في أهمية بناء وترسيخ وعي مجتمعي بالتعاطي الإيجابي مع ملف حماية حقوق الملكية العقارية
غزوان قرنفل
يؤشر ضعف الاستجابة مع المنصة الإلكترونية لتوثيق ممتلكات النازحين واللاجئين السوريين، التي أطلقها “تجمع المحامين السوريين” بتاريخ 14 من شباط 2018، ضمن مشروعه “رد المساكن والممتلكات العقارية للاجئين والنازحين السوريين”، وهو المشروع الثاني الذي تباشره تلك المنظمة الحقوقية التي أولت الملف العقاري اهتمامًا مبكرًا، إلى نقطتين مهمتين باعتقادنا: الأولى هي انخفاض منسوب الوعي المجتمعي بأهمية توثيق الحقوق والممتلكات العقارية، ربما لوجود اعتقاد أنه ثمة حماية قانونية لتلك الملكيات، وأن الأولوية الآن هي دعم مسار التغيير، ومن ثم معالجة كل الإشكاليات الأخرى فيما بعد، والثانية ربما تتعلق بضعف أداء المنظمة في آليات التعاطي مع هذا الملف وإظهاره إعلاميًا بما يجعله استحقاقًا ذا أولوية خاصة لدى جموع النازحين، الذين أُجبروا على مغادرة مناطقهم وأماكن سكناهم، تحت وطأة العمليات العسكرية الجنونية، التي لم تميز بين مدنيين ومقاتلين، ولا بين مساكن وأعيان محمية وبين مناطق عمليات عسكرية، فجرفت الجميع بلا مبالاة للآثار والنتائج.
منذ أواخر 2013، بدأ “تجمع المحامين السوريين” العمل على حماية وثائق الملكية العقارية والوثائق الرسمية الأخرى المتعلقة بالأوضاع القانونية والأحوال المدنية للسوريين، من خلال برنامج “التوثيق الوطني”، وتصوير تلك الوثائق وحفظها بشكل رقمي، وتمكن من تصوير وحفظ ما يزيد على مليون و700 ألف صورة رقمية تتعلق بالسجلات العقارية والوثائق الرسمية الأخرى… وبطبيعة الحال لم يكن هذا العمل الذي استمر حتى نهاية 2018 سلسًا وسهلًا، إذ واجهت فرق العمل كثير من العقبات والمعوقات المختلفة التي صعّبت وحالت دون إنجاز كثير مما كان يمكن إنجازه، ومع ذلك فإن لدينا من العزيمة والإمكانات الميدانية والتقنية ما يمكننا من إتمام كامل العمل المأمول إن توافرت سبل الدعم لذلك.
وحرصًا من “تجمع المحامين السوريين” على استكمال مسار عمله على هذا الملف المهم، أطلق مع بداية العام 2018 منصة إلكترونية ليتمكن من خلالها كل السوريين من اللاجئين والنازحين أينما وُجدوا من توثيق ممتلكاتهم العقارية (أيًا كان شكل ومستند تلك الملكية)، وكذلك توثيق الانتهاكات والتعديات التي قد تكون تعرضت لها تلك الممتلكات أيًا كان نوعها وشكلها والجهة التي مارست هذا الانتهاك
(رابط المنصة الإلكترونية: http://www.freesyrianlawyers.com/index.php/ar/send)
وذلك ليس بغرض بناء منظومة معلومات بحقوق الملكية فقط، وهو شيء مهم ومحمود على أي حال، وإنما لجعل هذا الملف واحدًا من الاستحقاقات والملفات المهمة التي يتعين التعامل معها في سياق البحث عن حل سياسي شامل للصراع، بالنظر لما ينطوي عليه هذا الملف من أهمية ترتبط ليس فقط بحق السوريين في الحفاظ على ممتلكاتهم واستردادها والعودة إليها أو تعويضهم عنها إن كان قد لحق بها تدمير شامل، وإنما أيضًا في الحفاظ على حق السوريين بالعودة إلى مواطنهم وأماكن سكناهم، بوصفه أحد أهم الحقوق الأساسية التي يتعين الحفاظ عليها والدفاع عنها في سياق أي حل سياسي، يتعين على أي سلطة انتقالية الالتزام بها والعمل على تنفيذها.
وكما أسلفت آنفًا، فإن الاستجابة المحدودة للتعاطي مع هذه المسألة من قبل عموم المهجرين واللاجئين لا تعود فقط لضعف التعاطي الإعلامي مع هذه المسألة، وضعف أداء المؤسسة العاملة على هذه المنصة وآليات تسويقها لبرنامجها وترويجه بين الجمهور، وهي نقطة نعترف بها ونعمل على تجاوزها، وإنما أيضًا تعود لضعف الوعي المجتمعي بهذا الملف تحديدًا، وعدم إدراك أن ثمة عشرات القوانين التي صدرت عن السلطة الحاكمة خلال سنوات الصراع تمثل تهديدًا جديًا وحقيقيًا وحاسمًا للحقوق العقارية، وللحماية القانونية للملكيات التي يفترض قطاعًا كبيرًا من السوريين وجودها، وأنها تكفي لحماية ملكياتهم من العبث والفقد!
وكانت صحيفة “عنب بلدي” مشكورة نشرت مقالًا مهمًا حول أبرز القوانين والمراسيم التي تمس حقوق الملكية في سوريا، كما نشرت العديد من المقالات المهمة ضمن ذات السياق يمكن للمهتمين متابعتها والاطلاع عليها.
ونحن كمنظمة حقوقية نعتبر أنفسنا مسؤولين مسؤولية قانونية كاملة عن كل ما تم ويتم توثيقه وحفظه، ونعمل على إيداعه لدى مؤسسات أممية، ليكون بمأمن وتحت الطلب عند الحاجة للاستجابة لموجبات أي حلول مستقبلية تضمن حقوق الناس في ممتلكاتهم.
إن بناء وعي مجتمعي يتعلق بحقوق السكن والحفاظ على الملكيات العقارية، وحض الفئات المتضررة على التفاعل أكثر مع هذه القضية، يمثل جزءًا مهمًا من التزاماتنا كمنظمة حقوقية، ويلقي على كاهلنا عبئًا كبيرًا نعتقد أننا جديرون، بالتعاون مع كثير من الفاعلين والمهتمين، بحمل هذا العبء وإطلاق وتنفيذ برامج توعوية في مجتمعات اللاجئين والنازحين، ويحثنا على الارتقاء بأدائنا في هذا المجال بوصفه جزءًا من التزاماتنا الحقوقية والقيمية التي نؤمن بها ونعمل عليها ضمن مسار عملية الانتقال الديمقراطي نحو سوريا المستقبل.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :