عنب بلدي – خولة حفظي
“استأجرنا منزلًا في ركن الدين بدمشق، منذ أن اضطررنا للنزوح من حرستا، وبدأ صاحب المنزل يرفع الإيجار علينا تدريجيًا خلال السنوات الماضية، ليصل إيجار المنزل مع طلب الزيادة الأخير قبل أسبوع إلى 100 ألف ليرة سورية”.
روت عائشة (اسم مستعار) معاناتها مع ارتفاع أسعار إيجارات البيوت في دمشق، في حين توقف زوجها عن العمل لأكثر من شهر بسبب انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وأضافت عائشة لعنب بلدي أن مالك المنزل رفض التنازل عن المبلغ المطلوب أو القبول بزيادة بسيطة، وحجته في ذلك هي الغلاء العام وارتفاع تكلفة المعيشة.
وكانت صحيفة “تشرين” الرسمية نشرت تقريرًا، في 3 من تموز الحالي، أوضحت فيه ارتفاع إيجارات المنازل بنسبة تجاوزت 75% في العاصمة دمشق، وسجلت أرقامًا قياسية تراوحت بين 200 و300 ألف ليرة سورية.
وقالت الصحيفة، إن أغلبية أصحاب المنازل يطلبون من المستأجر دفع إيجار سنة كاملة، وقلة منهم يطلبون الدفع لستة أشهر.
وذكرت أن سبب ارتفاع اﻹيجارات يعود إلى الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار العقارات في العاصمة دمشق، وتحديدًا في: البرامكة، والفحامة، وعين الكرش، في العام الحالي.
مستويات قياسية
في شارع بغداد بدمشق، يصل إيجار المنزل إلى 175 ألف ليرة سورية، بحسب ما أكده أحد المقيمين في المنطقة، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، مشيرًا إلى تأثر دخله بعد تشديد الرقابة على الحوالات الخارجية، لا سيما أنه يعتمد في تغطية مصاريفه على تحويلات أبنائه من الخارج.
وأصدر مصرف سوريا المركزي بيانًا، في 1 من حزيران الماضي، هدد فيه بمعاقبة الأشخاص الذين يعملون على تسلّم أو تسليم الحوالات المالية الواردة من خارج البلاد، خارج إطار شركات الصرافة المعتمدة.
وذكر “المركزي” في البيان أن الأفراد الذين يجري ضبطهم أو التوصل لمعلومات تفيد بتسلّمهم الحوالات عن طريق أشخاص مجهولي الهوية، سيلاحقون قضائيًا بموجب قوانين تمويل الإرهاب في حال ضلوع هؤلاء الأشخاص بهذا الجرم.
صاحب مكتب عقاري في دمشق تحدث لعنب بلدي عن إيجار البيوت في المدينة، وقال إنها تختلف كليًا عن الريف، وإن كانت مرتفعة أيضًا في المدن القريبة من العاصمة.
وأوضح صاحب مكتب عقاري في منطقة القصور، أن الأسعار تتراوح في دمشق بين 150 ألف ليرة سورية و250 ألفًا، بينما تتراجع الأسعار في ضواحي دمشق إلى نحو 100 ألف ليرة سورية، وقد تقل عن ذلك بحسب المنطقة.
وأشار إلى أن إيجار منزل في ببيلا بريف دمشق بمساحة 75 مترًا، لا يقل عن 55 ألف ليرة سورية، بينما يصل إيجار منزل في القصاع بدمشق أو الميسات بذات المساحة إلى 200 ألف ليرة سورية، وقد يطلب المؤجرون الدفع مقدمًا لسنة كاملة، أو ستة أشهر في أحسن الاحتمالات.
سوق العقارات حاليًا يشهد زيادة في الطلب على استئجار البيوت مقارنة بطلبات الشراء، بحسب صاحب المكتب، وتصل نسبة عمليات مكتبه خلال الشهر الواحد إلى 80% لتأجير البيوت.
واعتبر صاحب المكتب أن ارتفاع إيجارات البيوت يعود إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، لا سيما الدولار، إضافة إلى قلة العرض أمام كثرة الطلب والضغط على مناطق المدينة، ومزاجية مالك العقار، وسط غياب واضح لأي حلول من الحكومة لأزمة السكن.
غياب المؤسسات الحكومية سبب أساسي
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي يرى أن تدمير ثلث المباني السكنية في سوريا نتيجة القصف، شكّل ضغطًا على بقية المباني المؤهلة للسكن.
وأشار الباحث الاقتصادي، في حديث لعنب بلدي، إلى دور ارتفاع تكلفة مواد البناء والحالة المعيشية السيئة التي يعاني منها المواطن السوري، ما جعل من الصعب إعادة تأهيل البيوت المدمرة، وأفرز ملايين النازحين داخليًا الذين شكلوا زيادة في الطلب على العقارات مقابل انخفاض في المعروض.
واعتبر أن غياب المؤسسات الحكومية في سوريا زاد من المشكلة على المواطنين، وأسهم في سيادة سياسة المضاربة على بدل الإيجار.
وأكد دور التدهور الكبير الذي شهدته الليرة السورية في ارتفاع إيجار العقارات بشكل عام، لأن عوائد الإيجار تشكل دخلًا أساسيًا لكثير من العوائل الموجودة في الداخل.
أما بالنسبة لقانون “قيصر”، الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه ودخل حيز التنفيذ في 17 من حزيران الماضي، وتأثيره على القطاع العقاري، فقال قضيماتي إن ذلك الأمر يتعلق بإعادة الإعمار، ولكن ليس على مستوى الأحياء السكنية البسيطة.
وأضاف أن تأثير قانون “قيصر” سيكون على مستوى الشركات الكبرى التي ستعيد تأهيل البنى التحتية ككل، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دون تغيير سياسي حقيقي في سوريا.