محمد فواز
دلالة كلمة “معتقل” في سوريا مختلفة كليًا عن كلمة “سجن”، فالسجين فاقد لحريته فقط وله مدة حكم يقضيها، أما المعتقل فهو محروم من حقوقه الإنسانية ولا يملك الحق بمعرفة مكانه أو مدة حكمه، كما يتعرض للضرب والتعذيب متى شاء المحققون؛ السجين يأكل ويشرب وينام ويعرف أخبار أهله، بينما يتعلق كل ذلك عند المعتقل بـ “رحمة الجلاد”، إن وجدت.
فؤاد معتقل سابق في فرع المخابرات الجوية بدمشق، حوّل إلى سجن عدرا المركزي بعد 6 أشهر من الاعتقال، ويقول لعنب بلدي “عندما علمت أنني سأحول إلى عدرا شعرت أن عمرًا جديدًا كتب لي، دخلنا لباب السجن الرئيسي أمرونا بخلع ثيابنا أعطونا ثياب المساجين ووضعوني في الرعاية الطبية لمدة ثلاثة أيام، شعور بالقليل من الحرية انتابني للوهلة الأولى”.
“رأيت البائعين المتجولين وحلمت بشراء الطعام، لكن لم أكن أملك مالًا وقتها، كنت سعيدًا جدًا لأن الشرطة لا يضربون المساجين بل يمازحونهم”، يردف فؤاد مظهرًا سقف مطالبه حينها “فرزت إلى مهجعٍ جماعي وتجمع أهل مدينتي في الزنزانة، أعطوني ثيابًا نظيفة وبعض المال وأحضروا الطعام ثم تحممت بماء ساخن؛ بكيت من الفرحة وحنان السجناء.. لقد ملكت الدنيا”.
أما محمد، المعتقل السابق في فرع فلسطين بدمشق، فقد حُوّل أيضًا إلى عدرا، يصف لحظات دخوله الأولى “استلقيت ومددت جسمي على الفراش، بعد أن كانت حصتي بلاطتين (50×50 سنتمتر) طوال فترة اعتقالي في الفرع ولم أستطع أن أمدد جسمي داخل الزنزانة … صرت أسأل الناس ألا يضربون أحدًا هنا؟ هل نستطيع الأكل كما نريد؟ شاهدت التلفاز واتصلت مع أهلي لأطمئنهم فأخبروني أن زوجتي أنجبت مولودةً وأنهم جميعًا بخير”.
أن تختصر أحلام الإنسان بثياب نظيفة يلبسها وحمام ساخن، أو أن يستلقي على فراش لمشاهدة التلفاز، هو جانب مما يعيشه المعتقلون في أفرع الأمن السورية.
تبقى الحرية أغلى ما يبتغيه الإنسان، لكن العوز والنقص في كل شيء يجعل المعتقل يفرح بأشياء نعدّها بديهية، رغم أنها سلسلة من أحلامٍ داخل المعتقل الفارغ من كل شيء.