سيرين عبد النور – ديرالزور
“أغلبهم منافقون، ويضمرون الشر للإخوة في التنظيم، رغم أنه حفظ أعراضهم وأعادهم إلى الإسلام الصحيح”، و”هم سبب تأخر النصر في معظم المعارك لكثرة الذنوب والمعاصي بينهم”، و”مجرد طفيليات تعتاش على إنجازات جند الخلافة دون تقديم شيء”.
بهذه الحجج يبرر عناصر التنظيم في “ولاية الخير” سوء علاقتهم بمدنييها، الذين يرون أنفسهم “أضعف الأطراف في هذه الحرب”، وقد سلب التنظيم خيرات مدينتهم البشرية والنفطية والزراعية، بحسب أبو حسان من حي الشيخ ياسين، واصفًا تعامل التنظيم مع المدنيين فيها بأنه “كان في البداية صولة الفاتح، ثم ممارسات القامع، والآن انتقام المهزوم”.
ويقول أبو حسان إن التنظيم لا يكتف بالظاهر من انتهاكاته بحقهم، من قتل واعتقال تعسفي وتهجير قسري وتمزيق أوراق ثبوتية وتعمُّد استهداف مناطق المدنيين، بل لديه “خطط متكاملة ومنهجية مدروسة تستهدف المجموعات البشرية البعيدة عنه”.
ويوافقه أبو سمير، من حي العمال، بأن النزعة الانتقامية في تعامل التنظيم تظهر تلو كل هزيمة يمنّى بها، “يخرج عناصره إلى الأسواق ويعتقلون أعدادًا كبيرة من الأهالي بحجج مختلفة، تتعلق بالصلاة، واللحية، وطول الثوب… يتم تعذيبهم داخل السجون، ويلامون على تأخر نصر التنظيم”، ويعقب “إنهم يختلقون الحجج لأذيتنا”.
مدنيون برسم التجنيد
ولا تغيب عن التنظيم أهمية العنصر المدني في معارك السيطرة، بحسب عدنان المنشق عنه، “حين يقرر التنظيم مهاجمة هدف ما، فإنه يدرس كافة العوامل التي من شأنها التأثير فيه، وأولها المدنيون”، ويشرح عدنان خلال حديثه إلى عنب بلدي عن الدراسة “المعمقة” التي تشكل أعداد السكان وخلفياتهم الاجتماعية والفكرية وطبائعهم ومدى قدرتهم على استخدام السلاح أو مقاومة التنظيم، ومدى قبولهم له ولأفكاره.
ويضيف عدنان أن التنظيم يسعى دومًا للحصول على أسماء أعدائه المحتملين، وتحديد مراكز القوة في المجتمع سواء الاقتصادية أم الاجتماعية، وكيفية تطويعها لخدمته قبل فرض سيطرته، ومن ثم تفتيتها بعد ذلك.
ويؤكد ذلك الباحث في شؤون التنظيم، طه العبيد، ويقول “يعد تنظيم الدولة الإسلامية من التنظيمات التوسعية التي ترفض فكرة الحدود الثابتة وتسعى إلى مد نفوذها نحو مناطق جديدة، وبالتالي هو محتاج بشكل دائم إلى موارد متجددة، وبخاصة العنصر البشري”، موضحًا بأن الدولة “لا تستثني في مناطق نفوذها عمرًا ولا جنسًا”.
“التنظيم يستغل الجميع سواء أطفالًا يعدون عقائديًا وقتاليًا، أم إناثًا يدربن ليكنّ حاضنات مؤتمنات لأفكار التنظيم ولتفريخ أجيال جديدة من المتطرفين… كما يستغلهن التنظيم ليكنّ عناصر اختراق احتياطية تستخدم في حال فشل وسائل الاختراق الأخرى”، يضيف العبيد.
إضافة لاعتماده على عمليات انتحارية لاختراق صفوف العدو، تستنزف أيضًا المعارك المستمرة في العراق وفي شمال سوريا وفي باديتها عناصر التنظيم، وخاصة خسائره الأخيرة في عين العرب (كوباني)، وفي بلدة سلوك شمال الرقة، وفي الحسكة. لذا تستدعي الضرورة تعزيز التنظيم بعناصر تدعم نواته القائمة على السلفيين الجهاديين، ويعمل التنظيم على استقطاب قاعدة بشرية من بين المدنيين في مناطق سيطرته، خزانه البشري، وفتيل اختراقاته الجديدة.
كذلك يغري التنظيم بأجوره المرتفعة العمالَ والمختصين في مجالات الاعلام والطب والهندسة والنفط وغيرها، لضمهم بين صفوفه؛ في حين يضيق على غيرهم من العاملين خارج إطاره، ويحصرهم بين خياري مغادرة مناطق سيطرته أو مبايعته.
اقتصاد برهن الاستنزاف
وتتزامن عمليات التنظيم كذلك مع استنزاف اقتصادي لموارده، لذا يحتاج إمدادًا مستمرًا من السلاح والذخيرة، وتتزايد تكاليف معاركه بازدياد حدتها واتساع رقعتها؛ كما تتطلب أجهزته الإدارية أعباء مادية، يلقي بجزء منها على الأهالي من خلال فرض رسوم وضرائب كجزء من سياسته المالية، التي يعتبرها سمير، طالب دراسات عليا في العلوم الاقتصادية، بالـ “متخبطة” لغياب آلية فاعلة ومنتظمة للجباية في ظل ظروف التنقل المستمر للأهالي بحسب قوله.
ويضيف أن الرؤيا الاقتصادية للتنظيم “غير متكاملة”، يرسمها “أفراد غير ضليعين في الاقتصاد والمعاملات المالية”، ما يهدر موارد التنظيم، موضحًا أن التنظيم يعامل أهالي مناطق سيطرته على أنهم “خزائن مالية” يستولي على أراضيهم وممتلكاتهم فيبيعها أو يوزعها على عناصره؛ كما يعتمد “فقه الغزو والغنائم” لتغطية أعباءه المادية ولتحفيز عناصره على الغزو مغريًا إياهم بالغنائم، مستغلًا بذلك كافة الموارد في المنطقة “حتى آخر قطرة” على حد تعبيره.
وإعلام موّجه
يتربع الإعلام في صدارة ما أحسن التنظيم استغلاله، ترغيبًا وترهبيًا وتجنيدًا؛ إذ تتنوع اللهجة في “إصداراته” بحسب غايتها. فمنها ما “يبث الصدمة والرعب في نفوس الأهالي، الذين يعتمد عليهم بنقلها إلى غيرهم، بحسب وصف مقرب من التنظيم.
وجانب آخر من دعايته الإعلامية يقوم على “استغلال المدنيين لتلميع صورته”، بحسب أحمد الناشط الاعلامي في المدينة، الذي أوضح مستدلًا بأن الإصدارات الأخيرة للتنظيم، تصور نواحي الحياة في كنفه “بفرودس”، باستخدام أحدث التقنيات البصرية؛ ما من شأنه جذب عناصر جديدة تغذيه، وتبعد عنه صورة الإرهابي الذي يسفك الدماء ويحز الرقاب ويرتكب مجازر جماعية.
في حين يتعمد التنظيم إبعاد جثث مقاتليه وأسلحتهم قبل تصوير آثار الضربات التي تستهدفه، مدعيًا عدم إصابة أي من عناصره، وبغية التركيز على الضحايا المدنيين لاستغلالهم ورقة ضغط على أعدائه، إذ يصور نفسه “سطلة حاكمة”، والضربات “مذابح بحق رعاياه”.
بعد عام على إعلانها، اتضح أن تسميتها بـ “ولاية الخير” لم يكن اعتباطيًا، فولاية التنظيم على ديرالزور استنزفت كل خير فيها.