عنب بلدي – ريف حلب
“تشوهت وجوه أطفالي”، بهذه الكلمات عبّر عبيد العناد النازح في مخيم “حذيفة بن اليمان” المجاور لبلدة الدانة في محافظة إدلب، عن ألمه لإصابة خمسة من أطفاله بطفيلي “الليشمانيا”.
وتابع عبيد قائلًا لعنب بلدي، “في البداية أُصيبت ابنتي حياة البالغة عشر سنوات بأكثر من 30 حبة ليشمانيا في وجهها، حُقنت على إثرها بخمسين حقنة عضلية، بين مستوصف الدانا ومستوصف التوامة والفرق الطبية المتنقلة في المخيمات”.
وأضاف متحسرًا، “انتهى العلاج وتشوه وجه ابنتي وظننت أن الأمر قد انتهى، وإذ بأطفالي الأربعة يصابون تباعًا بهذا الطفيلي، بين كل طفل وآخر أقل من شهر”.
المصابون بالآلاف
أطفال عبيد هم جزء من آلاف المصابين بـ”الليشمانيا” أو ما يُعرف محليًا بـ”حبة السنة” أو “حبة حلب”، فبحسب المدير الطبي لمنظمة “منتور” العالمية المتخصصة في مكافحة المرض، والعاملة في الشمال السوري، محمد عمر، بلغ عدد الإصابات 40 ألفًا، 25 ألف إصابة منها في إدلب، و15 ألفًا في بقية مناطق الشمال السوري.
وأشار عمر إلى أن هناك ما يقارب 15 ألف إصابة بـ”الليشمانيا” متفلتة من العلاج بسبب النزوح، وبهذا يكون إجمالي الإصابات التي أحصتها المنظمة 55 ألفًا.
وإضافة إلى الطفح الجلدي والحبوب، تتسبب بعض الإصابات بمرض يسمى “الليشمانيا الحشوية”، وهو مرض مميت يُصيب الكبد والطحال ونقي العظام، ويبلغ عدد إصاباته 70 إصابة سنويًا، ويُعرف باسم داء “الكالا آزار” أو “الحمى السوداء”، بحسب عمر.
ولا تواجه المنظمة، وفق مديرها الطبي، أي معوقات أو صعوبات في تقديم الخدمات سوى عدم التزام المريض بالعلاج والتعليمات، إذ تملك فريقًا طبيًا، وفريقًا وقائيًا، وفريقًا توعويًا، وآخر تقييميًا.
ظروف بيئية وصحية
عزا رئيس الرعاية في محافظة إدلب، الدكتور حسن قدور، السبب الرئيس لزيادة انتشار “الليشمانيا” إلى الظروف الصحية التي رافقت الحرب، وأهمها عدم وجود صرف صحي في كثير من المناطق، وخاصة في المخيمات.
ولا ينكر عبيد العناد دور المنظمات والمراكز الصحية في تقديم الخدمات العلاجية والرعاية الصحية للمصابين، ولكنه أشار إلى عدم وجود جهود للوقاية من المرض قبل الإصابة به، فلم تُرش المبيدات، ولم تُغلق مجاري الصرف الصحي المكشوفة، وهي المسبب الرئيس لهذا الطفيلي، بحسب قوله.
أما بالنسبة لريف حلب الشمالي، فحدد معاون رئيس “مديرية صحة حلب الحرة”، رضوان حروق، لعنب بلدي، أسباب انتشار “الليشمانيا”، بصعوبة وصول المصابين إلى مراكز الصحية، وعدم قدرتهم على تأمين تكلفة النقل من مخيماتهم إليها، إضافة إلى عدم التزام المصابين بالعلاج وتنقلهم في أثنائه.
وأضاف حروق أنهم كانوا يعانون سابقًا من عدم توفر دواء “غليكانتيم” الخاص بعلاج “الليشمانيا”، أما الآن فيعانون من عدم قدرتهم على إجراء إحصاء دقيق لعدد المصابين، بسبب تنقلهم المستمر.
وأكد حروق أن المديرية شكلت فريقًا طبيًا ميدانيًا لمعالجة المصابين في المخيمات كحل إسعافي سريع، كما فعّلت التعاون مع منظمة “منتور” المسؤولة عن علاج “الليشمانيا” في الشمال السوري.
خطر الانتشار
يواجه شمال غربي سوريا انتشارًا لوباء “الليشمانيا”، وتحتاج المجتمعات المحلية إلى رفع الوعي بوسائل منع انتشار الوباء وطرق السيطرة عليه، مع الحاجة إلى زيادة عدد الكوادر والمواد الصحية للتعامل مع “الليشمانيا”، بحسب تقرير لمكتب “تنسيق الشؤون الإنسانية” التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، صادر في 12 من حزيران الماضي.
وذكر التقرير أن 4.1 مليون شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، 2.8 مليون منهم بحاجة إلى المساعدة، و2.7 مليون نازحون داخليًا.
وأشار إلى أن 60% ممن هم بحاجة بالغة للماء النظيف تم الوصول إليهم، بينما بقي 1.3 مليون شخص بلا ماء نظيف، ويعتمد 45% من سكان إدلب على شاحنات الماء للشرب فقط، و65% يعتمدون عليها إلى جانب الماء الذي يصلهم عبر الشبكات، و33% من المجتمعات في المنطقة تمتلئ فيها القمامة في الطرقات، ما يزيد فرصة انتشار المرض.
وينتشر طفيلي “الليشمانيا” في مناطق محددة من العالم، منها مستنقعات البرازيل، وفي شرقي آسيا، وفي مدينة حلب على طرفي نهر “قويق”، ويُعرف عالميًا ضمن القواميس الطبية باسم (Bouton d Alep)، أي “حبة حلب”، وتنتقل العدوى من خلال حشرة الناموس كناقل للطفيلي.