها لا يريد توريط النظام السوري بها، ومنها مصر والإمارات على سبيل المثال، حسب حديث المحلل السياسي حسن النيفي لعنب بلدي.
وخلال الشحنة الأخيرة التي اكتشفتها إيطاليا، وجهت أصابع الاتهام إلى “تنظيم الدولة” رغم انحسار نفوذه بشكل كبير.
وشكك الصحفي الإيطالي دانييلي رانيري بالرواية الإيطالية، وأرجع اتهام محققين إيطاليين تنظيم “الدولة” بالوقوف وراء الشحنة، إلى أن الحكومة الإيطالية لا تريد تشويه العلاقات مع دمشق، التي لا تزال تستورد الفوسفات من سوريا حتى اليوم، والتي دعت رئيس المخابرات السورية، علي مملوك، بشكل متقطع إلى اجتماع حكومي في طائرة خاصة في آذار 2018.
تجارة “مجرّمة” دوليًا.. هل يمكن إيقاف النظام؟
تعتبر تجارة المخدرات غير مشروعة على الصعيد العالمي، ويتضمن هذا التصنيف زراعتها وصناعتها، وتوزيعها وبيعها، وفي الإعلان المعني بسيادة القانون الدولي، سلمت الدول الأعضاء بأهمية تعزيز التعاون الدولي في مكافحة مشكلة المخدرات العالمية.
كما سلمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه “على الرغم من الجهود المكثفة التي تواصل الدول والمنظمات المعنية والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بذلها، فإن مشكلة المخدرات العالمية تقوِّض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتنمية المستدامة”، حسب موقع الأمم المتحدة الرسمي.
هل يسهم “الإنتربول” في ملاحقة الضالعين؟
“الإنتربول” الدولي هو جهاز التنسيق الدولي بين أجهزة الشرطة، يقوم على تعاون الدول فيما بينها لاستخراج مذكرة اعتقال للشخص، أي إن دوره الرئيس تسهيل التعاون بين الدول الأعضاء، أما متابعة القضية فتكون من قبل الدول وتعاونها مع بعضها، حسبما قال مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم علبي، لعنب بلدي.
وأضاف علبي أن عملية ملاحقة المطلوبين تجري عن طريق الدول، وأجهزة الشرطة المختصة بمكافحة المخدرات هي التي تلاحقهم وتعتقلهم وتحولهم إلى القضاء، ليعاقبوا حسب قانون الدولة المعتقلين فيها، فلكل دولة قوانين خاصة بالتهريب وقضايا مكافحة المخدرات، كما أن الأحكام وطرق التعامل مختلفة بين الدول.
فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك أشخاص تابعون للنظام السوري وضالعون بتهريب مخدرات، يمكن أن تصدر مذكرة اعتقال بحقهم مثًلًا في إحدى الدول الأوروبية، وبالتالي لا يستطيعون الذهاب إلى أوروبا لأنهم مطلوبون بهذه القضية أو متهمون، وممكن أن يضافوا إلى قوائم العقوبات، وهما أبرز خيارين يمكن أن يلاحق بهما أشخاص إذا ثبت أنهم يتاجرون بالمخدرات.
وإذا كان هؤلاء الأشخاص خارج سوريا وفي أوروبا، يمكن أن تتم محاكمتهم محليًا ضمن القانون المحلي.
ويستطيع الأشخاص المتهمون بقضايا تهريب المخدرات أو غيرها، الامتناع عن المجيء إلى الدولة المطلوبين فيها، كأحد أساليب التهرب من الملاحقة القضائية، وهذا يضيّق عليهم الحركة.
ووصل عدد الدول الأعضاء في منظمة “الإنتربول” عام 2018 إلى 194 بلدًا، وسوريا بلد عضو منذ حزيران 1956، حسب الموقع الرسمي لـ”الإنتربول“.
هل يمكن إدانة النظام بتجارة المخدرات؟
يمكن للدول التي اكتشفت شحنات المخدات التي مصدرها سوريا (إيطاليا، اليونان، مصر، السعودية، الإمارات، الأردن) “أن تخطو مسالك قانونية”، كأن تفتح تحقيقات مع أشخاص ضالعين بهذه الشحنات، ثم يجب أن يتوصل التحقيق إلى أن النظام السوري طلب من أشخاص محددين التجارة بهذه المواد، حسب إبراهيم علبي.
ويعني توصل التحقيق إلى ذلك، ارتكاب النظام السوري انتهاكًا دوليًا يمكن أن يدينه، لأخذ قرار ضده عن طريق الأمم المتحدة، ويرى علبي في ذلك إدانة سياسية أكثر منها قانونية، من حيث النتائج المترتبة عليها، ما يعني أن النظام يستطيع الاستمرار في إيجاد مخارج بعيدًا عن الملاحقة القانونية.