عنب بلدي- خالد خليل
كان من المقرر أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 1 من تموز الحالي، عن فرض خطة “الضم” (تطبيق السيادة) على أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية، إلا أن بعض المسائل العالقة حول الخطة تتعلق بالترتيبات الأمنية والسياسية واللوجستية، لم تحسم الأمر، فضلًا عن تأثير المواقف الدولية الرافضة للخطة.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أمس، الأربعاء 1 من تموز، عن مكتب رئاسة الوزراء، أن المحادثات ستتواصل في الأيام المقبلة، موضحة أن نتنياهو سيواصل النقاشات مع الأمريكيين ومع القادة الأمنيين في إسرائيل بخصوص “الضم”.
وجاء في اجتماع “لجنة رقابة الدولة”، الذي انعقد أمس، أن المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) لم يجتمع إلى الآن لمناقشة متعمقة لخطة “الضم”، كما أن وزارة العدل لم تُشرك في هذا الخطوة، على الرغم من كثرة التداعيات والعواقب القانونية التي ستفرضها عملية كهذه.
وتعتبر خطة “الضم” أو “تطبيق السيادة” أحد مخرجات خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، أو ما يعرف إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، وتسمح لإسرائيل بضم نحو 30% من أراضي الضفة الغربية، تشمل الكتل الاستيطانية في الضفة وغور الأردن.
الأمور غير واضحة بعد
وأشار رئيس اللجنة، عضو الكنيست عوفير شلح، إلى أن كثيرًا من الأمور لا تزال غير واضحة، “ويجب قبل الحسم أن نعرف عمّ نتحدث”، بحسب قوله.
وأضاف شلح، “ليس من الممكن أن نصل إلى تاريخ وموعد إعلان الخطة، ورئيس الأركان لم يرَ الخرائط بعد”.
بدوره، أكد رئيس شعبة المخابرات في مجلس الأمن القومي، راني بيلد، أن القيادة السياسية لم تبلور بعد موقفًا لتطبيق السيادة (الضم)، موضحًا، “نحن في أوج العملية لكن مع كابينت جديد”، في إشارة إلى أن “الكابينت” قد شُكّل حديثًا ويحتاج إلى وقت كافٍ لدراسة اتخاذ القرار.
وأضاف بيلد، “سيعقد الكابينت اجتماعًا في الأيام المقبلة، ستتخلله مناقشة متعمقة لقضية الضم”.
وحول استعدادات وزارة العدل الإسرائيلية لفرض “الضم”، أوضح ممثل الوزارة، ناعم نيومان، الذي حضر اجتماع “لجنة رقابة الدولة”، بقوله، “إلى الآن نحن غير مدمجين وغير مطلعين على عمل مجلس الأمن القومي”.
وناقش الاجتماع التحضيرات الدبلوماسية، وأوضح نائب المدير العام للدبلوماسية العامة التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ناعم كيتس، أن “إسرائيل حددت بعض السياسات في هذا الصدد، ولكن لدينا مصالحنا الأمنية والسياسية التي يجب أن تؤخذ بالحسبان”.
وختم رئيس “لجنة رقابة الدولة” الاجتماع بالقول، “وصلنا إلى الأول من تموز (الموعد الذي حدده نتنياهو لإعلان الضم)، ومن هذه اللحظة يمكن أن نفرض الضم بأي لحظة، ولكن يجب أن يجري ضمن تصور واضح وجلي”.
انقسام إسرائيلي
خطة “الضم” تشهد انقسامًا إسرائيليًا داخليًا، حول التفاصيل والآليات والتوقيت.
وبينما يسعى نتنياهو وتيار اليمين الإسرائيلي الإسراع إلى فرض “الضم”، باعتباره “فرصة تاريخية” مستفيدًا من وجود صديقه، دونالد ترامب، في البيت الأبيض قبل الانتخابات الأمريكية المرتقبة، يحاول الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بقيادة وزير الدفاع ورئيس الوزراء بالإنابة، بيني غانتس، التأني في اتخاذ القرار، وقال غانتس، “الأول من تموز ليس مقدسًا”.
ويقتصر الخلاف بين التيارين على التفاصيل وليس “الضم” كمبدأ، لما فيه من عواقب وتحديات أمنية وسياسية في ظل الظروف الاقتصادية “المرتبكة” بزمن التصدي لجائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
ويسعى نتنياهو جاهدًا لفرض “الضم” لتسجيل هذا “الانتصار” في سجله السياسي، حيث قامت حملته الانتخابية الأخيرة، بعد فشل ثلاث جولات انتخابية، على قطع الوعود بضم ثلث أراضي الضفة الغربية.
ولأهمية هذا المخطط، دوّن نتنياهو وغانتس، المتنافسان اللذان لم ينجح أحدهما بحسم الانتخابات، في وثيقة “الائتلاف الحكومي”، التي أفضت إلى تشكيل الحكومة الحالية، شروطهما المسبقة حيال “الضم”، وتخول الوثيقة رئيس الوزراء باتخاذ قرار “الضم” بعد الأول من تموز عقب التشاور مع الرئيس الأمريكي.
وبلغت الخلافات بين نتنياهو وغانتس ذروتها إزاء هذا الموضوع، ولا تزال مستمرة بانتظار ما ستسفر عنه المحادثات في الأيام المقبلة، ومن شأنها أن تؤدي إلى “حل الحكومة”، بحسب “يديعوت أحرونوت”.
ونقلت الصحيفة عن غانتس أن “الخلافات بلغت ذروتها، ومع ذلك فإنهما من أسبوع الى آخر يتعلمان كيفية العمل بشكل أفضل”.
وفي حال عدم التوصل إلى صيغة مرضية للطرفين، لن يبقى أمام الإسرائيليين سوى الذهاب إلى انتخابات رابعة، إلا أنه خيار لا يرغب به الطرفان، وسيكون غانتس “الخاسر الأكبر”، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، بعدما كسر تحالفه “أزرق أبيض” وقبِل بحكومة ائتلافية يتناوب فيها مع نتنياهو على رئاسة الحكومة.
التهديد الفلسطيني وإجماع عربي رافض
في المقابل، هدد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، أكثر من مرة، بتفكيك السلطة الفلسطينية وفرض العبء الفلسطيني على كاهل إسرائيل، وأعلن في أيار/ مايو الماضي، أن السلطة الفلسطينية ستكون في حِل من الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، بما في ذلك التنسيق الأمني.
وطالب “أبو مازن” بعقد مؤتمر دولي للسلام بقيادة اللجنة الرباعية الدولية، بناء على القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية، مشددًا على أن قرار انسحاب السلطة من التفاهمات لا يعني أنها غير مهتمة بالسلام.
وفي غزة حشدت “حماس” أمس، الأربعاء، ليوم غضب شعبي للتصدي للضم، خرج فيه نحو ثلاثة آلاف شخص للاحتجاج عليه.
وتسعى الحركة، التي تعتبر أن “الضم” بمثابة “إعلان حرب” مع فصيل “الجهاد الإسلامي”، إلى تعميق العمليات في الضفة الغربية، الأمر الذي جعل الجيش الإسرائيلي يرفع استعداداته لمواجهة أي ردود فعل محتملة من الفلسطينيين في القطاع.
عربيًا، تعالت الأصوات الرافضة لمخطط “الضم”، في إجماع عربي بما فيه مواقف لدول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) تعتبر موافقة على “صفقة القرن”، إلا أن الموقف الأردني الرافض “تجاوز المواقف العربية المعهودة”، بحسب صحيفة “القدس العربي”.
وأوضحت الحكومة الأردنية لإسرائيل، عبر عدة قنوات، أنها ستعارض أيضًا “الضم المقيّد والمحدود” في الضفة الغربية وسترد عليه بنفس الطريقة التي سترد بها على “الضم الواسع النطاق”، وفقًا لما نقلته العديد من المواقع الإعلامية عن مصادر إسرائيلية مطلعة على التفاصيل.
وفي هذا السياق، وبعد رفض العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين، تلقي مكالمات هاتفية من نتنياهو، قبل أسبوعين، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الموساد، يوسي كوهين، زار الأردن الأسبوع الماضي، للتخفيف من حدة رفض المملكة الهاشمية، حاملًا رسائل من نتنياهو للملك، إلا أن مسعى كوهين لم ينجح، لأن الأردن رفض وبشدة “الضم المقلص” كرفضه لـ”الضم الواسع” بحسب ما هو مقرر.
وحذر العاهل الأردني، في أيار الماضي، من أن “الضم” سيؤدي إلى “نزاع واسع النطاق” في المنطقة، لأن منطقة غور الأردن متاخمة للحدود الأردنية (غرب)، مشددًا على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا.
وترتبط كل من الأردن ومصر مع إسرائيل باتفاقيات سلام، تحرص تل أبيب على عدم خسارتها، وهذا ما عكسه تصريح غانتس لـ”يديعوت أحرونوت”، بقوله، “يجب ألا نعرّض معاهدة السلام مع الأردن للخطر”.
رفض وإدانات دولية
أدانت الأمم المتحدة المخطط الإسرائيلي على لسان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، الذي اعتبره “انتهاكًا للقانون الدولي”، محذرًا تل أبيب من مغبة هذه الخطوة، لأنها تقوض الاستقرار في المنطقة وتقضي على فرص السلام.
وفيما عدا واشنطن، هناك شبه إجماع دولي على رفض المخطط الإسرائيلي، صدر عن اجتماع لمجلس الأمن الأسبوع الماضي، بالتزامن مع موقف متقدم لأوروبا لرفض الخطة الإسرائيلية، مع تلويح دول الاتحاد باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد تل أبيب، إلا أنها انقسمت حول خيار فرض العقوبات.
ورفضت فرنسا على لسان وزير خارجيتها، جان إيف لو دريان، “ضم أراضٍ فلسطينية مهما كانت مساحتها”.
وقال لو دريان أمس، الأربعاء، إن “قرار الضم سيكون انتهاكًا للقانون الدولي، لا يمكن أن يمر دون عواقب، ونحن ندرس خيارات مختلفة على المستوى الوطني وكذلك بالتنسيق مع شركائنا الأوروبيين الرئيسين”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز“.
وطالب أكثر من ألف مشرّع أوروبي، قبل أيام من الموعد المقرر لإعلان “الضم”، منع إسرائيل من تنفيذه، ووقّعوا على عريضة تدعو إلى اتخاذ الرد المناسب في حال مضت إسرائيل قدمًا في مخططها.
وفي موقف لافت، استدعى الفاتيكان أمس، الأربعاء، كلًا من سفيري الولايات المتحدة وإسرائيل، للتعبير عن مخاوف الكرسي الرسولي بشأن تحركات إسرائيل لبسط سيادتها على مستوطنات يهودية وغور الأردن في الضفة الغربية، بحسب وكالة “رويترز“.
أما بالنسبة للموقف الأمريكي، وعلى الرغم من أن خطة “الضم” هي جزء من “صفقة القرن”، التي أطلقها ترامب وهندسها صهره جاريد كوشنير، والتي تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بضم أراضٍ واسعة من الضفة، يبدو في الأيام الأخيرة أقل حسمًا مما كان عليه قبل، بسبب الخلافات الإسرائيلية والمعارضة الدولية والخشية من خسارة الموقف الأردني.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أكد أكثر من مرة أن أمر “الضم” يعود لإسرائيل لاتخاذ قراراتها بشأن ما إذا كانت ستضم أجزاء من الضفة الغربية.
ومن الأمور العالقة التي دعت إلى تأجيل موعد إعلان “الضم”، هو الاختلاف بين الخرائط الأمريكية التي تضمنتها “صفقة القرن”، والخرائط الإسرائيلية التي كشف عنها تلفزيون “كان” الإسرائيلي، في 29 من حزيران الماضي، وتضم الأخيرة أراضي أوسع مما هو مرسوم بالأولى.
–