د. أكرم خولاني
تنوعت أساليب الحمية الغذائية، وتعددت أنظمتها، ولعل أبرز الحميات التي ظهرت ودرجت خلال السنتين الأخيرتين، ولاقت إقبالًا كبيرًا وشهرة واسعة بين الناس، هي حمية “الكيتو” (Keto Diet)، وذلك لنتائجها المبهرة في مجال الصحة والتغذية، فهي تنقص الوزن بطريقة صحية وفعالة، وتعالج العديد من المشكلات المرضية، لذلك فإننا سنعرّف في عددنا الحالي بحمية “الكيتو” وأهم فوائدها وأضرارها، وسنتابع في العدد المقبل للتعريف بطريقة اتباع حمية “الكيتو”، والأطعمة المسموحة والممنوعة، والآثار الجانبية التي قد تحدث نتيجة اتباع حمية “الكيتو”.
ما هي حمية “الكيتو”
حمية “الكيتو” هي نظام غذائي يعمل على تزويد الجسم بالطاقة من خلال الدهون بدلًا من الكربوهيدرات، حيث تكون القيم الغذائية: 70-80% دهون، 20- 25 بروتين، 5-10 كربوهيدرات، لذلك فإن هناك مسميات أخرى تطلق على حمية “الكيتو”، مثل حمية الكربوهيدرات القليلة، أو حمية الكربوهيدرات القليلة والدهون العالية.
وقد سمي هذا النظام الغذائي حمية “الكيتو” نسبة إلى “الكيتونات”، وهي جزيئات صغيرة تنتج عن حرق الدهون ويستخدمها الجسم لتزويده بالطاقة عند عدم توفر الغلوكوز الذي ينتج عن حرق الكربوهيدرات، لذلك عندما يكون محتوى الطعام قليل الكربوهيدرات، ويكون الاعتماد الأساسي على البروتينات والدهون، يحدث انخفاض كبير في مستويات السكر (الغلوكوز) في الدم، ما يقلل من إفراز الأنسولين، ولذلك يعمل الكبد على إنتاج الكيتونات من الدهون لاستعمالها كمصدر للطاقة لوظائف الجسم الحيوية للأعضاء المختلفة، خصوصًا وظائف المخ، ويؤدي ذلك إلى حرق المخزون القديم من الدهون، وهذا هو المفتاح السحري لفقد الوزن الزائد في حمية “الكيتو”.
المحصلة النهائية من حمية “الكيتو” هي جعل الجسم في حالة استقلاب مستمر للدهون من خلال منع تناول الكربوهيدرات وليس من خلال التجويع، وهذا ما يميز حمية “الكيتو”، أن الشخص لا يشعر بالجوع ولا يحسب السعرات الحرارية في طعامه، وطالما أنه يأكل عندما يشعر بالجوع فسوف يثبت الوزن عند حد معين هو الوزن الطبيعي للجسم.
وبشكل عام، تتمثل الدهون الصحية التي يسمح بها في حمية “الكيتو” باللحوم الحمراء، والدواجن، والبيض، والأسماك، كما يتضمن نظام “الكيتو” تناول الزبدة وأنواع الجبن المختلفة ولكن بنسب محدودة، بالإضافة إلى الخضراوات المنخفضة الكربوهيدرات كالخضراوات الورقية مثل الملفوف والسبانخ، وكذلك يمكن تناول المكسرات والفاكهة، ويمكن إضافة زيت الزيتون أو زيت جوز الهند للطعام.
وفي المقابل، يقوم النظام على عدم تناول الأرز، والمعكرونة، والقمح، والذرة، والبطاطا، والسكريات مثل الحلوى، والمشروبات الغازية، والعصائر غير الطبيعية، والفواكه المجففة والمعلبة، و”الآيس كريم”، وغيرها.
ما فوائد حمية “الكيتو”؟
· إنقاص الوزن: يساعد نظام “الكيتو” على إنقاص الوزن خلال 3- 6 أشهر، فهو يؤدي لاستخدام الدهون المخزنة في الجسم كمصدر للطاقة بشكل أساسي، وينتج عن حرق الدهون نقص الوزن، وهذا يعطي نتائج أكثر في إنقاص الوزن بالمقارنة مع الحميات الأخرى التي تعتمد على تقليل استهلاك الدهون، ومعظم الأشخاص يفقدون من كيلوغرام إلى اثنين في الأسبوع الأول، وبعد ذلك يفقدون نصف كيلوغرام بشكل أسبوعي.
- الراحة للمعدة والأمعاء: يؤدي اتباع نظام “الكيتو” إلى معدة أكثر هدوءًا، وغازات أقل، وفي كثير من الأحيان قد لا يكون هناك أي غازات، وكذلك تختفي التشنجات والآلام الموجودة في المعدة والقولون، وعادة ما تتم ملاحظة هذه الميزة خلال يومين من اتباع الحمية.
- ضبط مستويات السكر في الدم: بشكل طبيعي يحدث خفض مستويات السكر في الدم عند تناول طعام منخفض الكربوهيدرات، كما أن إنقاص الوزن يؤدي إلى زيادة الحساسية على الأنسولين، وبالتالي يحدث انخفاض بمستويات سكر الدم عند مرضى النمط الثاني من الداء السكري.
- زيادة التركيز الذهني: الكيتونات عبارة عن مصدر لتغذية الدماغ، لذلك فإنه عند تقليل تناول الكربوهيدرات يتجنب الجسم أي زيادة في سكر الدم، وهذا يؤدي إلى زيادة تشكل الكيتونات وبالتالي تحسين كفاءة التركيز العقلي.
- زيادة الطاقة والتخلص من الشعور بالجوع: من خلال إعطاء الجسم ما يحتاجه من طاقة تجعله يشعر بالنشاط والحيوية خلال اليوم، ومن أهم ما يميز حمية “الكيتو” أنها مع الوقت تستطيع أن تكبح شعور الجوع لفترات طويلة.
- التحكم في نوبات الصرع: استخدمت حمية “الكيتو” منذ سنة 1920 في علاج الصرع بنجاح، وما زالت إلى الآن تستخدم لعلاج الأطفال المصابين بالصرع، ومن أهم المزايا أنها تسمح باستخدام كميات أقل من الأدوية وكفاءة أكثر في التحكم بنوبات الصرع.
- الوقاية من ضغط الدم وأمراض القلب: وجد أن “الكيتو” يعمل على تحسين مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية، إذ إن الوجبات التي تعتمد على دهون أكثر وكربوهيدرات أقل تؤدي إلى زيادة في مستويات الكوليسترول الحميد (HDL)، وانخفاض في مستويات الكوليسترول الضار (LDL)، وهذا يقلل من فرص الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والفشل القلبي، وبعض حالات أمراض القلب الأخرى.
- الوقاية من حب الشباب وظهور البثور: حيث ارتبطت الكربوهيدرات دائمًا بظهور مشاكل البشرة ومنها حب الشباب، لذلك تقليل تناول الكربوهيدرات في حمية “الكيتو” وقلة إفراز الأنسولين (الذي بدوره يحفز المزيد من الهرمونات الأخرى) يساعد على تجنب مشاكل البشرة، ولكن أيضًا لا توجد أبحاث كافية لتثبت هذا الأمر.
- الوقاية من السرطان: في حمية “الكيتو” لا يتم إفراز الأنسولين بصورة كبيرة، وهذا يبطئ نمو الخلايا السرطانية، ولكن ما زال هناك حاجة للمزيد من الأبحاث حول هذا الأمر.
- علاج تكيس المبايض: تسهم حمية “الكيتو” في إعادة مستويات الأنسولين إلى المعدل الصحي عن طريق التقليل من مقاومة الأنسولين وانخفاض مستويات سكر الدم، ما يؤدي إلى قلة إفراز الأنسولين، وهذا يسهم في علاج متلازمة تكيس المبايض، ولكن مع تغيير نظام المعيشة أيضًا وممارسة التمارين الرياضية.
هل لحمية “الكيتو” أضرار؟
نعم، لحمية “الكيتو” بعض الأضرار المحتملة، وأهمها:
- أمراض القلب والأوعية: لأن حمية “الكيتو” هي نظام غذائي يعتمد في الأساس على الدهون بنسب عالية، فإنه من غير المستبعد إطلاقًا زيادة الكوليسترول الضار في الجسم، ما يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب.
- مشاكل بالكبد: فمع كمية الدهون التي تتناولها والتي تطلب من الكبد أن يتعامل معها ليحللها، فإنه من الممكن جدًا لنظام “الكيتو” أن يسبب مشاكل كثيرة لمن يعاني من أي مرض بالكبد.
- الإصابة بالإمساك: نتيجة قلة تناول الأطعمة الغنية بالألياف والبقوليات.
- سوء التغذية: ويحدث نتيجة لعدم التوازن في تناول العناصر الغذائية لعدم تمكن الشخص من تناول كل أنواع الخضراوات والفواكه والحبوب، فيفقد جسمه كثيرًا من الفيتامينات والأملاح المعدنية المهمة لقيامه بوظائفه الحيوية.
- كذلك فإن قلة تناول الكربوهيدرات تؤدي إلى تكون حصوات الكلى أو ارتفاع نسبة الأحماض في الجسم (الحماض).
هل حمية “الكيتو” مناسبة للجميع؟
تعتبر حمية “الكيتو” آمنة لأغلبية الناس، عدا الفئات الثلاث التالية:
- مرضى النوع الأول من السكر.
- مرضى ضغط الدم المرتفع.
- الحوامل والمرضعات.
ولأنه ليس هناك نظام غذائي مناسب لكل البشر، فالأجسام تختلف في ردود فعلها عند دخول المكونات الغذائية، إلى جانب عوامل أخرى تؤثر في تقبل الجسم لأي نظام غذائي، لذا فمن الواجب تجريب ومراقبة آثار حمية “الكيتو” لكل شخص على حدة، لتقرير التوقف عن هذا النظام أو الاستمرار به، علما أن هناك عدة أعراض جانبية عادة ما تظهر عند معظم الناس عند اتباعهم حمية “الكيتو”، لكنها تتراجع خلال بضعة أيام، وهذا ما سنتعرف إليه في العدد المقبل.