وسط مذابح التوأمين.. هل “بيعت” سوريا لإيران؟
كتب فريدرك هوف في أتلانتيك كونسل
أحد الآراء المنتشرة بين السوريين الذين يكافحون للنجاة وسط مذابح التوأمين، تنظيم “الدولة الإسلامية” ونظام الأسد، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية “باعت” سوريا لإيران لإنهاء لصفقة مع طهران حول الأسلحة النووية.
والمنطق وراء هذا الاعتقاد يستند، إلى حد كبير على الأقل، إلى حقائق ملحوظة: ردود الفعل الاحتفالية لنظام الأسد وحزب الله بعد إبرام الصفقة، وإصرار واشنطن على أن تتغاضى المعارضة التي تدربها وتجهزها عن مذابح الأسد وتركز على قتال تنظيم الدولة، بالإضافة إلى رفض إدارة أوباما تنظيم أي وسيلة لحماية المدنيين السوريين في ظل الهجوم المرعب والقتل الجماعي الذي ينهجه النظام، ومساعي طهران للحصول على الوسائل المالية وزيادة دعمها للأسد؛ الدفاع عما سبق منطقي، ولكنه مع ذلك يقود في النهاية إلى خلاصة خاطئة.
وفي الحقيقة فإن هذه المسألة غير مغرية؛ الولايات المتحدة وشركاؤها الـ 5+1، اختاروا التغاضي عن مذابح النظام في سوريا والدور الإيراني الكبير، لتجنب تقويض المفاوضات النووية.
بدورها لم تشعر إيران بأنها مقيدة، وبقدر أهمية المفاوضات لتتفادى طهران العقوبات وتحتفظ بقدرات معينة في المجال النووي، لم نراها تتحدث عن دعم استخدام الأسد للبراميل والحصار والتجويع والقصف بالأسلحة الكيميائية؛ ومن المرجح أن يكون ذلك لتتجنب معاداة المفاوضين النووين الغربيين، إذ لا يعتبر هذا أمرًا يمكن أن يفتخر به أي شخص في الغرب، الحقيقة الجلية هي أن سوريا لم تكن على جدول الأعمال، إن كان لبيعها أو إنقاذها.
ومع ذلك فإن الرئيس أوباما وشركاءه الأوروبيين أتموا الاتفاق الذي سعوا إليه، وهم الآن بشكل ما غير مقيدين، ورغم أن حماية المدنيين السوريين من القتل الجماعي ليس ضمن ما يريده القادة السياسيون الغربيون حاليًا، إلا أنهم مهتمون بالمعركة ضد تنظيم “الدولة” بكل تأكيد.
القادة الغربيون، بدءًا من الرئيس أوباما، يدركون أن استراتيجية الأسد واتباعه سياسة الأرض المحروقة يجعل من سوريا مكانًا آمنًا لتنظيم “الدولة”، فهم يوقنون أنه ومع كل برميل وكل هجوم كيماوي وكل طفل يموت من الجوع هناك شريان الحياة بالنسبة للتنظيم وهو تجنيد المقاتلين سواء داخل سوريا أو حول العالم.
لقد أيقنوا تمامًا أن دعم طهران اللامشروط لنظام الأسد غير الشرعي، يسلط الضوء على تشعب أهداف إيران فيما يخص تنظيم “الدولة”،بقتاله في العراق كونه يمثل تهديدًا أمنيًا لطهران وحلفائها العراقيين، والإبقاء عليه في سوريا كخيار منافس للأسد، وهي تذكرة عودة لحليفهم إلى المجتمع المؤدب.
“بيع” سوريا لإيران سيؤدي إلى تسليم جزء كبير من البلاد لتنظيم “الدولة”، إلا في الحالات التي يجد فيها النظام نفسه ضد التنظيم للحفاظ على شيء يريده كحقل نفط أو قاعدة جوية أو بلدة صحراوية مليئة بالتحف الثمينة.
ويعتمد الأسد والخليفة “الزائف” على سياسة “عش واترك غيرك يعيش”، ويفضلانها على أن يقاتلا بعضهما البعض، ويركزان في الوقت ذاته توجهاتهما العسكرية على إنهاء أي شخص يوفر بديلًا لأي منهما.
الخليفة والأسد يريدان أن يكونا الطرفين الوحيدين المتبقيين في سوريا؛ الأسد كي يستطيع مواجهة الغرب بخيار “أنا أو هم”، والخليفة ليستطيع التجنيد حول العالم باعتباره البطل الذي يقاتل توأم الشر: الأسد وواشنطن، والفائز الأكبر في سيناريو كهذا هو إيران، فدعمها لحزب الله اللبناني عبر جزء من سوريا سيكون مضمونًا.
شن حرب ضد التنظيم في قسم من سوريا، وإطلاق يد نظام الأسد وإيران لارتكاب الفظائع بحق المدنيين هو تقاطع لمصالحهما، وهذه السياسة أشبه بالتصفيق بيد واحدة.
تحسّر بعض المسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية لعدة شهور سابقة على الفراغ الاستراتيجي الذي شكلته تحديدًا حالة الخسارة القائمة على الانهزام الذاتي، أما الآن ومع اكتمال المفاوضات النووية فهم يجدون زملاءهم داخل الإدارة مهتمين بربط النقاط بين نجاحات التنظيم في سوريا وإجرام نظام الأسد المدعوم إيرانيًا.
وخلافًا لكذبة أن أمريكا وراء تشكيل تنظيم “الدولة”، تعتبر نظرية بيع سوريا مفهومة على الأقل إذا قدّر الشخص الخبرات ووجهات النظر لأولئك الساعين للوصول لنهاية سلبية.
السوريون، في سوريا وحول العالم، يشعرون اليوم بأن الغرب تخلى عنهم، وينظرون إلى مسؤول أمريكي أحيا الذكرى العشرين لمذبحة سربرينشيا، وقال غير ساخر: “تذكروها ولا تسمحوا لهذا بأن يحصل مجددًا”، ويشاهدون الأسد وحزب الله اللذين يلعبان دور المعادل السياسي في جولة النصر يحتفلون بما يظنون أن أسيادهم الإيرانيين قاموا به لأجلهم.
قد تكون جولة النصر هذه مبكرة، فبغض النظر عن الأولوية السياسية التي وضعها لحماية المدنيين السوريين كواجب إنساني، فإن لدى أوباما حرب ضد تنظيم “الدولة” وعليه الانتصار فيها، إذ عليه الفوز بانتخابات بالكونغرس.
القاسم المشترك في التغلب على كل التحديات هو إيران، وعلى وجه التحديد دعهما لتنظيم “الدولة” وتجاهلها لعمليات القتل الجماعي التي ينفذها نظام الأسد، وهذا أمر ضروري لكسب المعركة ضد التنظيم، إذ يقنع هذا بعض الديمقراطيين المتفرجين في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن الإدارة ليست ساذجة عندما يتعلق الأمر بإيران.
أمريكا لم تبع سوريا لإيران؛ مثاليًا لن يمر كثير من الوقت قبل تأكيد طهران وأصدقائها لموافقة الغرب، نظريًا وعمليًا، لحقيقة رئيسية، وهي منعهم من ارتكاب الأسوأ بحق المدنيين السوريين، الأمر الذي يعتبر نقطة انطلاقهم وهزيمة تنظيم “الدولة” في سوريا.
نُشر في 24 تموز وترجمته عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :