عنب بلدي – إدلب
فارق الأخوان محمد المصطفى (16 عامًا) ومحمود المصطفى (22 عامًا)، من أبناء قرية عينجارة بريف حلب الغربي، الحياة غرقًا في بحيرة “ميدانكي” بمدينة عفرين شمال غربي حلب.
لحظات قليلة فصلت بين موتهما، في 6 من تموز الحالي، وبين وصول فرق “الدفاع المدني السوري” لانتشال جثتيهما.
محمد ومحمود ليسا الوحيدين اللذين فارقا الحياة في الشمال السوري نتيجة السباحة العشوائية، إذ وثقت فرق “الدفاق المدني” وفاة 15 شخصًا خلال حزيران الماضي غرقًا، منهم شاب غرق في مياه سد “الدرية” بريف إدلب الغربي، وثلاثة أطفال غرقوا في سد صغير لتجميع المياه في بلدة مورين بريف إدلب الشمالي الغربي، وطفل غرق في مياه نهر “دير بلوط” بريف حلب الشمالي.
لماذا يغرق المدنيون
أوضح مدير التدريب في “الدفاع المدني السوري”، حسام بدوي، لعنب بلدي، أن أبرز أسباب غرق المدنيين جهلهم بالمنطقة التي يسبحون فيها، إذ يأتون من المناطق التي يسكنون فيها للسباحة في مسطحات مائية، لذلك لا يكون لديهم وعي بطبيعة المكان، ومن الممكن أن يواجهوا تيارات مائية أو عمقًا مفاجئًا أو طبيعة مختلفة، ما يعرضهم للغرق.
أحيانًا، يرى شخص ما أحد أفراد عائلته وهو يغرق فيحاول مساعدته، لكنه لا يستطيع فيغرق أيضًا، وهي حالة متكررة، رغم الإرشادات والتوعية واللوائح التي ينشرها “الدفاع المدني”، إضافة إلى الأنشطة التوعوية حول المسطحات المائية.
وخلال السباحة، يتعرض بعض الأشخاص لأزمات قلبية أو شد عضلي يؤدي إلى غرقهم.
وبالنسبة للأشخاص الذين لا يعرفون السباحة، فالمسطحات المائية كافة خطر عليهم، بحسب بدوي، لكن تعد بعض المسطحات أكثر خطورة، كبحيرة “ميدانكي” الصناعية التابعة لسد “17 نيسان” في عفرين، والسدود والأماكن العميقة التي تشهد تيارات مائية.
كما تعد المسطحات الوعرة بوجود الصخور والأشجار في القاع، والتي منسوب مياهها مرتفع، أكثر خطرًا من السواقي والمسابح العادية.
الظاهرة ليست جديدة
ظاهرة الغرق ليست جديدة، لكن في العام الحالي زادت الحالات، بحسب مدير التدريب في “الدفاع المدني السوري”، حسام بدوي ، الذي بررها بزيادة ارتياد الأهالي للمسطحات المائية بقصد السباحة، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الكثافة السكانية في شمال غربي سوريا، إذ سجل “الدفاع المدني”، في حزيران الماضي، 31 حالة غرق في محافظة إدلب.
وفي عامي 2018 و2019، انتشلت فرق غطس “الدفاع المدني” 95 مدنيًا توفوا غرقًا في الشمال السوري، بينهم 23 طفلًا و12 امرأة، حسب إحصائية نشرها في موقعه الرسمي.
محاولات للحد من الظاهرة
أُجريت العديد من حملات التوعية، وحذر “الدفاع المدني” من السباحة في الأماكن المحظورة، ومن النزول إلى المياه فورًا، ومن المجازفة والمغامرة خلال السباحة، ومن السباحة في الأنهار وسواقي جر المياه، وفي الأماكن التي تنمو الأعشاب والحشائش في قيعانها.
كما دعا إلى عدم القفز من مرتفعات عالية، تفاديًا للاصطدام بالأرض أو بأشياء حادة، وإلى عدم الابتعاد عن الشاطئ بشكل كبير، وأخذ احتياط طريق العودة ضمن المقدرة الجسدية، وإرسال إشارات فورية عند الشعور بحالة الغرق من المرة الأولى، وعدم بذل الجهد الزائد.
بالإضافة إلى التعرف إلى طبيعة المسطح المائي، عن طريق سؤال أهل المنطقة عنه وعن مدى خطورته، وأخذ احتياطات الأمن والسلامة في أثناء السباحة، مثل دولاب هواء وحبل وأدوات الطفو.
وحذر “الدفاع المدني” من السباحة بشكل فردي، وخاصة في الأماكن التي توجد فيها تيارات مائية قوية.
وأشار إلى ضرورة تغطية الآبار الارتوازية المكشوفة، لأنها تشكل خطرًا على حياة الأهالي، وعلى المواشي، ما يسبب خسائر مادية وأضرار بيئية تلوث المياه الجوفية.
من الصعب في البحيرات الكبيرة كـ”ميدانكي”، أو السدود والأنهار الكبيرة كـ”الفرات”، خروج الشخص على قيد الحياة، أما في المسابح أو البحيرات الصغيرة فأحيانًا يكون هناك مجال لاستخراج الأشخاص وهم على قيد الحياة، حسب بدوي.
فريق واحد فقط مجهز لكامل شمالي سوريا
تعمل فرق “الدفاع المدني” بالقرب من المسطحات المائية المعروفة، لكن لا تملك الكوادر سوى فريق غطس وحيد، والعتاد المخصص للغطس يكفي لفريق واحد فقط.
وأوضح حسام بدوي أن العتاد ليس المشكلة الوحيدة، فالخبرة أمر أساسي، لأن انتشال الغريق يحتاج إلى أشخاص أقوياء البنية، ولديهم خبرة ومهارات يستطيعون من خلالها انتشال غريق، وهذا الأمر “صعب جدًا”.
لذلك يركز “الدفاع المدني” على التوعية والوقاية، كأن تجهز ضفاف الأنهار والبحيرات بالحبال، أو أن يكون هناك أشخاص في الأماكن الخطرة، لكن الالتزام من السكان ليس إيجابيًا دائمًا.