قبضة أمنية ترهب المواطنين وتتحكم بسعر الصرف في سوريا
عنب بلدي – زينب مصري
خالفت قيمة الليرة السورية توقعات اقتصادية تنبأت بانخفاض قيمتها مع دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ، في 17 من حزيران الماضي، وعلى الرغم من ملامسة سعر صرف الدولار الأمريكي عتبة ثلاثة آلاف ليرة سورية في يوم بدء العقوبات المفروضة وفقًا لـ”قيصر”، انخفض سعر صرف الدولار مجددًا واستقر وسطيًا عند 2500 ليرة سورية.
أرجع محللون اقتصاديون محافظة الليرة السورية على قيمتها إلى الإجراءات الأمنية المكثفة التي فرضها النظام السوري على مكاتب الصرافة والحوالات المالية قبيل تطبيق القانون، إذ هدد مصرف سوريا المركزي، في بيان نشره عبر صفحته في “فيس بوك”، مطلع حزيران الماضي، بمعاقبة “الأشخاص” الذين يعملون على تسلّم أو تسليم الحوالات المالية الواردة من خارج البلاد، خارج إطار شركات الصرافة المعتمدة، وملاحقتهم قضائيًا بموجب قوانين تمويل الإرهاب أو ملاحقتهم بجرم الصرافة غير المرخصة والتعامل بغير الليرة السورية.
وفي اليوم التالي من صدور البيان، نفذ النظام السوري تهديده، وأصدرت مديرية التراخيص في “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” قرارًا بإغلاق ست شركات للحوالات المالية، وطلبت منها التوقف عن تقديم خدمة الحوالات المالية الداخلية في فروعها كافة، وعدم تسلّم أو تسليم أي حوالة إلى حين إبلاغها.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر مطلع العام الحالي، المرسوم رقم “3” القاضي بمعاقبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، ودفع غرامة مالية، بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.
كما أصدر المرسوم رقم “4” القاضي بفرض عقوبة الاعتقال المؤقت، وغرامة مالية تتراح بين مليون وخمسة ملايين ليرة سورية، “لكل من أذاع أو نشر أو أعاد نشر وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل، لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية، ولزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها”.
لا سبيل إلا الوسائل الأمنية
لا يستطيع النظام ضبط أسعار الصرف إلا بالوسائل الأمنية، بحسب رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، لأنه بالوسائل الاقتصادية لا بد أن تنخفض قيمة الليرة السورية إلى “أخفض” مستوى، بسبب عدم وجود حامل حقيقي من السلع والإنتاج ليحمل العملة الوطنية ويحافظ على قيمتها.
في لقاء مع عنب بلدي عزا القاضي اعتماد النظام على “القبضة الأمنية”، لفقدانه السيطرة على مفاصل الاقتصاد في المحافظات السورية الـ14، ثم فقدانه السيطرة على منظومة رامي مخلوف التي أمسكت بمفاصل الاقتصاد السوري منذ 20 عامًا.
فالحل الوحيد، بحسب القاضي، هو الوسائل الأمنية، من سجن للصرافين وإغلاق لمكاتب الصرافة، و”كأن الصرافين هم المسؤولون عن انخفاض قيمة العملة، وليس سوء إدارة الاقتصاد وسوء إدارة السياسة”، بحسب تعبيره.
قطع الشريان الأساسي في التمويل
في خطوة لاحقة لإجراءات إغلاق مكاتب الصرافة والحوالات غير المرخصة، رفع مصرف سوريا المركزي سعر الحوالات المالية بمقدار 550 ليرة سورية، لتصل إلى سعر 1250 ليرة للدولار الواحد بعد أن كان سعرها 700 ليرة سورية، وبذلك يكون النظام حصر الحوالات المالية بيد المصرف.
ويرى أسامة القاضي أن هذه الخطوة تمنع عن الشعب السوري “خط الشريان المهم” المتمثل بالتحويلات المالية، لأنها “ستنفّر” كل من يريد تحويل الأموال من السوريين وغير السوريين للعلائلات السورية في الداخل، وخاصة بعد إصدار رئيس النظام، بشار الأسد، المرسوم “رقم 3”.
ومع غياب الإحصائيات الرسمية من قبل النظام السوري حول قيمة الحوالات المالية من خارج سوريا، قدرت صحفية “الوطن” المحلية، في أيار 2017، قيمة الحوالات بخمسة ملايين دولار يوميًا، إذ يعتمد كثير من المواطنين السوريين في الداخل، بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، على الحوالات المالية كوسيلة لتأمين الدخل.
تأثير مزدوج اقتصادي وأمني
لكن الباحث الاقتصادي محمد موسى يرى أن تلك الخطوة ساعدت النظام على تخفيض سعر صرف الدولار، على الرغم من تخفيض الحوالات الواصلة إلى مناطق سيطرته.
إذ إن الشركات المرخصة من قبل النظام سعّرت تسليم الحوالات الواردة من الخارج عبر وكلائها بما يقارب 1800 ليرة سورية للدولار الواحد، بينما سعّرت الشركات العاملة عبر “السوق السوداء”، التي كانت تتعامل معها العديد من شركات الحوالات أو الأشخاص خارج سوريا، تسليم الحوالات بـ2200 ليرة تقريبًا مقابل الدولار الواحد، وفقًا لنشرات الأسعار في 11 من تموز الحالي.
كما أثّرت هذه الخطوة “بشكل كبير” على عمل مكاتب الصرافة في داخل وخارج سوريا، بحسب موسى، إذ توقفت شركات تابعة للنظام السوري كانت تتعامل مع شركات في الخارج بعد تلك القرارات، وتوقفت حوالات “اليد” والتسليم عن طريق الأشخاص، وخسرت المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام هذه الطريقة من إرسال الحوالات وتسلّمها بعيدًا عن المكاتب.
وقال موسى، في حديث لعنب بلدي، إن المواطن السوري خسر بفعل هذه القرارات على الصعيدين المادي والأمني، إذ شكلت القرارات حالة تخوف لديه من الملاحقات الأمنية والمساءلة عن مصدر الحوالات، كما أن تسلّم المواطن الحوالات عن طريق مكاتب النظام سيجعله يعاني من خسارة بسبب فوارق التصريف بين أسعار مكاتب التصريف وأسعار “السوق السوداء”، كما عزف كثير من الأشخاص العاملين في هذا المجال عن العمل به خوفًا من الاعتقال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :