طارق أبو زياد – ريف حلب
“حربي رشاش أقلع من مطار النيرب باتجاه العمل”، بمجرد سماع هذا النداء الصادر عن المراصد العسكرية ليلًا تطفأ مصادر الإنارة في مدن الشمال المحرر، لأن ضوءًا ضعيفًا قد يودي بصاحبه، وفق ما ينقل أبو رامي، الذي يملك دكانًا في قرية كفر حلب.
الطائرة العسكرية “لام 39″، أو ما يعرف بـ “حربي الرشاش الليلي”، باتت كابوسًا يعيشه السوريون الذين يضطرون إلى التحرك ليلًا في البلدات المحررة من ريف حلب، إذ تتمثل مهمتها بإطلاق النيران على أي ضوء أرضي وخاصة أنوار السيارات.
أبو عبد الرزاق، مقاتلٌ في حركة أحرار الشام، تحدث لعنب بلدي عن استهداف سيارته في معركة باشكوي في ريف حلب الشمالي، “كنت أسير ليلًا على الطريق الرئيسي في قرية حريتان وكنت على عجلة من أمري لذلك لم أطفئ الأنوار؛ كانت التنبيهات تصلني من القبضة اللاسليكة لكن لم أكترث لها”، وأضاف “سمعت صوت الطائرة وشعرت بها فوق سيارتي فهي تنخفض لمسافة 500 متر ولا يمكن رؤيتها ليلًا واستهدافها؛ أطلقت قرابة 10 رصاصات متفجرة ورؤيتها تنفجر أمام سيارتي، أطفأت الأنوار لكنّ طلقة أصابت السيارة من الأمام وتعطلت”.
لم يصب أبو عبد الرزاق بأذىً، لكنّه يقول “رأيت الموت بعيني وهو درس لن أنساه؛ أنصح السائقين بإطفاء الإنارة ليلًا فحربي الرشاش يغزو سماءنا من المغرب حتى طلوع الشمس”.
مهمة الطائرة التدريبية، التي حصل عليها الأسد من حليفته موسكو، بعد صفقة بقيمة 550 مليون دولار قبل عامٍ تقريبًا، شلّ حركة مقاتلي المعارضة ليلًا برصد طرق الإمداد والشوارع الرئيسية بين المدن، وفق أبو الحسن، القائد العسكري في تجمع أجناد الشام، مؤكدًا أن نشاط الحربي يزداد في المناطق المحيطة لخطوط التماس الأولى مع قوات الأسد، ويستهدف كافة الأنوار الثابتة والمتحركة ما يؤدي لضرب منازل المدنيين في المنطقة.
على خطوط القتال ينسق الطيار مع جنود النظام الذين يحددون أهدافه بواسطة عيارات خطاطة تشير إلى مكان تمركز مقاتلي المعارضة، وفق أبو الحسن، مشيرًا إلى تشتيت الطيران بإطلاق خطاطات أخرى من عدة مصادر غالبًا يكتب لها النجاح، ومتحفظًا على أساليب أخرى لأسباب أمنية.
أما في المناطق البعيدة عن الجبهات فترصد هذه الطائرات الطرقات الرئيسية غالبًا، ويستهدفها بشكلٍ متقطع بعد منتصف الليل، ولذلك يعمل أبو ماجد، الذي يملك محلًا لتصليح كهرباء السيارات، على تركيب نوعٍ من الأضواء الضعيفة للسيارات مهمتها كشف مسافة قريبة من الطريق مع مراعاة رؤيتها من قبل المارة لتفادي حوادث قد تنتج عن إطفاء الإنارة نهائيًا.
وينظر المدنيون إلى “الحربي الرشاش” من زاوية أخرى، وفق الشاب أكرم الحلبي، الذي يعتبره “شبحًا لإخافة الناس أكثر من كونه سلاحًا فعالًا، فهو لا يحقق إصابات دقيقة في أغلب الأحيان”.
لا تحمل طائرات “لام 39” أسلحة سوى رشاشٍ من عيار 31 ميليمتر، ولا يمكنها التحليق إلا ليلًا لأنها تطير على ارتفاعات منخفضة ما يجعل إسقاطها مهمة سهلة، لكنّ السكان هنا لا يفرقون بين رصاصها وشظايا البراميل المتفجرة نهارًا؛ إنهم يقتلون بالمحصلة.