“خلل”.. سينما بموجب الوراثة
نبيل محمد
لا يبتعد حضور الفنان السوري السدير مسعود الفني، مخرجًا وكاتبًا وممثلًا، خارج صورة العائلة الفنية السائدة في سوريا، التي طالما كانت مثارًا للنقد، لا بكونها حالة استثنائية غير موجودة في بلدان أخرى، فمن المعروف أن أسرًا فنية كثيرة موجودة في دول أخرى بعضها دول تمتلك قوانين محترمة وبنية دولة مدنية لا كسوريا، لكن الاستثناء في الحالة السورية هو الكثافة، فيكاد يكون وجود ممثل فرد من عائلة ما نادرًا، كما وجود عدة أفراد يعملون في الفن من عائلة واحدة هو أمر مكرّس، بمعنى ليس الأب والابن فقط، بل ربما الأب وأولاده وإخوته، ولعل لجيرانه أيضًا نصيبًا من مهنته، التي لن يبخل بفتح أبوابها لأبناء أسرته، وهي التي تدر عليه ما تدره من عطاء مادي وشهرة.
السدير الذي عُرف بشكل أوسع مؤخرًا من خلال دوره في المسلسل الذي يلعب بطولته والده غسان مسعود “مقابلة مع السيد آدم”، عمل مخرجًا سينمائيًا في شريطين من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، أولهما “المخاض” عام 2017، الذي كتبته أخته لوتس مسعود، ولعب أحد أدوار بطولته الوالد غسان مسعود، أما آخر أعماله كمخرج فكان الفيلم القصير “خلل” الذي عُرض خلال عام 2019، وهو أيضًا من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، التي فتحت أبوابها لسدير من منطق القطاع العام في استيعاب كل من يمت بصلة لمسؤوليه ومتنفذيه لإتاحة الفرص لهم، حتى وإن كانت متاحة في قطاعات أخرى.
فيلم “خلل” مؤلف من عدة مشاهد قصيرة ممتدة على ثماني دقائق، يستكمل خطة المؤسسة العامة للسينما في صناعة الخطاب نفسه الذي يترجم رواية النظام السوري لكل ما يحدث في البلاد خلال تسع سنوات إلى سينما، فتكون هذه الترجمة تارة طويلة رومانسية بكاميرا عبد اللطيف عبد الحميد، أو مجهولة الهوية الفنية عبر جود سعيد، أو حربية بكاميرا نجدة أنزور، أو قصيرة سريعة تحاول حشو العبرة حشوًا في أذهان وأعين الجمهور كما في شريط “خلل”، الذي يروي قصة سقوط قذيفة في إحدى المدارس بدمشق، فيركض أبوان للاطمئنان على سلامة ابنتيهما، أحدهما يعمل في فرن والآخر سائق “تاكسي”، فيحدث “الخلل” في سيارة “التاكسي” الذي يودي بحياة الطفلة التي نجت لتوها من القذيفة.
لا يختلف الشريط عن غيره مما قُدّم في المرحلة الأخيرة عبر معامل المؤسسة العامة، فما على المخرج سوى اختيار حدث دامي، وترجمته كما شاءت السلطات، وإضافة بعض التقنيات السينمائية عليه، ليكون في يديه فيلم قادر على أن يجوب المهرجانات، مع تمرير بعض العبر ومحاولة ترميز كل ما هو مباشر فج، كأن يأتي خبر الانفجار قرب المدرسة على شريط عاجل في شاشة تعرض مسرحية “كاسك يا وطن” يصيح فيها دريد لحام “لنفرض أنا بعدت عن الوطن لبعيد، مشكلتي إنو الوطن ما ببعّد عني…”، وبالتأكيد لا بد من مشهد دموي مليء بالجثث والأشلاء والدم والنار والدخان والصراخ، المشهد الذي لا بد أن مرت به دمشق كثيرًا إثر سقوط قذائف فيها أودت بحياة مدنيين لا ذنب لهم، لكن استثمار هذه القضية إعلاميًا وفنيًا جاوز أي قضية أخرى يستثمرها النظام بمؤسساته الإعلامية وأدواته من فنانين ومخرجين كآل مسعود مثلًا.
كأسرة مسعود هناك عشرات الأسر، يجد ابنها مكانها محجوزًا أمام الشاشة، سواء بمؤهلات أو دونها (لدى السدير مؤهلات أكاديمية كما يظهر من سيرته)، يجد منحة في المؤسسة العامة للسينما لينتج لها فيلمًا قصيرًا لا يحوزه أي مختص أو موهوب بسهولة، ويجد دور بطولة في مسلسل أو عمل مسرحي، ويجد صحافة تمجّد موهبته، ومؤسسة تمنحه الجوائز. كل ذلك نتيجة أنه “نجم بعيون البابا”، هذا المؤهل قادر على أن يصنع كل شيء في بلاد تورّث الحكم والرتبة العسكرية والمنصب والموهبة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :