إبراهيم العلوش
طغت أخبار اغتصاب طفل سوري في قرية سحمر اللبنانية من قبل ثمانية شبان لبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين، وفجّر المخرج فراس فياض، قبل أيام، مفاجأة أمام محكمة ألمانية باتهامه لضابط المخابرات أنور رسلان بأنه أمر باغتصابه في فرع “الخطيب” للمخابرات الذي كان المتهم أحد ضباطه.
يأتي الاغتصاب بحق السوريين كجريمة تأخذ شكلًا عسكريًا، عبر الاعتداء الذي يقوم به قادة وعناصر المخابرات والحواجز والميليشيات الطائفية في الداخل السوري، وتأخذ شكلًا جنائيًا مدنيًا، عبر ارتكابه ضد اللاجئين السوريين المنتشرين في الشتات الخارجي في لبنان وتركيا وغيرهما من الدول التي تستضيف السوريين.
قامت الناشطة اللبنانية زينة نعيم بفضح عملية اغتصاب الطفل السوري في لبنان، عبر نشر الفيديو الذي يدين المتهمين ويدين استغلالهم للطفل اللاجئ رغم تعرّضها للتنمر من قبل بعض أبناء القرية التي حدثت فيها الجريمة بحجة الإساءة لسمعتهم، وحسب قناة “بي بي سي”، قدمت مديرة حماية الأحداث اللبنانية، أميرة سكّر، شكوى ضد المغتصبين أمام القضاء. وتبين أن الطفل كان يتعرض للتحرش والاغتصاب الجنسي من قبل المتهمين منذ سنوات، لأنه كان يعمل لديهم مذ كان عمره 11 سنة، وهم استغلوا حاجته وضعف حالته.
أما المخرج فراس فياض، الذي امتلك الجرأة وأعلن عن وقائع اغتصابه في فرع “الخطيب”، فقد قدّم نموذجًا شجاعًا لإدانة مرتكبي الجرائم من قبل قوات النظام، والدفع إلى محاسبتهم على الجرائم التي لا يزالون يعتقدون أنها ارتكبت في ظلام المعتقلات، ولم يرها أحد، ولن يمتلك الضحايا الجرأة على تحدي بعض القيم الاجتماعية والثقافية المهترئة، التي ترتدي رداء الستر لينجو المعتدي من نتائج اقترافه للجريمة.
وقد عبّر كثير من المعتقلين والمعتقلات عن جرأة مماثلة لجرأة المخرج فياض، وكان من أشهرهم النساء الخمس اللواتي قدمن فيلم “الصرخة المكبوتة” الذي بُثّ على القناة الفرنسية الثانية في عام 2017، وعبر قنوات التلفزة العالمية، وأخذ شهرة كبيرة وقدم نساء سوريات شجاعات تحدّين القيم البالية حتى بعد تصويرهن للفيلم، إذ تحدثن عن هجوم المجتمع عليهن، بحجة الحفاظ على النقاء الجنسي الكاذب حتى ولو كان غطاء لتهريب المعتدين وتخليصهم من عقوبات جرائمهم.
الاغتصاب والتحرش الجنسي اليوم يهددان عشرات الألوف من المعتقلين في سجون النظام، ويهددان مئات الألوف من العابرين على الحواجز والمراجعين لدوائر قيادات النظام والميليشيات المسلحة بمختلف اشكالها وألوانها، المنتشرة من الجنوب السوري حتى أقصى الشمال والشمال الشرقي، حيث يغيب القانون لمصلحة حملة السلاح الذين يتعاملون مع البشر كرهائن لنزواتهم العقائدية أو الجنسية.
ويهدد الاغتصاب والتحرش الجنسي أيضًا الأطفال والنساء في المهاجر، وخاصة ممن يعملون في ظروف صعبة ويتم استغلال وضعهم المعيشي والقانوني، الذي يجعل من أبناء البلد المستضيف مواطنين وسادة في بلدهم مقابل اللاجئين كحملة أوراق مؤقتة قابلة للتلف أو الإنكار أو انتهاء الصلاحية بأي وقت، ما يعزز حالة الشعور بالتفوق إلى حدّ العنصرية ضد اللاجئين الذين ساقتهم طائرات النظام والطائرات والصواريخ الروسية والميليشيات الإيرانية إلى هذا القدر الأسود، بعدما طالبوا أن يكونوا سادة في بلدهم.
ولا يزال الاغتصاب يهدد أكثر من عشرة آلاف طفل معظمهم من السوريين، فُقدوا في الاتحاد الأوروبي إثر عمليات الهجرة الجماعية التي حدثت منذ عام 2014 عبر البحار والغابات باتجاه أوروبا، وقد أقر المجلس الأوروبي بفقدانهم، ووافق على قبول شكوى اختفائهم التي تقدمت بها النائبة التركية سراب ياشار، حسب تقرير لصحيفة “يني شفق” التركية، فهؤلاء الأطفال الذين هاجروا بلا عائلاتهم اختفوا من السجلات ومن قوائم اللاجئين وهم في أوروبا، وتشير أصابع الاتهام إلى أيدي مافيات في أوروبا، مافيات التجارة بالجنس والأعضاء والمخدرات التي قد تكون تواطأت في اغتصاب هؤلاء الأطفال أو سرقة أعضائهم أو تحويلهم إلى عبيد في أقبية التهريب ودروبه السوداء، وتوريطهم بجرائم لا مصلحة لهم بارتكابها.
هذا الكم الهائل من التهديد بالاغتصاب له أسباب ودوافع نفسية وعنصريّة يفهمها أهل القانون وحقوق الإنسان ويحيطون بتداعياتها، وله أيضًا أسباب سياسية تراكمت على السوريين عبر اغتصاب الدولة والمجتمع منذ الستينيات من القرن الماضي، حين بدأ “البعث” بتصنيع آلهته المتعددة التي توحدت أخيرًا بحافظ الأسد، الذي أرسى منهج اغتصاب السلطة وأخرجها من ارتجالية الانقلابات والمؤامرات والتلاعبات المؤقتة، عبر ترسيخه القيم الطائفية في الحكم، واغتصابه الحياة العامة، وعبر استيراده لمنظمة “طلائع البعث” من كوريا الشمالية التي ترسخ عبادة الفرد منذ مرحلة الطفولة، واغتصابه الحياة السياسية عبر استيراده “الجبهة الوطنية التقدمية” من ألمانيا الشرقية، واغتصابه إرادة المجتمع عبر قيادته لجيش أشرف على بنائه الخبراء الروس عشرات السنين، وحوّل وظيفته من حماية الوطن إلى اغتصاب الوطن والعبث بسيادته، وقد انتهى هذا الجيش أخيرًا لتسليم سوريا إلى المحتلين الروس والإيرانيين.
كثير من الأطفال والنساء والرجال السوريين عرضة للاغتصاب والاعتداء في المعتقلات وفي المَهَاجر وتحت ضغط الحاجة وفقدان الاعتراف بهم كبشر لهم كرامتهم وحقوقهم، ويجب أن نمتلك الجرأة على فضح جريمة الاغتصاب مهما كان مقترفها قريبًا أو بعيدًا، كما فعل كثير من السوريين والسوريات، ولكننا لن نتخلص من هذا الكابوس الذي يهدد أطفالنا ونساءنا وأبناءنا إلا بإزالة مَن أسس لهذا الاغتصاب الجماعي ودمّر وطننا، وهو نظام الأسد بكل مسمياته، وبكل قادته الذي رسّخوا ممارسة الجريمة بحق السوريين.