عنب بلدي – علي درويش
خسر عبيدة الفاضل أحد مزارعي سراقب في ريف إدلب الشرقي، نحو 5500 دولار تكلفة زراعة أرض مساحتها عشرة هكتارات ونصف من حراثة وبذار وأسمدة، مع تقدم قوات النظام السوري وسيطرتها على أرضه.
وكان عبيدة يتوقع ربحًا يقدر بـ1500 دولار، بحسب ما قاله لعنب بلدي، لكنه لم يحصل على شيء منها، وخسر تكاليف الزراعة كافة، ما زاد معاناته في رحلة النزوح باتجاه الحدود السورية- التركية.
لم تقتصر خسارة المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا، منذ مطلع عام 2019، على تقلص رقعة نفوذها، إذ أثر تقدم النظام السوري في هذه الأراضي اقتصاديًا على المنطقة والعاملين فيها بشكل سلبي.
وشكل ذلك خطرًا على الأمن الغذائي في مناطق سيطرة المعارضة، مع خسارة نحو ألفين و300 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، وبقاء ألف و500 كيلومتر مربع لمصلحة المعارضة (خسارة نحو 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة).
هذه الأرقام للأراضي الزراعية جزء من مساحة تقدم النظام إليها تقدر بنحو ثلاثة آلاف و140 كيلومترًا مربعًا، منذ 27 من آب 2019، بحسب إحصائية لمركز “نورس للدراسات” في شمال غربي سوريا، أفاد بها عنب بلدي.
وفي معركة تلو أخرى استطاع النظام، مدعومًا بميليشيات رديفة وقوات روسية، قضم مناطق سيطرة المعارضة، ليتوقف تقدمه بعد توقيع الاتفاق الروسي- التركي، في 5 من آذار الماضي.
مزارعون يخسرون محصولهم بالكامل
يعتمد الأهالي في مناطق شمالي وشمال غربي سوريا على الأراضي الزراعية بالدرجة لأولى لتحصيل مواردهم الاقتصادية، وما يضاف إليها من بعض الصناعات الصغيرة التي تعتمد على المحاصيل الزراعية، لأنها مناطق زراعية بامتياز، سواء مناطق ريف حماه الشمالي أو إدلب الملقبة أصلًا بـ”الخضراء”، أو أرياف حلب، بحسب ما تحدث به الباحث الاقتصادي خالد تركاوي لعنب بلدي.
وبالنظر إلى صور الأقمار الصناعية للمناطق التي سيطر عليها النظام، يتضح وجود كتلة سكانية محدودة فيها، بينما تغلب عليها الأراضي الزراعية.
ولذا تعد الزراعة المورد الرئيس لهذه المنطقة، إلى جانب قطاع النقل، في منطقة حدودية كإدلب وحلب، ما يعني وجود قطاعات اقتصادية تستند إلى الزراعة، كبرادات لتخزين المواد الغذائية (خاصة المنتجات الزراعية)، وسيارات نقل البضائع عبر المعابر، حسب تركاوي.
المزارع عبيدة الفاضل قال لعنب بلدي، إن معظم أهالي سراقب كانوا ينتظرون موسم الحصاد لتأمين المدخول لعائلاتهم، لكنهم اليوم عزفوا عن الزراعة في مناطق النزوح، أو استبدلوا محاصيل لا تعتمد على الري بمحاصيلهم الأساسية، بسبب غلاء المازوت المستخدم في تشغيل “غطاسات” سحب المياه من الآبار الارتوازية.
يقتصر عبيدة حاليًا على زراعة الشعير، لأن تكلفة زراعة كل هكتار 450 دولارًا، أما تكلفة زراعة هكتار من القمح فتقدر بـ525 دولارًا، بسبب حاجته للسقاية مرتين أو ثلاث مرات حسب الهطولات المطرية.
بينما تحوّل أهالي المناطق من زراعة القطن والخضراوات بشكل عام، إلى زراعة الشعير والكمون والحبة السوداء والفول، لأنها لا تستهلك المياه بشكل كبير، إذ تُزرع في الشتاء.
الثروة الحيوانية في خطر
خسارة المساحات الزراعية أثّر أيضًا على تربية المواشي في المنطقة، فبعد المعارك وموجات النزوح، انتقلت هذه التربية من المناطق التي تعرضت للقصف إلى المناطق الأكثر أمنًا، وبالتالي تجمعت في مناطق ومراعٍ أضيق، بعدما كانت المناطق الممتدة من شرق معرة النعمان إلى جبل شحشبو جنوبي إدلب تتميز بمراعيها واتساع مساحتها، بحسب ما قاله محمد خير الحمد، وهو تاجر أغنام في محافظة إدلب، لعنب بلدي.
وأوضح التاجر أنه بعد تجمع عدد كبير من المواشي في مساحات أقل، اضطر التجار إلى بيعها “بأقل الأسعار”، ما أدى إلى بيعها لتجار هرّبوها إلى مناطق سيطرة النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وقسم منها توجه عبر التهريب إلى العراق.
كما نتج عن تراجع مساحة الأراضي الزراعية انخفاض في كميات إنتاج العلف (الشعير والتبن)، ومع انخفاض اعتماد الغنم على المراعي (بسبب ضيقها) في غذائها، تعتمد بشكل أكبر على العلف وبالتالي ترتفع تكاليف تربيتها.
وأشار التاجر إلى أن سعر طن الشعير يتراوح حاليًا بين 400 و500 ألف ليرة سورية (الدولار يقابل 2500 ليرة)، والتبن بين 100 و125 ألف ليرة، بينما كان سعر طن الشعير في عام 2019 (قبل خسارة الأراضي) 80 ألفًا.
خسارة الأراضي ليست سببًا وحيدًا
لم تكن خسارة الأراضي لمصلحة النظام السوري سببًا وحيدًا في الخسائر الاقتصادية لمناطق المعارضة، فهناك العديد من الأراضي الزراعية احترقت إما عمدًا أو من خلال القصف أو الحرق قبل المعارك أو بعد هدوئها.
كما أن جزءًا من الأراضي لم تُزرع نتيجة المعارك، أو استهداف المزارعين، إضافة إلى عدم استطاعة بعض الأهالي الدخول إلى أراضيهم نتيجة مخلفات المعارك، حسب الباحث خالد تركاوي.
وقُتلت طفلة في بداية تموز الحالي، جنوب مدينة تادف التابعة للباب شمال شرقي حلب، نتيجة استهدافها برصاصة استقرت في رأسها مصدرها قوات النظام، خلال قطاف بعض الحشائش المستخدمة في الطبخ من الأراضي الزراعية في المنطقة، بحسب ما أفاد به مراسل عنب بلدي في الباب.
كما قُتل شاب يعمل “مياومة” في الأراضي الزراعية بريف إدلب الشرقي بعد استهدافه بطلقات قناصة، خلال عمله على مقربة من خطوط التماس، في 18 من حزيران الماضي.
هل من حلول لتعويض الخسائر
أوضح الباحث خالد تركاوي أن صاحب الأرض الذي يريد زراعة أرضه في ظل التهجير وضعف الموارد الاقتصادية، يواجه مشكلة كبيرة، لذلك فهو لا يريد الربح، إنما فقط يريد تأمين طعامه وشرابه.
ومن الصعب أن تعوّض الأرض بسهولة لأنها تحتاج إلى رأس مال ضخم، لكن لا تزال هناك مساحة جيدة في مناطق المعارضة بحاجة إلى الاستقرار المتمثل بأمان المزارع على نفسه، وعدم حرق الأرض أو قصفها أو الاستيلاء عليها من أي جهة، أو السيطرة على مواردها، وهو ما يؤهلها لإنتاج جيد مجددًا، بحسب تركاوي.