تحالف الضعفاء.. مغزى اتفاقية إيران العسكرية مع النظام السوري

  • 2020/07/12
  • 12:00 ص

أسامة آغي

الميت لا يسند ميتًا، مثل شعبي ينطبق على ما ذهبت إليه إيران، من خلال توقيعها اتفاقًا عسكريًا مع حليفها النظام السوري، فبكل بساطة، يتلقى الإيرانيون هجمات جوية إسرائيلية على قواعدهم في سوريا، دون امتلاك قدرة حماية قواتهم، فما دام الأمر هكذا، لماذا عقدوا اتفاقهم العسكري مع النظام السوري، وتحديدًا في مجال الدفاع الجوي؟

بالعودة إلى الصراع في سوريا بين النظام وقوى المعارضة، وبعد مرور تسعة أعوام على هذا الصراع، يمكن القول، لم يستطع النظام بمفرده وقف زحف قوى المعارضة على حصونه الأمنية والعسكرية، ما دفع بإيران إلى زجّ ذراعها الشيعية “حزب الله” اللبناني بمواجهة هذه القوى.

لكن فصائل المعارضة استطاعت بحلول الربع الأخير من عام 2012 بسط نفوذها على 80% من مساحة سوريا، وهو أمر أرعب حكومة طهران فدفعت بـ”حرسها الثوري” واستجلبت ميليشيات من بلدان مختلفة رابطها الوحيد هو الشيعية السياسية، ومع ذلك لم تستطع إيران تحقيق مسعاها في سحق فصائل المعارضة، ما اضطر الروس إلى التدخل في سوريا، تحت حسابات خاصة بهم تتعلق بملفات إقليمية ودولية، يخوضون صراعات فيها مع الغرب.

هذا التدخل الروسي وجد نفسه مضطرًا إلى مواجهة تركيا في منطقة “خفض التصعيد” الرابعة، التي يضمنها الأتراك، ما أفشل مساعي النظام في فرض نفوذه على محافظة إدلب، وهو أمر تزامن مع تطبيق الولايات المتحدة قانون “قيصر”.

الإيرانيون قرؤوا المشهد بطريقتهم الخاصة، فالروس لن يذهبوا إلى قتال تركيا، لا سيما أنهم وجدوا أنفسهم في مأزق عسكري سياسي أمام الأتراك في ليبيا، وهم باتوا على قناعة أن الأتراك لن يمرروا للنظام محاولة انتصاره في إدلب، وبالتالي تهديد تركيا عبر خلق واقع جديد.

هذه القراءة الإيرانية هي التي دفعتهم للتصريح علنًا، فقد قال محمد باقري، رئيس أركان الجيش الإيراني، من دمشق: “تركيا متأخرة قليلًا في تنفيذ التزامها بتفاهمات أستانة، لإخراج الجماعات الإرهابية من سوريا”.

إن ما يريد قوله الجنرال محمد باقري، أن النظام ليس وحيدًا في مواجهة تعقيدات الصراع في سوريا، وبالتالي، تأتي مطالبة باقري بأن “على تركيا أن تدرك أن حلّ أي من مشاكلها الأمنية هو عبر التفاوض والتفاهم مع الجانب السوري، ولا يكون عبر الوجود في الأراضي السورية”.

محمد باقري بتوقيعه اتفاقًا مع النظام السوري، كان يريد أن يعطي شرعية لوجود قواته على الأراضي السورية، أسوة بوجود القوات الروسية، التي لمّح الأمريكيون أنها موجودة قبل تفجر الصراع السوري.

لكن هذه الاتفاقية العسكرية التي وقعتها إيران مع النظام السوري لن تغيّر في قواعد الصراع، ولن تغيّر في موازين القوى على الأرض، فالنظام الإيراني وجد نفسه محشورًا بضرورة الخروج من سوريا، ولهذا ذهب إلى الهروب من هذا الاستحقاق إلى الأمام، مدركًا أن خروجه مهزومًا من سوريا يعني بالضرورة تفككه القريب، وسقوط مشروعه “الشيعية السياسية في الشرق الأوسط”

الإيرانيون في ظروفهم الحالية هم أضعف من أي وقت سابق، فالحصار الاقتصادي على إيران، وما جرى في أسعار النفط عالميًا، والضربات التي تتلقاها قواهم العسكرية في سوريا، تجعلهم يتلمسون رأسهم القابلة للسقوط قريبًا، ولهذا أرادوا خلط الأوراق، وكأنهم يقولون للولايات المتحدة الأمريكية، إنهم مستعدون لمواجهتها في الساحة السورية إضافة لمواجهتها في ساحات أخرى.

الإيرانيون ضعفاء ومنهكون في هذه المرحلة، والنظام السوري هو الآخر ضعيف وممزق ومنهك عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، فماذا يفيد توقيع اتفاق عسكري لا قيمة حربية له؟ لهذا يمكن أن نطلق على هذه الاتفاقية العسكرية اسم “تحالف الضعفاء”.

تحالف الضعفاء هذا يمكن فهمه وفق سياقات تطور الصراع على سوريا وفيها، فالنظام السوري مفكك بين إرادتين هما الإرادة الروسية والإرادة الإيرانية، وبالتالي يبدو أن الاتفاقية العسكرية هي فعليًا تخدم بالمعنى السياسي إيران، وتخدم النظام من خلال إبرازه القدرة على المناورة بالقفز على الحبلين الإيراني والروسي.

ولكن هذه المناورة محفوفة بالمخاطر بصورة أوسع، فهي وضعت النظام في صف إيران، ما سيستجلب عليها غضبًا أمريكيًا كبيرًا، هذا الغضب سيستثمره الروس بحنكة، حيث يضعف النظام أكثر فأكثر، وهو ما سيسمح للروس بفرض اتجاهات رؤيتهم للحل السياسي وفق أوفر حصة يمكنهم أن يحصلوا عليها، من خلال التفاوض مع الأمريكيين على إسدال الستار على 50 عامًا من الاستبداد الأسدي في سوريا.

الاتفاقية العسكرية الإيرانية مع النظام السوري لن تحمي النظام من مصيره المحتوم، كما أنها لن تغيّر من قدرة إيران على مواجهة سلاح جو غربي متطور قادر على تنفيذ ضربات موجعة للقوات الإيرانية، حتى داخل أراضيها.

وفق ما تقدم، يمكن القول إن الإيرانيين بتوقيعهم اتفاقية عسكرية مع النظام أرادوا إضفاء شرعية على وجودهم في هذا البلد، تحت مسمى أن حكومة النظام لا تزال حكومة شرعية ممثلة في الأمم المتحدة، وبالتالي فالوجود الإيراني هو وجود شرعي في سوريا، وليس من حق الولايات المتحدة أو إسرائيل مطالبة الإيرانيين بالخروج من هذا البلد.

إن توقيع اتفاقية عسكرية لا قيمة حربية لها بين إيران والنظام السوري، يكشف عن ضعف طرفيها الموقعين عليها، هذا الضعف يتفشى في جوانب سياسية وعسكرية واقتصادية، وهي ورقة لعب أخيرة، يمارسها نظاما الاستبداد في دمشق وطهران، وهذه الاتفاقية تحاول تأخير خنق قدرات “حزب الله” ولبنان المحكوم منه، دون إدراك حقيقي أن الاستحقاقات الدولية بحل الصراع السوري بدأ عدّها الزمني، الذي لن يتوقف بغير تنفيذ محتويات القرار الدولي 2254.

إن التلويح بقيمة هذه الاتفاقية لن يمرّ على القوى الدولية المعنية بالأمر، وكذلك يدرك الموقعان عليها أنها جزء من ثمن فاتورة إيرانية دُفعت على مدى سنوات، للمحافظة على استمرار نظام بات عاجزًا ببنيته المتهالكة أن يستمر.

فهل ستمر عربات “قيصر” على عنق الاستثمار الإيراني عبر هذه الاتفاقية، أم سيربح الرهان الإيراني الضعيف ببقاء إيران في المربع السوري؟ الأيام القليلة المقبلة ستجيب عن هذا السؤال المشروع.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي