أثارت حادثة حريق منشأة “نطنز” النووية في إيران، في 2 من تموز الحالي، فرضيات مختلفة حول أسبابها والمسؤولين عنها، في ظل استمرار تصريحات مسؤولين حول العالم والبحث في القضية.
وقال رئيس السلطة القضائية الإيرانية، آية الله رئيسي، اليوم الاثنين 6 من تموز، إن بلاده تتابع التحقيق في حادثي حريق مستوصف “سينا أطهر” بطهران ومجمع “نطنز” لتخصيب اليورانيوم في أصفهان، ومحاسبة المقصرين.
وجاء ذلك خلال اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي نقلته وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، وأكد فيه رئيسي إيعازه إلى الأجهزة المعنية بمحاسبة المديرين الذين لم يقوموا بمسؤولياتهم في هذين الموقعين وفقًا للقانون.
بدوره، أكد رئیس “منظمة الطاقة الذریة الإيرانية”، علي أکبر صالحي، أن “سیناریوهات مختلفة لحادث نطنز قید التحقیق، وسنعلن النتائج المؤکدة قریبًا”، بحسب وكالة “إسنا” الإيرانية.
ووفقًا لصالحي، فقد أجرت فرق من الخبراء في مختلف وحدات الأمن والاستخبارات التحقیق في جميع الجوانب، وحدد المجلس الأعلی للأمن القومي سبب الحادث، ولكن لم يعلن عنه لأسباب أمنیة.
فرضيات الحادثة.. إسرائيل وأمريكا متهمتان؟
قال رئيس منظمة الدفاع المدني الإيراني، غلام رضا جلالي، في 4 من تموز الحالي، إن “طهران لا تستبعد أن يكون عملًا تخريبيًا من قبل مجموعات المعارضة، أو هجومًا سيبرانيًا من قبل أمريكا التي تقف وراء عدة أحداث وقعت مؤخرًا في إيران”.
وفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي، أكد جلالي أن “الجزء الأكبر من الحوادث التي حصلت في قطاع الطاقة خلال الآونة الأخيرة كانت ناجمة عن عدم مراعاة قواعد الأمان”، لكن جزءًا آخر يمكن أن يكون ناتجًا عن تحرك الجماعات المعادية “للثورة والعناصر المرتبطين بها، وربما العدو أيضًا يقف وراءها”.
وستتخذ إيران إجراءات متبادلة ضد أي دولة تتسبب في هجمات إلكترونية على المنشآت النووية الإيرانية، بحسب جلالي، الذي قال إن “إحدى القضايا المهمة في الهجمات السيبرانية هي إثبات أصل الهجوم ومرتكب الهجوم، وليس من السهل تحديد ما إذا كان الهجوم قد نُفّذ من قبل عدو معين أو دولة، أو إذا كان سببه فيروسًا ترك في الفضاء الإلكتروني”.
وأقر جلالي بصعوبة إثبات أصل الهجوم ومرتكبه، لأنه يتطلب تعاونًا دوليًا، وهذا التعاون غير محدد في العالم، لذلك في مثل هذه الحوادث، هناك المزيد من النقاش حول الاحتمال والشك، بحسب تعبيره.
وعن هذه التقنية قال جلالي، إن طهران تعتمد النهج الدفاعي وليس الهجومي في المجال السيبراني، لافتًا إلى امتلاك بلده القدرات الهجومية في هذا المجال، إلا أنها تستخدمها فقط في مجال الرد على الأعداء.
في حين نقلت صحيفة “نيويورك تايمز“، عن مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط وعضو في “الحرس الثوري الإيراني”، قولهما إن فرضية جديدة قائمة على زرع قنبلة داخل منشأة “نطنز” النووية، ولم يستبعدا أن تكون إسرائيل هي المسؤولة عن الهجوم.
وبحسب الصحيفة، فإن المخابرات الإسرائيلية أظهرت سلفًا قدرتها على ضرب قلب إيران، فقد اقتحمت مستودعًا في طهران عام 2018، وسرقت نصف طن من السجلات السرية التي توثق المشروع النووي الإيراني، وتمكنت من إخراج المستندات من البلاد.
وقدمت وكالة الاستخبارات الإسرائيلية حينها العديد من هذه السجلات لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مع أدلة أخفتها إيران عن المعدات والمواد الخام المحظورة.
وتتركز الشكوك في إيران بشأن المسؤولية عن الانفجار على إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تعهدتا بمنعها من تطوير أسلحة نووية.
وذكر عضو “الحرس الثوري”، في حديثه للصحيفة، أن إسرائيل والولايات المتحدة استخدمتا في الماضي هجمات إلكترونية لإلحاق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني، ولكن لم تعتمدا سابقًا على هذه الطريقة في الاستهداف.
أجهزة طرد مركزي ستبطئ العملية الإيرانية
برأي محللين أمريكيين وأوروبيين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز“، فإن منشأة “نطنز” تبدو موقعًا لأجهزة طرد مركزي متطورة كانت قيد التطوير، وهي أجهزة تدور بسرعة فائقة لتحويل اليورانيوم إلى الوقود النووي.
المتحدث باسم منظمة “الطاقة الذرية الإيرانية”، بهروز كمالوندي، أكد هذه النظرية أمس، الأحد 5 من تموز، بقوله إنه يمكن لهذا الحريق أن يبطئ تطوير طهران وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة على المدى المتوسط، مضيفًا أن طهران ستستبدل مبنى أكبر يحتوي على معدات أكثر تقدمًا بالمبنى المتضرر.
وأبلغ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 30 من حزيران الماضي، أن أجهزة الطرد المركزي المتطورة في إيران ستسمح للبلاد بتخصيب اليورانيوم حتى 50 مرة أسرع مما تستطيعه حاليًا.
وتعتبر إسرائيل والولايات المتحدة هذه الأجهزة تهديدًا لها، ما يزيد من الشكوك في احتمال وقوع هجوم متعمد على المنشأة، وفقًا لـ”نيويورك تايمز”.
وبحسب الباحث المساعد في مركز “جيمس مارتن” للدراسات في كاليفورنيا الأمريكية، فابيان هينز، فإن الضرر الذي لحق بـ”نطنز” ربما كان سيؤثر على الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي “إلى حد ما”.
عملية تجميع أجهزة الطرد المركزي وموازنتها ومعايرتها واختبارها معقدة حقًا، وبحسب الباحث، فإنها تحتاج إلى معدات متخصصة، وبالتالي فإن الضرر سيؤخر عمل الإيرانيين.
بعض الحوادث على الأقل كانت بسبب سوء صيانة البنية التحتية، ولكن وقوع حادثين على الأقل في مواقع استراتيجية، هما انفجار بمنشأة إنتاج صواريخ شرقي طهران، في 26 من حزيران الماضي، و”نطنز” حاليًا، يفتح التساؤل.
لكن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي، قال، في 3 من تموز الحالي، إن الخبراء حددوا السبب الرئيس للحادث، وسيعلنونه في الوقت المناسب لأسباب أمنية.
إسرئيل تنفي مسؤوليتها.. إيران لا تحافظ على منشآتها
نفت إسرائيل مسؤوليتها عن حادثة “نطنز” بحسب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، بيني غانتس، ووزير الخارجية، جابي اشكنازي.
وبحسب نتنياهو، فإنه “من الواضح أننا لا نستطيع الدخول في ذلك”.
وقال غانتس لراديو إسرائيل، “ليست كل حادثة تحصل في إيران مرتبطة بنا بالضرورة”، مؤكدًا أن كل هذه الأنظمة معقدة، ولديها قيود أمان عالية للغاية، وأضاف “أنا غير متأكد من أن الإيرانيين يعرفون دائمًا كيفية الحفاظ عليها”.
وردًا على سؤال عن “نطنز”، قال اشكنازي، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، أمس، إن إسرائيل لديها سياسة طويلة الأمد بعدم السماح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، مضيفًا، “نتخذ إجراءات من الأفضل تركها دون أن تُقال”.
“نطنز” ليست المرة الأولى.. وليست الأخيرة
وكان المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أعلن، في 2 من تموز الحالي، عبر وكالة “مهر” الإيرانية، أن “حادثًا” وقع في منشأة “نطنز” النووية لم يسفر عن إلحاق أضرار بالموقع النووي، ليعود ويؤكد تعرضها لأضرار مادية جسيمة.
وتبع حادثة “نطنز” حادثان صناعيان، في 4 من تموز الحالي، أثارا إلى جانب الحرائق والانفجارات في مواقع أخرى تكهنات بأن البلاد مستهدفة بحملة تخريبية منظمة برعاية دولية.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن الأضرار الناجمة عما نسبته السلطات الإيرانية إلى حريق في منشأة “نطنز” النووية أضخم بكثير مما سبق الكشف عنه.
واستهدف موقع “نطنز” لأول مرة في عام 2007، خلال حملة الحرب “السيبرانية” المعروفة باسم “الألعاب الأولمبية” التي تضمنت استخدام فيروس الكمبيوتر “Stuxnet”.
وأدى هذا الفيروس إلى تشفير التعليمات البرمجية، وتدمير المئات من أجهزة الطرد المركزي، من بين أضرار أخرى، ويُعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة هما مهندستا العملية.
كما ادعت إسرائيل أنها أحبطت هجومًا إلكترونيًا واسع النطاق خلال العام الحالي ينطوي على محاولة لإلحاق الضرر وإصابة أجزاء من إمدادات المياه في البلاد، وفقًا للمدير العام لـ”مديرية الإنترنت الوطنية الإسرائيلية”، ليغال أونا.
ولم يذكر أونا إيران كمشتبه بها، لكنه قال في أيار الماضي، “لو نجح الهجوم، ولحسن الحظ تمكنا من إحباطه ومنعه، لكنا سنواجه أزمة هائلة، وضررًا كبيرًا للغاية على السكان المدنيين، بنقص المياه وأشياء أخرى أسوأ”.
–