بعد أيام على اعلان الولايات المتحدة وتركيا اتفاقهما للقتال جنبًا إلى جنب ضد “الدولة الإسلامية”، وعلى عكس ما تتداوله التقارير الإعلامية، يصر مسؤولون أمريكيون أنه ليس لدى أمريكا أي خطة لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، بحسب مقال نشرته أمس صحيفة بلومبيرغ فيو الأمريكية.
نهج أمريكي غير منظم
واعتبر جوش روجن، كاتب المقال، أن هذا الخلط هو صورة مصغرة لنهج الولايات المتحدة غير المنظم بخصوص “الدولة الإسلامية”، وأن كل تصعيد تدريجي يجر واشنطن إلى الشأن السوري مدروس على نحو هزيل ويبرر بشكل أسوأ.
وإلى أن تقدر إدارة أوباما على التوفيق بين الأهداف المختلفة للائتلاف المعادي لـ “الدولة الإسلامية”، سيستمر الشركاء بالعمل على أساس المصالح المشتركة، وفق الكاتب الذي اعتبر أن قتال التنظيم في هذه الحالة هو الأولوية الأولى والوحيدة للولايات المتحدة؛ بينما الأولوية بالنسبة لتركيا هي حماية المدنيين من قوات الأسد، واجباره على التنحي في نهاية المطاف.
تصريحات متناقضة
وتناقضت تصريحات مسؤولين أمريكيين وأتراك الأسبوع الماضي عمّا إذا وافق البيت الأبيض على منطقة عازلة في سوريا، حتى أن صحفًا أمريكية كبرى نشرت خرائط مبدئية توضح المساحة التي ستغطيها المنطقة الآمنة.
إلا أن تصريحات 3 من كبار مسؤولي إدارة أوباما بيّنت أنه لا خطة أمريكية لمنطقة آمنة ولا لحظر جوي ولا منطقة عازلة إنسانية، ولا أي نوع من مناطق الحماية.
ونقلت الصحيفة عن المسؤولين القول بأنهم ليسوا بصدد البحث عن مناطق لتنفيذ ما نوقش منذ سنوات “ما نسعى لفعله هو القضاء على داعش”، داعين لعدم الخلط بين السعي للقضاء على التنظيم وبين مناطق “تحدد بلوحات طرقية وعلى رسوم الخرائط”.
وأكد المسؤولون الثلاثة خلال حديثهم إلى الصحافة يوم الثلاثاء أن العمليات هي لتطهير 68 ميلًا من الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا من تنظيم “الدولة”، ولا ذكر لحماية المدنيين والمناطق السكانية أو ضمان أن سلاح الأسد الجوي لن يستهدفها.
وبدأت هذه المعمعة في 23 تموز الجاري بإنكار جون ألان، الجنرال الأمريكي المتقاعد، أن تكون منطقة حظر جوي أساسًا ضمن محادثاته مع الأتراك، مؤكدًا أن “أساس الاتفاقية الجديدة بأنه يمكن الطيران الأمريكي استخدام قاعدة انغرليك لضرب أهدافه في سوريا والعراق”.
وجاء تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بعد يومين بأن المنطقة العازلة ستتشكل تلقائيًا بعد القضاء على خطر “داعش”. لتتوالى بعده المقالات في نيويورك تايمز وواشنطن بوست عن اتفاق أمريكي تركي لإقامة منطقة عازلة، بعضها أرفق خرائط تقريبية للمنطقة التي يفترض أنها ستحمي المدنيين من قوات الأسد، بينما لم تتحرك إدارة أوباما لدحض تلك الفكرة قبل يوم الثلاثاء.
غياب “اللاعبين”
ولم تدحض تصريحات المسؤولين الثلاثة التخمينات حول منطقة عازلة فحسب، بل أضافوا أن الجنود الأمريكيين والأتراك لن يتدخلوا لدحر “الدولة” على الأرض بل ستتولى المهمة فصائل سورية معارضة “معتدلة”، لم يحددها المسؤولون الثلاثة، ولكنهم أشاروا إلى توافق بين واشنطن وانقرة بشأنهم ما يقصي إمكانية استخدام قوات كردية، الأكثر فعالية في قتال التنظيم، ذلك أن الأتراك سيرفضون ذلك.
أما الجيش السوري الحر في الشمال، فقد تخلت عنه الولايات المتحدة بشكل كلي تقريبًا بعد أن تكبد خسائر جمة لصالح جهات أخرى منها جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، في حين تنشغل الفصائل المتبقية بالقتال في حلب ومحيطها، ولا يتوقع أن تكون قادرة على ضبط الحدود التركية بدون كم كبير من المساندة.
اللاعب الآخر العاجز عن سد الفجوة هم المجندون في برنامج البنتاغون للتدريب والتجهيز، الذي انطلق بعد تأجيلات متكررة واقتصر على 60 مقاتلًا.
ولم تقدم الولايات المتحدة وتركيا بعد إجابات رئيسية عن تفاصيل منطقتهم “المعادية للجهاديين”، مثل مكانها وكيفية إمدادها بالجنود وما سيحصل بحال استهدفتها هجمات الأسد؛ ويقول مسؤولون بأن البيت الأبيض يحاول اكتشاف ذلك الآن.
البيت الأبيض، بحال تعلم أي درس من الماضي، فسيتابع تركيزه على دحر “الدولة الإسلامية” فقط رافضًا مواجهة الأسد أو حماية المدنيين، كما أن الأتراك على دراية بذلك، وفق الكاتب، مضيفًا أنه على من أمضوا الأيام القليلة الماضية بالحديث عن منطقة عازلة في سوريا إدراك ذلك أيضًا.