تعا تفرج
العصفورية العربية السورية
خطيب بدلة
دخل الكاتب المخضرم إلى رحاب العصفورية العربية المتحدة غصبًا عنه. احتج على سدنتها زاعمًا أنهم لم يحترموا رغبته في أن يبقى حرًا. ضحكوا وقالوا: طز بحضرتك، هل كنا نحترم حاجاتك الأساسية حتى نحترم رغباتك؟ ثم إن العصفورية ليست سجنًا، بالعكس، هنا تستطيع أن تعبر عن أفكارك بحرية، ولا تُؤاخذ، لأنك مجنون.
قال الكاتب: مجنون أو عاقل، هذا شأني. مرة أخرى ضحكوا، وقالوا له: منذ متى والمواطن العربي يُترك وشأنه؟ ولاك حقير، ما هذا الذي تكتبه على صفحتك؟ قال: أكتب رأيي وما أعتقد به. قالوا: ولكنك تهاجم الدين. لماذا تهاجم الدين ولاك كَوّاد؟
الكاتب المخضرم المجنون متأكد من أنه لم يهاجم أي دين أو عقيدة خلال حياته. ولكن ما سمعه من سدنة العصفورية ذَكّره بالأسئلة التي يوجهها جلادو المخابرات للمعتقلين في اليوم الأول. ثمة شاب عاقل، علمه أبوه كيف يمشي بجوار الحائط ويقول “يا رب سترك”، ولكنه اشتهى، ذات مرة، أن يطلع في مظاهرة، طلع. هتف مع المتظاهرين “سوريا لنا ما هي لبيت الأسد”. شعر بسعادة لا توصف. بعد قليل راحوا يهتفون “قائدنا للأبد سيدنا محمد”. ردد معهم الهتاف، ولكنه صار يفكر، أنْ كيف يكون نبينا محمد الذي بُعث رحمة وهدى للناس، وليتمم مكارم الأخلاق قائدًا للأبد؟ كان نبينا يقول لنا أنتم أعلمُ بشؤون دنياكم، ويؤكد أنه بشر، يعيش ويموت كالبشر، فكيف يبقى قائدنا إلى الأبد؟ وقبل أن يستفيق الشاب من شروده، وقع بأيدي عناصر المخابرات، وراحوا يضربونه ويسألونه: وين مخبي السلاح ولاك كر؟
اكتشف أنهم لا يسألونه ليعرفوا إن كان لديه سلاح أم لا، ولكن، بحكم العادة. التعذيب يحتاج إلى خلفية، موسيقا تصويرية، طاق طاق طاق ثلاثون عصا ضمن الدولاب، ويتذكر الجلاد الخلفية فيسأله: مين أمير جماعتك السلفية؟ ولا ينتظر الجواب، طاق طاق طيق. عبثٌ لا يشبهه سوى عبث المجانين في العصفورية عندما يطلبون من النزيل الجديد حل مسألة حسابية: ذقنيف ونصف، زائد نصف ذقنيف؟ فإذا قال “ذقني فين؟” يقولون له وهم يضحكون: ذقنك في طيـ..!
أنا لست ضد الدين، ولكنكم متسلحون بمخبرين مثل مخبري آل الأسد. أي واحد يناقش مسألة لا تعجبهم يسارعون إلى “جَظّ” تقرير بحقه على أنه معادٍ للدين! قالوا: ولكنك حكيت عن رجل أمضى حياته وهو يكتب القرآن بخط يده. تفضل. أجب.
قال الكاتب: في القرن التاسع عشر، ونصف القرن العشرين، كان حفظ القرآن الكريم مفتاحًا للعلم عند الفتى الذي يريد أهله أن يدخل إلى عالم الأدب والمعرفة والثقافة. ولكن، اليوم إذا دخلت إلى “جوجل” وكتبت كلمة واحدة من آية كريمة يعطيك المحرك مئة نتيجة تتضمن الآية الكريمة مع شرحها، مع أسباب نزولها. فهذا الرجل الذي أمضى حياته وهو يكتب القرآن بخط يده بماذا يفيدنا إذا كان في متناول أيدينا عشرات المصاحف المكتوبة بخط أحسن الخطاطين والصَحَّافين عبر العصور؟ كل ما أريده يا أخي أن نستخدم طاقات عقولنا بما نحتاجه فعلًا. فهل هذا كفر؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :